على خطى “أتاتورك” .. أردوغان يبحث أيضًا عن أمة “طورانية”

يوسف بنده

رؤية
 
الطورانية هي حركة سياسية قومية ظهرت بين الأتراك العثمانيين أواخر القرن التاسع عشر ميلادي، هدفت إلى توحيد أبناء العرق التركي الذين ينتمون إلى لغة واحدة وثقافة واحدة.
 
والقومية التركية هي الأيديولوجية السياسية التي تعزز وتمجد الشعب التركي، إما كجماعة قومية أو لغوية. ترتبط القومية التركية ارتباطا وثيقا مع مفهوم الوحدة التركية التي دعت إلى وحدة الشعوب التركية حول العالم.
 
وقد استلم القوميون الأتراك الحكم في أواخر عهد الدولة العثمانية عن طريق حزب تركيا الفتاة، وعقب انتهاء الحرب العالمية الأولى قاد هؤلاء الكفاح ضد احتلال الحلفاء للأراضي التركية.
 
والواضح، أن مسألة الإسلامية والقومية التي كانت نقطة صراع طويل بين أنصار المبادئ القومية وأنصار المبادئ الإسلامية؛ ما هي إلا مسألة خداع، فالقومية يقوم أن تقوم على أي آلية تستطيع أن تجمع وتوحد الجماعة؛ وليست اللغة وحدها من تستطيع فعل ذلك.
 
وهو ما يجعل من الرئيس التركي الحالي، رجب طيب أردوغان يشبه سلفه مؤسس الجمهورية الأولى، مصطفى كمال أتاتورك، الذي سعى إلى بناء تركيا الحديثة على أساس قومي وعبر ألة اللغة.
 
والآن، يقوم أردوغان بالاستفادة من كافة الآليات سواء اللغة أو الدين من أجل تحقيق التوسع والنفوذ لبلاده سواء داخل الدول الإسلامية أو الدول الناطقة باللغة التركية.
 
المجلس التركي
 
تعتبر منطقة آسيا الوسطى هى الوطن الأم لبلاد الترك، التي ينحدر منها أتراك أسيا الصغرى (الأناضول) حاليًا.
 
ولذلك، تسعى الحكومة التركية منذ مدة من الزمن لأن يكون لها حضور قوي وفاعل في جمهوريات آسيا الوسطى وما يعرف جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة.
 
ولهذا ضخت أنقرة أموالا طائلة للوصول إلى هذا الهدف وعززت وجودها من خلال تكثيف زيارات المسؤولين وعقد الاتفاقيات الثنائية.
 
وتستند أنقرة في ذلك الى مشروع كان قد انبثق عام 2009 بتأسيس ما عرف بالمجلس التركي والذي يضم الدول الناطقة بالتركية وهي أذربيجان وكازاخستان وتركيا وقرغيزستان وهو المشروع الذي أسسه الرئيس الكازاخي نور باييف.
 
عقد هذا التجمع ستة قمم حتى الآن وتم خلالها توقيع العديد من اتفاقيات التعاون بين الدول أعضاء التجمع.
 
وتعد جمهورية أوزبكستان هي آخر الدول التي أنظمت الى مجلس اللغة التركية حيث أعلن رئيس أوزبكستان شوكت ميرضيايف، انضمام بلاده لمجلس الدول الناطقة بالتركية، واصفًا القرار بـ”الحدث المهم والعظيم”.
 
يشار إلى أن جمهورية أوزبكستان تعتبر ثاني أكبر دولة ناطقة باللغة التركية بعد تركيا؛ من حيث عدد السكان، حيث تجاوز عدد سكانها وفق إحصاء عام 2016 الـ31 مليون نسمة.
 
وبانضمام أوزبكستان، يرتفع عدد أعضاء دول “مجلس التعاون للدول الناطقة باللغة التركية” ويعرف اختصارًا بـ”المجلس التركي”، إلى خمسة دول أعضاء.
 
