جسر “يهوديت” يُجدد الصراع الديني – العلماني في إسرائيل

محمد عبد الدايم
رؤية – محمد عبدالدايم
لا يكاد أسبوع يمر دون تجدد الاشتباك بين الفريقين الحريدي والعلماني في إسرائيل، وهذه المرة أثار بناء جسر في تل أبيب مناوشات جديدة بين الطرفين.
الأسبوع الفائت أعلنت الشركة التي تنفذ جسرًا في تل أبيب عن إغلاق بعض الشوارع المرتبطة بمحور طريق أيالون (الطريق السريع 20) والمرتبطة بأعمال تدشين الجسر على مدار ستة أيام سبت في أسابيع متتالية.
جاء إعلان الشركة مواكبًا لتكثيف العمل في الجسر المعدني الذي تم التخطيط لتدشينه في العام 2010، وجاءت الموافقة على خطة التدشين من قبل لجنة مشتركة تابعة لبلدية تل أبيب يافا عام 2014، حتى بدأ العمل الفعلي في سبتمبر من العام الماضي، ومن المقرر أن ينتهي العمل فيه منتصف العام المقبل، لذا كثفت الشركة من أعمالها وأعلنت هذا القرار.

وزير المواصلات يلغي قرار الشركة

أثار إعلان الشركة ردود أفعال رافضة من جماعات حريدية وشخصيات سياسية تنتمي لأحزاب اليمين الديني، على إثر ذلك أعلن وزير المواصلات يسرائيل كاتس (المنتمي لحزب اليمين الحاكم هاليكود) عن تجميده لقرار الشركة، بعدما وصف إعلانها بأنه “مثير للغضب ولا داع له”، وأصدر قرارًا من جانبه بتجميد أعمال البناء، وأعطى تعليمات للشركة بتقديم خطة جديدة للعمل تقضي بتكثيف أعمال البناء خلال ساعات الليل بدلا من أيام السبوت “مثلما جرى في أعمال سابقة، وعلى شاكلة أعمال البناء في إسرائيل أو في أي مكان آخر بالعالم” على حد قول كاتس.
 
جاء قرار كاتس بدعوى أن إغلاق الشركة للطرق في أيام السبت إنما يمثل ضغطًا شديدا على الجمهور الإسرائيلي خلال نهايات الأسبوع، حيث يتسبب في تعطيل المرور، لكن يبدو أن قراره جاء بعد تهديدات من الحريديم الرافضين لإجراء أية أعمال امتثالا لـ”شريعة السبت”.

الشركة ترد على وزير المواصلات
في رد فعل الشركة على قرار وزير المواصلات، أعلن متحدثون باسمها أنهم يعملون وفقًا لخطة البناء المقررة أساسًا من وزارة المواصلات، كما أن استمرار العمل في أيام السبت جاء بموافقة من وزارة الر فاه ومن الشرطة الإسرائيلية، كما أن تكثيف العمل في ساعات الليل فقط ليس أمرًا صحيحًا يساعد في إنجاز العمل دون الضغط على الجمهور الإسرائيلي.
رئيس بلدية تل أبيب يهدد باللجوء للمحكمة العليا

رئيس بلدية تل أبيب يافا رون حولدائي (المنتمي إلى حزب اليسار الصهيوني هاعفودا) في رد فعله هاجم وزير المواصلات كاتس، وقال إنه ليس في الإمكان إقامة الجسر في ساعات الليل، وهدد باللجوء إلى المحكمة العليا الإسرائلية إذا لم يتراجع وزير المواصلات عن قراره الذي اتخذه “إذعانا لضغوط أحزاب الحريديم” على حد قوله، في حين أن خطة بناء الجسر جاءت بعد مشاورات كثيرة واتخذتها الشركة المنفذة التي تنتمي في الأخير إلى وزارة المواصلات نفسها التي يديرها كاتس.

