“النازية” تهدد النظام السياسي في ألمانيا

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد
 
تشهد ألمانيا وعواصم أوروبية اجتياح، اليمين الشعبوي تعدى الشارع الأوروبي ليصل إلى الحكومات والبرلمانات الألمانية، وهو مؤشر خطير ونذير إلى حجم الخطر الممكن أن يمثله اليمين الشعبوي داخل أوروبا، ليس على الأقليات والأجانب، بل تهديدا إلى أنظمة أوروبا السياسية في معاقلها !
 
بعد أحداث كيمنتيس مساء يوم 25 أوغست 2018، حيث أسفرت المظاهرات لليمين المتطرف واليسار المعارض لهم عن جرح ستة أشخاص على الأقل، مما دفع سياسيون ألمان التنبيه من مغبة خلق مشاهد مصطنعة “لحرب أهلية” في البلاد من قبل اليمين المتطرف.
 
فبعد وفاة شاب في الخامسة والثلاثين من عمره في شجار دموي، نزل مئات من أنصار اليمين المتطرف في مدينة كيمنتس شرق ألمانيا مساء يوم 25 أوغست 2018 قاموا خلالها بمشاحنات واعتداءات استهدفت مهاجرين، ما أثار صدمة في المدينة وفي باقي ألمدن الالمانية.

تم إصدار مذكرتي اعتقال بحق شابين سوري وعراقي بعد يوم من اندلاع المواجهات على خلفية مقتل الرجل الألماني.

وسط الصدمة التي تعيشها مدينة كيمنتس الألمانية، بعد اعتداءات جماعية على مهاجرين، يخشى ذوو الأصول العربية الذين يعيشون في المدينة من تداعيات هذه الحوادث على العيش المشترك.
 
اليمين المتطرف، كان وراء ترويج ونشر الأخبار الكاذبة، من أجل صناعة الكراهية ضد الأجانب، وفي حوار مع DW أقرّ الصحفي تورستن كليديتش الذي يشغل منصب مدير تحرير “فراين بريسه” الصحافة الحرة منذ تسع سنوات ومقرها كيمنتس، أن الصحفيين حاولوا جاهدا كشف الحقيقة، لكنهم فشلوا في ذلك، موضحا: “لم ننجح في هذه الحالة في نسف هذه الأخبار الزائفة، حتى العمل الصحفي المحترف يصل أحيانا إلى طريق مسدود، خاصة عندما يتعلق الأمر بتصحيح رواية نشرت في كل مكان”.
 
وحسب مراسلة محطة “WDR” الإذاعية، فإن الملفت في المظاهرات هومستوى العداء الذي تمّ التعبير عنه عبر شعارات رفعت تطالب بطرد المهاجرين من ألماني، كما أدى بعض المشاركين “تحية هتلر” التي يعاقب عليه القانون الجنائي الألماني.
 
هل شرطة الولايات الشرقية تتعاطف مع التيار الشعبوي
 
في الشبكة العنكبوتية يحوم هاشتاغ “بيغيزاي”، وهو تلاعب بمصطلح بيغيدا والشرطة باللغة الألمانية ويعكس الشكوك حول تعاطف الشرطة في سكسونيا مع الحركة اليمينية المتطرفة. فهل شرطة الولاية الشرقية تتعاطف حقاً مع المعادين للأجانب؟ حزب الخضر انتبه إلى قيام أفراد من ضباط الشرطة بالتدخل خلال مظاهرات اليمين المتطرف، بمنع الفرق التلفزيونية الألمانية وغيرها من تغطية التظاهرات، رغم أنهم خارج وقت عملهم، وهذه إشارة على أن أجهزة الاستخبارات الألمانية والشرطة باتت مخترقة من قبل اليمين الشعبوي.
 
