ضغوط أوروبية على إيران .. لا ضمانات دون تناول القضايا غير النووية

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف
 
خلال اجتماعه برئيس الحكومة وجهازها، يوم الأربعاء 29/ 8/ 2018م ، دعا المرشد الأعلى، علي خامنئي، حكومة روحاني المعتدلة، والتي تعول على الاتفاق النووي في إنقاذ الاقتصاد الإيراني، إلى قطعها الأمل من أوروبا فيما يتعلق بالاتفاق النووي والاقتصاد. وأكد خامنئي على رؤية استنتجها، بضرورة وضع الاتفاق النووي جانبًا إذا أن حفظ المصالح الوطنية عبر هذا الاتفاق غير ممكن.
 
كما أكد خامنئي، أنه ليس هناك مشكلة في الارتباط ومواصلة المفاوضات مع أوروبا، ولكن يجب خلال متابعة هذا الأمر قطع الأمل منهم في بعض القضايا كقضيتي الاتفاق النووي والاقتصاد.
 
ورأى المرشد الأعلى، في الاتفاق النووي وسيلةً لحفظ المصالح الوطنية وليس هدفًا. وقال: “إذا وصلنا لنتيجة مفادها أنَّ حفظ المصالح الوطنية غير ممكنٍ عبر هذه الوسيلة، فإننا سوف نضع هذا الاتفاق جانبًا”.
 
الواضح، أن خامنئي يحاول الضغط على أوروبا لتقديم خطوات عملية تساعد على الحفاظ على الاتفاق النووي.
 
كذلك، يضغط على أوروبا لتنحية مطالبها غير النووية بعيدًا عن التفاوض، مثل مسألة الصواريخ الباليستية. إلى جانب رسالة خامنئي لحكومة روحاني، واتهامها بالتقصير في الأزمة الاقتصادية التي تعصف بإيران حاليًا. فضلًا عن رغبة خامنئي في اتخاذ حكومة روحاني موقفًا حازمًا أمام تؤخر أوروبا في تقديم ضمانات تحافظ على الاتفاق النووي، مع اقتراب تطبيق الحزمة الجديدة من العقوبات الأمريكية التي ستضر بصادرات النفط والتبادل المصرفي مع البنك المركزي الإيراني.
 
تعبير عن اليأس
 
رغبة خامنئي في الضغط على أوروبا من أجل التجهز للجزمة الجديدة من العقوبات الأمريكية، هو ما دفع وزير الخارجية، جواد ظريف، إلى مطالبته أوروبا بتقديم أفعال لا أقوال. وقال في تصريح سابق: “ما زلنا بانتظار أن تتحرك أوروبا فيما يتعلق ببيع النفط الإيراني وصون القنوات المصرفية”.
 
كما أكد رئيس البرلمان الإيراني، “علي لاريجاني”، أمس السبت “أن هناك شكوكًا تراودنا في أن تتمكن الدول الاوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) من اتخاذ الموقف المطلوب حيال الاتفاق النووي”.
 
قضايا غير نووية
 
تحاول طهران حصر الأزمة مع القوى الغربية والإقليمية في المسألة النووية، والتأكيد على صغر طموحاتها النووية وأنها تبحث عن تكنولوجيا نووية لأهداف اقتصادية وعلمية، وليس لأهداف عسكرية. وهو ما عبّر عنه رئيس البرلمان، لاريجاني، بقوله “إيران ليس لديها طموح كبير جدًا أبعد من المألوف فيما يتعلق بالاستفادة من المعدات والتكنولوجيا النووية بحيث يتعذر على الآخرين فهم هذا الطلب”.
 
بينما القوى الغربية سيما الأوروبية تسعى للحديث عن ملفات أخرى مثل ملف النفوذ الإقليمي الصلب، والمسألة الصاروخية. وهي تسعى من وراء فتح هذه الملفات إلى طمأنة القوى الإقليمية سيما في الخليج، وكذلك إقناع واشنطن بالعودة إلى طاولة المفاوضات مع إيران، سيما أن إدارة ترامب تصر على إعادة المفاوضات النووية لكي تتضمن قضايا أوسع من الملف النووي.
 