أوقفوا التوحش الحريدي
في رد فعل من حزب يسرائيل بيتينو الذي يترأسه أفيجادور ليبرمان وزير الدفاع في ائتلاف نتنياهو أعلن عضو الكنيست عوديدبورير رفضه لقرار وزير المواصلات، وقال: “يجب على كاتس أن يعي أنه وزير مواصلات دولة إسرائيل، وليس أجودات يسرائيل (الحزب السياسي الأصلي لليهود الحريديم)” وأضاف بورير أن على رئيس الوزراء نتنياهو “وقف هذا التوحش” في إشارة لرضوخ كاتس لتهديدات الحريديم الذين يسعون للسيطرة على مفاصل الدولة بكاملها، واتهم بورير وزير المواصلات بأنه يذعن لضغوط التيار الحريدي بحزب هاليكود الحاكم.
كذلك تعرض قرار وزير المواصلات لهجوم ورفض من تكتل المعسكر الصهيوني وحزبي كولانو وميرتس، فيما أعلن الأخير عن تقديمه طلبًا لمناقشة قرار كاتس في الكنيست. 
ردود أفعال متناقضة من وزراء هاليكود
وزير الرفاه حاييم كاتس (عن حزب هاليكود) الذي وافقت إدارته على خطة الشركة بالعمل خلال أيام السبت أعلن في مقابلة إذاعية لراديو 103 أنه لم يكن على علم مسبق بقرار وزير المواصلات كاتس، مما يشير لعدم التنسيق بين الوزارتين أو بين العضوين في الحزب ذاته، وطلب وزير الرفاه من وزير المواصلات تقديم خطة واضحة للعمل في منتصف الأسبوع إذا كان مصرًا على وقف البناء في أيام السبت.
على جانب آخر وقفت وزيرة الثقافة والرياضة ميري ريجيف (عن حزب هاليكود) بجانب يسرائيل كاتس ودافعت عن قراره معتبرة إياه “صحيحًا ومقبولًا، دون الحديث عن إذعانه لضغوط الحريديم” فالأمر “يتعلق باحتياجات الإسرائيليين الحريديم الذي يعيشون في هذه المنطقة وفي إسرائيل، كما أن الجمهور الإسرائيلي عموما يحتاج ليوم الإجازة الأسبوعية السبت كيوم راحة من العمل، ويجب الحفاظ عليه باعتبار أمر الإجازة ضرورة اجتماعية وليست فقط لحاجة دينية” على حد قولها.

أما نتنياهو نفسه فقال في تصريح مقتضب إنه يعتقد بعدم صحة وقف حركة المرور في منتصف الأسبوع على خلفية تكثيف العمل بدلا من يوم السبت، في تلميح لرفضه قرار وزير المواصلات.

صراع سياسي وديني

القرارات المتعلقة ببناء الجسر والتصريحات المؤيدة والرافضة تشير ببساطة إلى أن الأمر مرتبط بصراع سياسي في المقام الأول، حيث توجد أطراف من داخل حزب هاليكود نفسه رافضة لقرار يسرائيل كاتس، معتبرة إياه خطوة منفردة خاطئة تشير إلى إذعانه لضغوط الأحزاب الحريدية في الائتلاف الحاكم، أو رضوخه لتيار حريدي داخل هاليكود نفسه، كما تجدر الإشارة إلى أن كاتس أحد الحالمين بخلافة نتنياهو في زعامة حزب هاليكود، وبالتالي ربما يؤمن لنفسه جسرًايعبر عليه يدشنه الحريديم داخل هاليكود أو من الأحزاب الحريدية بالائتلاف.
 

على جانب آخر بدا حزب يسرائيل بيتينو أكثر الرافضين لقرار وزير المواصلات، تماشيا مع الخط الذي يسير عليه أفيجادور ليبرمان بمناوأة التمدد الحرديدي، ومن ثم يدافع عن قانون تجنيد الحريديم ويسعى لإقراره بشكل نهائي، كما يفكر في مستقبل العلاقة الباردة بينه وبين نتنياهو.

الصراع إذا ديني – علماني ظاهر بجانب شكله السياسي، ويشير إلى استمرار الإشكالية المتضخمة بين المتدينين والعلمانيين في إسرائيل، حيث يستمر التمدد الحريدي الديني الساعي للقبض على إسرائيل بالابتزاز والتهديد والتوسع الديني في مؤسسات الدولة في مقابل مخاوف من العلمانيين على مستقبلهم في الدولة التي تتألف رقميًا من أغلبية منهم، لكن على أرض الواقع تتراجع العلمانية الإسرائيلية أمام أمواج اليمين الديني.

ربما يعجبك أيضا