رغم أزماتها الداخلية.. “النهضة” تراوغ للوصول إلى قصر قرطاج

محمود طلعت

رؤية – محمود طلعت 

يبدو أن الطريق إلى كرسي الحكم في تونس، سيكون ممتلئا بالمفاجآت، من هنا إلى موعد بدء السباق، وستكون حركة النهضة قاسما مشتركا أعظم في كل مفاجأة، والظاهر أكثر أنها تُبدي شيئا مما تريده، ولكنها في المقابل تُخفي أشياء.

ويرى مراقبون للمشهد السياسي التونسي، أن حركة النهضة غيّرت من تكتيكاتها السياسية بعد فوزها في الانتخابات البلدية، وأصبحت ترغب في الامتداد أكثر.

تأجيل انتخابات الرئاسة

حزب حركة النهضة التونسية ورئيسها راشد الغنوشي طالب بتأجيل الانتخابات الرئاسية في البلاد المقررة عام 2019، ما أثار تساؤلات داخل الأوساط السياسية عن دوافع تغير موقف الحزب الذي يتنازع صدارة المشهد السياسي في البلاد، مع حزب الرئيس الباجي قائد السبسي.

تقول النهضة إن الأزمة السياسية غير المسبوقة التي تواجهها البلاد لا تسمح بإجراء الانتخابات في موعدها، وسط حديث عن أن “صراع القيادة داخل النهضة دفع إخوان تونس، إلى التحرك باتجاه تأجيل الانتخابات الرئاسية”.

يقول لطفي زيتون، القيادي البارز في حركة النهضة، والمستشار السياسي لرئيسها راشد الغنوشي، إنه “نظرًا للأزمة التي تعيش البلاد على وقعها، لا يمكننا إجراء انتخابات في عام 2019”.

ويزعم أن الشعب التونسي لن يقبل بإجراء انتخابات في ظل غياب المحكمة الدستورية التي يتطلب تشكيلها توافقًا برلمانيًا، معتبرًا أن ذلك الأمر صعب أمام ضعف التوافق الحالي بين حركتي النهضة ونداء تونس.

أزمات داخليـة عميـقة

تصريحات لطفي زيتون فاجأت المتابعين للشأن السياسي في تونس من حيث توقيتها وأهدافها، والتي أرجعها مراقبون، إلى الصراع القائم داخل حركة النهضة التونسية.

واعتبر المحلل السياسي التونسي، هاشم حجي، أن حركة النهضة تعيش أزمة داخلية عميقة والذهاب إلى الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد خلال العام المقبل، لا يمنحها الوقت الكافي لتجاوز أزمتها وخوض الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الذي تراهن عليه  بقوة.

ومن جانبه، أكد علية العلاني، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أن النهضة ترفض خوض انتخابات غير مضمونة بالنسبة إليها، وتعمل على تسريب خبر تأجيل الاستحقاق الرئاسي، بهدف تهيئة نفسها لتأمين الفوز بكرسي الرئاسة.

الاستقالة مقابل الرئاسـة

حركة النهضة، ساومت رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، بالاستقالة من منصبه في حال أراد الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2019.

وقالت في بيان لها: “ندعو الشاهد إلى توضيح موقفه باختيار البقاء رئيسا للحكومة، والتفرغ لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في وثيقة قرطاج 2، أو الترشح للرئاسة”.

وأضافت: “إذا قبل الشاهد بهذا الخيار فنحن ندعمه، وإن كان له برنامج للترشح للانتخابات الرئاسية القادمة فنحن ندعوه إلى الاستقالة”.

سياسية غريبة وملتوية

متابعون للشأن التونسي أبدوا استغرابهم  لهذا الشرط غير المفهوم والسياسة الملتوية من جانب النهضة، حيث أنها لم تكشف شيئا عن السبب الذي يدعوها إلى إبعاد الشاهد عن القصر، ولا قالت شيئا كذلك عن الحكمة التي تراها هي في اتباع سياسة مع الرجل، أقرب ما تكون إلى سياسة الجزرة والعصا.

رئاسة الحكومة إذا كانت هي الجزرة، التي لا تتوقف النهضة عن رفعها أمام عين الشاهد، فإن الطريق إلى قصر قرطاج هو العصا التي لا تتوقف أيضا عن التلويح بها أمامه في الهواء وكأنها تريد أن تقول على مسمع منه، ما معناه: إذا أردت كرسي رئيس الحكومة، فلا تفكر في كرسي السبسي والعكس صحيح بطبيعة الحال!.

الحديث من جانب “النهضة” عن أن الهدف من موقفها هذا من الشاهد، هو الحيلولة دون توظيف منصبه في تحقيق مكاسب سياسية، وقت المعركة الرئاسية، حديث غير مقنع في كل حالاته؛ لأنه مردود عليه بأن هناك وسائل كثيرة لمنع تحقيق مثل هذه المكاسب، وهي وسائل ليس من بينها بالتأكيد، منعه من خوض السباق.

موقف غامض للشـاهد

واللافت جدا إلى هذه اللحظة، أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد لم تخرج عنه إشارة من أي نوع، يمكن أن نفهم منها ما إذا كان يوافق على هذا الطرح من جانب حركة النهضة، أم أنه يرفضه. لم يحدث.

كل ما صدر عن الشاهد في أوقات اشتداد الحملة عليه، وفي مواجهة مطالبات قوية باستقالته من ناحية “النداء” و”الاتحاد”، أنه كان يعلن رفضه الاستقالة، دون أن يشير إلى طبيعة الحائط الذي يستند إليه، ويعتمد عليه، في الرفض، هل هو حائط “النهضة”؟! لم يعلن ذلك من جانبه ولا حتى أشار إليه! هل هو حائط آخر لا نراه؟! من الجائز طبعا؛ لكنه لم يكشف عن شيء، أي شيء!.

“النهضة” وفرس الرهان

اللافت أكثر وأكثر، أن “النهضة” وهي تساوم الشاهد على رئاسة الحكومة مقابل عدم رئاسة الجمهورية، فإنها تقول ذلك ببال مطمئن، بما يعني ضمنا أن لديها مرشحا رئاسيا جاهزا، سوف تدعمه، وسوف تؤيده، وسوف تعزز موقفه.

هي بالطبع لم تعلن عنه، ولا حتى أشارت إليه من بعيد ولا من قريب. فليس من المتصور أن تُبعد الشاهد عن طريق القصر، لمجرد الرغبة في إبعاده، دون أن يكون لديها اسم محدد، تريده فرس الرهان في الطريق إلى قصر قرطاج.

ربما يعجبك أيضا