فالأمر بات يتعلق الآن بمدى تعاطف شرطة ولاية سكسونيا مع الحركة اليمينية المتطرفة المعروفة بـ “بيغيدا”، وهي اختصار لعبارة “أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب”، من خلال توظيف الحركة المعادية للأجانب طاقات الشرطة لخدمة مصالحها السياسية. الهاشتاغ الشائع على شبكات التواصل الاجتماعي تحت مصطلح “بيغيزاي”، وهو تركيب لأول ثلاثة حروف من كلمة بيغيدا “Peg” مع آخر ثلاثة حروف من كلمة شرطة بالألمانية “Zei”، ليخلق مصطلح “Pegizei”، الذي بات يعبر عن هذه الشكوك بشكل واضح.
 
ذكرت الاستخبارات العسكرية الألمانية  في يناير 2018 أن هناك (400) حالة اشتباه بشأن الانتماء لليمين المتطرف جديدة ظهرت في عام 2017. يشار إلى أن عدد حالات الاشتباه من هذه النوعية كان يبلغ سنويا (300) حالة في المتوسط خلال الأعوام الماضية منذ إلغاء التجنيد الإجباري في عام 2011 .
 
المشكلة أيضا تكمن بعدم وضع حركة بيجيدا اليمينة أيضا تحت المراقبة من قبل أجهزة الاستخبارات بحسب تقارير الاستخبارات الألمانية الداخلية، لأسباب تتعلق بالدستور.
 
ذكرت هيئة حماية الدستور في ألمانيا (الاستخبارات الداخلية) في تقرير لها خلال شهر يوليو 2018 أن النجاحات التي أُحرزت في عملية تجريد عناصر يمينية متطرفة مثل أنصار حركتي “مواطني الرايخ” (مواطنو الإمبراطورية الألمانية) أو “المواطنين المستقلين” من السلاح لا تعني انقضاء التحذير من هذا الخطر.  وبحسب أحدث البيانات حول أعدادهم والتي تعود إلى نهاية مارس 2018، تقدر هيئة حماية الدستور عدد “مواطني الرايخ” بـ18 ألف فرد.
 
يبدو أن كتاب “حزب البديل، معلومات من الداخل” لفرانسيسكا شرايبر، العضو السابق في الحزب، يحمل مفاجآت كبيرة. شرايبر اتهمت رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية الألمانية ماسن بتقديم نصائح “للبديل” الشعبوي، وهو ما نفاه الأخير بشدة.

تقول الكاتبة إن ماسن قدم لبيتري تعليمات حول كيفية تجنب تعرض الحزب لرقابة جهاز الاستخبارات الداخلية، لكن وكالة الاستخبارات نفت ذلك.
 
ردود أفعال
 
وفي ردود الأفعال، قالت زعيمة الاتحاد الديمقراطي المسيحي ميركل “ما رأيناه لا مكان له في دولة القانون”.
 
وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت يوم 27 أغسطس 2018 بالعاصمة الألمانية برلين “ما شوهد في بعض الأماكن في كيمنتس وما تم تسجيله في مقاطع فيديو أيضا، ليس له مكان في دولة القانون الخاصة بنا”.

وأضاف قائلا “لن نقبل مثل هذه التجمعات واصطياد أشخاص ذوي مظهر مختلف أو أصول مختلفة أو محاولة نشر الكراهية في الشوارع، ليس لذلك مكان في مدننا، ويمكنني أن أقول نيابة عن الحكومة الألمانية إننا ندين ذلك بأقوى العبارات”.

وقال فرونماير كتب في تغريدة في حسابه على موقع تويتر “إذا كان لم يعد يمكن للحكومة حماية المواطنين، فليخرج الناس في الشوارع ويحمون أنفسهم”.
 
وفي سياق متصل أحجم وزير الداخلية هورست زيهوفر عن التعليق على الأحداث وقال زيهوفر “أرغب في البداية في تقرير حقيقي من المسؤولين”.

وحذر زيهوفر الأوساط السياسية من إصدار أحكام سريعة على الأمور.
 
