أجهزة الاستخبارات… ثغرات في رصد عناصر تنظيم داعش (2)

دعاء عبدالنبي

رؤية ـ جاسم محمد

تفاعلت وسائل الإعلام كثيرا مع قصة فتاة أيزيدية، التقت جلادها في ألمانيا، بالتزامن مع إلقاء السلطات الأميركية القبض على أحد عناصر داعش، بعد أن استطاع التسلل إلى داخل أميركا بصفة لاجئ منذ عام 2014، وهذا ما يثير الكثير من الأسئلة حول الإجراءات التي تعتمدها دوائر الهجرة والاستخبارات، برصد عناصر الجماعات المتطرفة.

اعتقلت فرقة العمل المشترك لمكافحة الإرهاب التابعة لمكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) اللاجئ العراقي عمر عبدالستار أمين (45 عاما) في ولاية كاليفورنيا بناء على مذكرة تتهمه بقتل شرطي عراقي وعضوية داعش، المذكرة أصدرتها محكمة اتحادية عراقية في بغداد في مايو 2018. وصل أمين إلى تركيا عام 2012، وبدأ السعي للجوء إلى الولايات المتحدة زاعما أنه ضحية للإرهاب، وفقا للوثائق. وحصل على صفة لاجئ في يونيو 2014، لكنه عاد إلى العراق للقتال قبل سفره إلى الولايات المتحدة في نوفمبر 2014، وفقا للوثائق.

ظهرت فتاة أيزيدية يوم 16 أغسطس 2018، على بعض وسائل الإعلام، بأنها التقت أحد عناصر داعش، ويدعى “أبوهمام” بعد حصولها على اللجوء في ألمانيا في ولاية بادن فورتمبيرغ، وتقول إنها اضطرت إلى الهرب من ألمانيا والعودة إلى العراق، بعد أن يئست من اتخاذ الحكومة الألمانية أي إجراءات ضد “أبوهمام”، وأضافت الفتاة “أشواق” أنها أخبرت موظفا مسؤولا في دائرة الرعاية الاجتماعية، لكنها لم تخبر الشرطة الألمانية أو تسجل دعوة.

الحادثة لم تكن الأولى، شهدت ألمانيا مثل هذه الحوادث عدة مرات وتعاملت معها كقضية رأي عام، على سبيل المثال لا الحصر، ألقت السلطات الألمانية خلال شهر أبريل 2017 القبض على سوري في ولاية بافاريا جنوبي ألمانيا، للاشتباه بتجنيده أعضاء في مخيمات لجوء يونانية لخلايا إرهابية إسلامية في أوروبا، وفقا لتقرير دويتش فيللة الألمانية. وأعلن الادعاء العام في مدينة كارلسروه الألمانية أن هناك اشتباها قويا في أن الرجل (31 عاما) شارك بمعارك في سوريا كعضو في جبهة النصرة، التي غيرت اسمها إلى جبهة فتح الشام، وتنظيم داعش.

حذرت أجهزة الاستخبارات الأوروبية، من أن “داعش” دفع بعناصر له للتسلل بين اللاجئين الذين وصلوا أوروبا. خبراء ومحللون يكشفون عن بعض خطط الأجهزة الأمنية لمنع حدوث هجمات إرهابية محتملة.

أما فضيحة اللجوء في ولاية بريمن ما زالت  تتفاعل مع الشارع الألماني والطبقة السياسية، عندما حصل مقدمو طلبات اللجوء على موافقة من الدولة بالرغم من أنهم قد يشكلون خطرا محتملا على الأمن حسب ما نشرت مجلة دير شبيغل الألمانية، بسبب الفساد ودفع الرشوة.
أنشأ جهاز المخابرات الداخلية الألمانية خطا هاتفيا مخصصا لتلقي المعلومات من مخيمات اللاجئين، وحصلت السلطات الألمانية على الأدلة من المعلومات التي قدمها طالبو اللجوء في عموم ألمانيا، والتي تمثل خطرا حقيقيا بوجود مجموعات إرهابية لـداعش مكلفة بعمليات في أوروبا.

تحذيرات من تسلل عناصر داعش إلى أوروبا

المعلومات المتعلقة بدخول الإرهابيين مع مئات الآلاف من اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط ليست جديدة، وفق ما تقول سوزانا شروتر -خبيرة الإرهاب في جامعة فرانكفورت- “كان هذا معروفا منذ البداية، لقد حذرت من احتمالية حدوث مثل هذا الأمر قبل أن تحدث هجمات إرهابية”، تقول شروتر -لـDW. – “هذا لأن داعش أعلن أنه ينوي إرسال مهاجمين عبر الطريق الذي يسلكه اللاجئون. في وقت أنكر فيه السياسيون مثل هذه الأنباء”.

كشفت تحقيقات الاستخبارات الألمانية، بأن غالبية الأفراد المتورطة باعمال تطرف وإرهاب في ألمانيا كانت من أصول عربية، خاصة من سوريا، البعض منها حصل على التدريب وتسلل عبر موجات اللاجئين منذ مطلع عام 2015، التقارير ذكرت أن هناك بضع مئات من مقاتلي تنظيم داعش تسلل إلى أوروبا، ويعتبر مشروعا انتحاريا.