فقد نبّه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، خلال اجتماع غير رسمي لوزراء الخارجية الأوروبيين، وبعد زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى أنقرة الأربعاء الماضي، نبه إيران الى أنها لا تستطيع “تفادي مفاوضات” موسعة حول “ثلاثة ملفات كبرى تقلقنا”، هي برنامجها الصاروخي، ومستقبل برنامجها النووي، ودورها الإقليمي.
 
وقال: “إيران لا يمكنها أن تتفادى مفاوضات حول ثلاثة ملفات كبرى أخرى تقلقنا، هي مستقبل الالتزامات النووية بعد عام 2025، ومسألة الصواريخ الباليستية، وحقيقة أن هناك نوع من الانتشار الباليستي من إيران، والدور الذي تؤديه في المنطقة”. “يجب أن نتحدث عن هذه الملفات الثلاثة، وأن يدرك الإيرانيون ذلك، وهذه الرسالة التي أوجّهها إليهم من فيينا”. وأكد “أهمية ان نتمكّن من فعل ما من شأنه إطلاق آليات مالية تتيح لإيران الاستمرار في التجارة”.
 
أما وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موجيريني، فرأت أن “معالجة الخلافات الإقليمية مع إيران يمكن أن تتم في طريقة أكثر فاعلية، إذا حافظنا على الاتفاق النووي”.
 
وقبل زيارته إلى طهران، اليوم السبت، قال نائب وزير خارجية بريطانيا لشؤون غرب آسيا وشمال إفريقيا، “أليستر برت”، إلى أن زيارته لا تقتصر على مسائل تتعلق بالاتفاق النووي، الذي جدد تأييد بلاده له وقال في بيان نشرته الخارجية البريطانية أمس الجمعة، إنه “ما دامت إيران ملتزمة بتعهداتها  بموجب الاتفاق النووي، سنظل ملتزمين به أيضا إذ نعتقد أنه أفضل سبيل لضمان مستقبل آمن للمنطقة”.
 
وأكد بيرت أن “دعمنا للاتفاق النووي لا يمنعنا من طرح مسائل خلافية أمام إيران وبكل حزم”، وأضاف: “خلال زيارتي سأشدد على أن برنامج إيران الصاروخي وأعمالها المزعزعة للاستقرار تمثل أمورا لا بد من معالجتها”.
 
وتابع: “سأنتهز هذه الفرصة للإسهام في حل مشكلة نحرص جميعنا على حلها، وتخص أصحاب الجنسيتين البريطانية والإيرانية المحتجزين في إيران”، في إشارة إلى قضية نازانين زاغري راتكليف، من مؤسسة تومسون رويترز، التي اعتقلت في أبريل 2016 في أحد مطارات طهران، وهي في طريقها إلى بريطانيا مع ابنتها عقب زيارة لأسرتها، وحكم عليها بالسجن لـ5 سنوات بتهمة “التخطيط لقلب النظام”.
 
الابتعاد عن الصواريخ
 
يبدو أن طهران تصر على الابتعاد عن مناقشة ملف الصواريخ الباليستية، الذي تعتبره خطًا أحمرًا بالنسبة لأمنها القومي وقوتها الدفاعية. بينما المسألة الأخرى، وهي النفوذ الإقليمي، هو ما يمكن أن تضعه طهران على طاولة التفاوض.
 
والقلق من تناول المفاوضات مسألة الصواريخ هو ما دفع الخارجية الإيرانية تعلق على تصريحات لودريان، على لسان المتحدث باسمها، بهرام قاسمي أمس الجمعة، أن البرنامج الصاروخي الإيراني ليس قابل للتفاوض، قائلا: إن “إيران أعلنت مرارا وتكرارا مواقفها الواضحة والشفافة بخصوص الهواجس غير المبررة والناتجة عن الاستنتاجات الخاطئة والجهل من قبل بعض الدول”. “نؤكد مجددا ان البرنامج الصاروخي دفاعي ومحلي ومشروع، وهو حيوي للحفاظ على البلاد والشعب الإيراني، وغير قابل للتفاوض مطلقا”.
 