وقال الخبير الاشتراكي محذرا “في بلدنا أقلية يمينية تستغل كل فرصة لنقل تصوراتها الخيالية عن حرب أهلية إلى الشوارع”، جاء ذلك في حديث مع مع صحيفة راينيشه بوست الصادرة في ديسلدورف.

وتابع الخبير الأمني ليشكا في إشارة إلى دور “حزب البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي في تأجيج مظاهر العنف اليميني في المجتمع أن هناك في البرلمان حزب يصفق ويهلل لمشاهد مطاردة الأجانب في الشوارع ولمشاهد ممارسة العدل بأنفسهم من قبل يمينيين متطرفين.
 
ذكر موقع “شبيجل أونلاين” في تقرير أن اليمينيين المتطرفين في ألمانيا أدرجوا في السنوات الماضية آلاف الأشخاص ضمن قوائم أطلقوا عليها “”قوائم الأعداء”. وحسب الموقع فإن السلطات الأمنية، منذ عام 2011، عثرت من خلال حملاتها واعتقالاتها في صفوف اليمين المتطرف، على وثائق تثبت ذلك.

وحسب التقرير فإن اليمين المتطرف وثق أسماء 25 ألف شخص وأرقام تلفوناتهم وعناوينهم في قوائم “الأعداء” .
 
في غضون ذلك انتقدت مارتينا رينر، خبيرة المجموعات اليمينية المتطرفة في كتلة حزب اليسار المعارض في البرلمان الألماني، موقف الحكومة الاتحادية واتهمت رينر برلين بتجاهل إرهاب اليمين المتطرف قائلة “لا يمكن تفسير الأمر إلا بهذه الطريقة، إذ إن مكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة لا يمتلك معلومات حول هذا الموضوع ويلتزم الصمت”.
 
النتائج
 
ما حصل في مدينة كيمنتس، هو نتيجة طبيعية إلى تشكيلة الائتلاف الحاكم بزعامة ميركل منذ تشكيله خلال شهر نوفمبر من عام 2017.

القضية تتحملها المستشارة ميركل، كونها اتت باليميني البافري هورست زيهوفر، من الحزب المسيحي الاجتماعي، لإكمال نصاب الائتلاف الحاكم.
 
وزير الداخلية نفسه، لم يظهر على وسائل الإعلام، ولم تصدر منه إدانة إلى اليمين الشعبوي، كان له حضور خجول، لا يتناسب مع حجم القضية.
 
فمنذ استلام زيهوفر مسؤولية وزارة الداخلية، تنامى اليمين المتطرف بشكل أوسع في ألمانيا، وماتشهده الاستخبارات الالمانية الداخلية وربما الشرطة، من غض النظر بل تعاون مع اليمين المتطرف، تتحمله الحكومة الألمانية، المستشارة ميركل، كونها جاءت بوزير الداخلية زيهوفر من أجل أن تبقى في منصبها.
 
قضية اليمين المتطرف، تجتاح ألمانيا، وبدئت تهدد القانون، وبات مرجح أن ألمانيا إلى جانب عواصم أوروبية أخرى، سوف تشهد اجتياح أوسع، المشكلة أن الاجتياح لم يكن على مستوى الشارع، بقدر الوصول إلى البرلمان وإلى الحكومة، وهذه مؤشرات خطيرة، سوف تقلب الطاولة على دول أوروبا بالكامل، وتلغي مفاهيم ومعاهدات واتفاقيات، وتعيد صياغة أوروبا من جديد.
 
على دول أوروبا أن تنتبه أن التهديد القادم من اليمين المتطرف، لا يعتبر تهديد إلى الأجانب فقط، بل أيديولوجية متطرفة تقوم على أساس العنصرية والكراهية “النازية” والتي تضرب بتداعياتها أسس أنظمة الحكم في أوروبا ودساتيرها، وهذا ما يتطلب من الأحزاب الديمقراطية، الوقوف بوجه موجات اليمين الشعبوي.
 
 
 
 
 
 

ربما يعجبك أيضا