ثغرات داخل دوائر الهجرة واللجوء

اكتشفت الاستخبارات الألمانية، وجود ثغرات داخل دائرة الهجرة واللجوء، يسمح لأعداد من اللاجئين بالتحرك والتنقل وتغيير أماكن تواجدهم بعيدا عن أي مراقبة إدارية، ناهيك عن اكتشاف دائرة الهجرة مؤخرا لعدد من حالات النصب والاحتيال من اللاجئين على نظام الرعاية الاجتماعية بالتسجيل في أربع أو خمس دوائر تحت أسماء وبيانات تختلف الواحدة عن الأخرى من أجل مكاسب مالية، ما عدا الأعداد التي سجلت في دوائر الهجرة واللجوء وغادرت ألمانيا إلى دول أخرى.

نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية يوم 29/ 4/ 2017 وثائق استخباراتية إيطالية سرية تكشف عن تسلل قيادات وعناصر من تنظيم “داعش” الإرهابي إلى أوروبا. وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن عناصر “داعش” تسللت إلى أوروبا، عن طريق ليبيا، عبر برنامج صحي تشرف عليه حكومة الوفاق الوطني الليبية تحت قيادة، فايز السراج. ويركز البرنامج الصحي على علاج الجنود التابعين والموالين للحكومة، في القارة الأوروبية. وأشار التقرير الاستخباراتي إلى وجود “شبكة معقدة” من العناصر، التي أدت إلى تسلل عناصر داعش إلى أوروبا متنكرين ضمن جرحى ليبيين.

كشفت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، خلال شهر سبتمبر 2015 -في تحقيق لها- عن وصول عناصر التنظيم “داعش” الإرهابي إلى أوروبا وسط اللاجئين السوريين من خلال جوازات سفر مزورة، حيث قام مراسل الصحيفة بشراء 2000 جواز سفر سوري، وبطاقة الهوية ورخصة القيادة من بلدة في الحدود التركية. وقال أحد مزوري الجوازات: إن مقاتلي “داعش” يستخدمون وثائق للسفر إلى أوروبا لبدء خلايا الإرهاب أو العيش تحت اسم مستعار، مشيرا إلى أنه تم استخدامها من قبل المهاجرين السوريبن.

وأشارت الصحيفة، إلى أن “داعش” استخدم الوثائق من خلال التشابه في الأسماء والشخصيات ليصعب التعرف عليهم، مشيرا إلى أنه ليس هناك شك في أن التنظيم سيكون حريصا على استغلال أزمة اللاجئين الحالية للتسلل عن طريقها إلى أوروبا والمملكة المتحدة، عن طريق البطاقات التي تحمل الختم الرسمي للحكومة، طبعت باستخدام الآلات التي استولى عليها “داعش” وسلمت للمزورين، فيصعب معرفتها.
 
رغم ما تتخذه الحكومات الأوروبية والغربية من إجراءات، لكن يبدو أنها غير كافية بسبب حجم التحدي، والذي يمكن وصفه، بأنه خارج عن قدرات وإمكانيات أجهزة دول أوروبا تحديدا، وربما بقية الدول الغربية.

دول الغرب لم تدرك، قبل ذلك، وسائل وأساليب تنظيم داعش، وربما تجاهلت ذلك عن قصد، من أجل استقطاب الجماعات المتطرفة من الغرب إلى منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما حصل.

وفقا لمصادر معلومات موثوقة من داخل العراق، أكدت أن الحكومة العراقية أوقفت إشراك الألمان بالتحقيق مع الدواعش حَمَلة الجنسية الألمانية، بعد أن أجرت ألمانيا اتصالاتها مع حكومة إقليم كردستان حول إطلاق سراح أحد عناصر داعش من دون موافقة حكومة بغداد.

ما بعد عام 2015، وإحداث تفجيرات باريس وما تبعتها من عمليات إرهابية، مطار بروكسل في مارس 2016، وغيرها من العمليات الإرهابية، جعل دول أوروبا والغرب تتنبه لارتداد تنظيم داعش عليها وانعكاس ذلك على أمنها القومي، إلى حدّ أن تكون التهديدات قائمة.

ما يحصل من تسلل وتسرب لعناصر تنظيم داعش إلى أوروبا والغرب، يكشف حجم الخلل داخل هذه الدول، على مستوى دوائر الهجرة وأجهزة الاستخبارات، التي لم تعد لحد الآن قادرة على تجاوز البيروقراطية في التعامل. فرغم أن أجهزة الأمن والشرطة والهجرة أجهزة تنفيذية، لا تستطع القيام بأي عمليات دون موافقات القضاء، لكن لا يصل الحد إلى مستوى أن يتسلل عناصر التنظيمات المتطرفة أمام أعين دوائر الهجرة والاستخبارات.

يفترض أن تراجع أجهزة الهجرة الملف مع مراجعة بصمات الأصابع والسجل الجنائي للمطلوبين، يذكر أن المتورطين في إدارة المتفجرات وتصنيعها، من السهل جدا الكشف عن البارود في بصماتهم! كان يفترض ألا تخفق أجهزة الأمن والهجرة وعلى مستوى الولايات المتحدة وأوروبا، برصد عناصر داعش.

تسلل عناصر داعش، يعطي مؤشرا على ضرورة تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب ضد تنظيم داعش، ومن الضروري إنشاء بنك معلومات يتم الدخول عليه عبر منصات إلكترونية ومنظومة مغلقة بعيدا عن البيروقراطية والروتين، تشترك فيه الدول المعنية بمكافحة الإرهاب، خاصة التحالف الدولي من أجل تقاسم المعلومات والبيانات.

ربما يعجبك أيضا