وأضاف: “إن العالم بأسره والمسؤولين الفرنسيين أيضا يدركون جيدا أن سياسات إيران الإقليمية تندرج في سياق إرساء السلام والأمن على الصعيدين الإقليمي والدولي ومكافحة الإرهاب والتطرف، وإذا كانت جهود إيران  لا تروق لبعض الدول المثيرة للتوترات وافتعال الأزمات، فان على هذه الدول تعديل سياساتها”.
 
وفي صلاة الجمعة، التي يحمل خطابها وجهة نظر النظام الحاكم في إيران، قال خطيب جمعة طهران المؤقت آية الله سيد أحمد خاتمي، ان إيران لن تتراجع عن خطوطها الحمراء لاسيما فيما يتعلق بالقدرات الصاروخية قيد أنملة.
 
أوروبا تفاوض
 
يبدو أن أوروبا لا تريد منح طهران كل ما تريده، وأن حزم الإنقاذ التي تقدمها لطهران؛ تهدف إلى الحفاظ على الاتفاق النووي، وكذلك الضغط على طهران للاستجابة للمطالب الدولية والإقليمية فيما يتعلق بالقضايا غير النووية. فما تقوم به أوروبا هو دور يتوازى مع العقوبات الأمريكية على طهران لإعادة طهران إلى طاولة المفاوضات لحل قضايا أكبر وأشمل من المسألة النووية.
 
ومع ذلك، لا تريد المجموعة الأوروبية ترك طهران تشعر أنها وحيدة أمام العقوبات الأمريكية، فقد صرحت “فيديريكا موجيريني”، مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي” بأن التزام طهران بكافة التزاماتها النووية “أخبار جيدة”، في الوقت الذي لا يزال يعمل فيه الاتحاد الأوروبي على الحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني.
 
وتابعت، إن “عملنا يتواصل للحفاظ على الاتفاق النووي”.
 
وكان التقرير الذي أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخميس الماضي أفاد بأنه لا توجد أية إشارة على أن إيران انتهكت الاتفاق النووي التاريخي الموقع عليه عام 2015.
 
واليوم، عُقدت جولة جديدة من المفاوضات الثنائية بين إيران وبريطانيا صباح اليوم السبت بحضور نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية عباس عراقتشي ووزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط ألیستر برت.
 
وحسب الخارجية الإيرانية، فإن المحادثات ستركز على “التعاون الاقتصادي الثنائي إثر خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وكيفية توفير الآليات المالية والنقدية بين البلدين رغم الحظر الأمريكي أحادي الجانب”.
 
وأضافت الخارجية الإيرانية في بيان أصدرته أمس، أن بيرت سيبحث مع مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية عباس عراقتشي “أحدث تطورات المنطقة” أيضًا.
 
الواضح، بينما يحاول أطراف الاتفاق النووي إيجاد سبل للمحافظة على هذا الاتفاق، فإن أوروبا أيضًا لن تساعد طهران على مواجهة العقوبات الأمريكية الأصعب والتي ستطال صادرات النفط والبنك المركزي الإيراني؛ إلا إذا قدمت ما يساعد على العودة لطاولة المفاوضات فيما يتعلق بالقضايا غير النووية، على الأقل فيما يتعلق بالتهديدات والتمدد الإقليمي.
 
فمن الطبيعي أن أوروبا لن تظل تحافظ عن اتفاق نووي يقوم الإبقاء عليه على تبادل الضغوط، فهي تسعى إلى اتفاق ثابت واستراتيجي، وهذا لن يتحقق إلا إذا عادت طهران إلى طاولة التفاوض، وتناول التفاوض معها قضايا أوسع غير نووية.
 

ربما يعجبك أيضا