وتعتمد سبعة دول، التركية ولهجاتها لغةً رسمية لها، هي تركيا وأذربيجان، وجمهورية شمال قبرص التركية، وتركمانستان، وأوزبكستان، وقرغيزيا، وكازاخستان، وتمتلك تلك الدول لغة وتاريخًا وحضارة مشتركة.
 
ووقعت تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزيا في 3 أكتوبر 2009 في مدينة نخجوان الآذرية، على وثيقة تأسيس “مجلس التعاون للدول الناطقة باللغة التركية”.
 
وإلى جانب الجمهوريات التركية السبعة؛ ينتشر التُّرك كقومية رئيسية ضمن جمهوريات فيدرالية داخل الاتحاد الروسي (توفا، باشقوردستان، ياقوتيا، تتارستان، ألطاي)، وإقليم تركستان الشرقية في الصين، وكأقليات في القرم (التتار)، ودول البلقان (أتراك البلقان)، وسوريا والعراق (التركمان).
 
على صعيد آخر اهتمت تركيا بالعلاقات المتنامية مع كازاخستان بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق حيث تم تدشين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في العام 1992، وكانت تركيا اول دولة تعترف باستقلال كازاخستان 1991 ثم أقامت العلاقات الدبلوماسية معها بعد عام واحد.
 
وفي سنة 2012 تم إطلاق مجلس العمل الموحد المشترك على أعلى المستويات، وعلى إثر ذلك ارتفع مستوى التبادل التجاري وبلغ ذروته في العام 2013 من خلال 1،04 مليار دولار تصدير إلى تركيا و2،9 مليار دولار استيراد منها ليصل الرقم إلى حوالي 4 مليار دولار بين البلدين.
 
ويلاحظ أن العلاقات التركية مع جمهوريات آسيا الوسطى سارت بسلاسة، ففي عام 2009، دعت كازاخستان إلى تأسيس اتحاد للدول الناطقة بالتركية، يشمل أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركيا، وتتطلع آستانة لدور القيادة فيه، رفضت أوزبكستان وتركمانستان هذه الدعوة، ولم تعترض أنقرة على هذا، مدركة أن جمهوريات آسيا الوسطى، بعد خروجها من عباءة موسكو لم تعد تريد أن يلعب أحد دور الأخ الأكبر عليها.
 
قمة في قرغيزيا
 
وقد انطلقت الإثنين الماضي، في قرغيزيا أعمال الدورة السادسة لقمة مجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية او ما يعرف (المجلس التركي).
 
وبدأت أعمال القمة بمشاركة قرغيزيا، البلد المستضيف، وأذربيجان وكازاخستان وتركيا وأوزبكستان، إضافة إلى المجر بصفة مراقب.
 
وقد أعلن الرئيس الكازاخي، نور سلطان نزار باييف، في كلمته، أن حجم التجارة ارتفع بين الدول الأعضاء في المجلس بمعدل 22 بالمئة في العامين الأخيرين.
 
كما تم الإعلان عن تعيين بغداد أمرييف سفير كازاخستان الأسبق بمصر، أمينًا عامًا للمجلس، خلال اجتماع القمة.
 
مصلحة تركية
 
تعتبر هذه القمة، بمثابة مسعى جديد من طرف حكومة العدالة والتنمية للتخفيف من وطأة الازمة الاقتصادية المتفاقمة وتدهور قيمة الليرة ولصرف الأنظار عن تداعيات تلك الأزمة عادت الحكومة مجددا للاستثمار في جمهوريات آسيا الوسطى.
 
فقد أوصى أردوغان هذا المجلس، بتنفيذ التبادلات التجارية بواسطة العملات المحلية بدلًا من الدولار الأمريكي.
 
وفي كلمة له في قمة مجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية “المجلس التركي” في قرغيزيا، قال: إن “اعتماد التجارة الدولية على الدولار بدأ يتحول إلى عبء يعوق عملنا”.
 
وتناول الرئيس التركي تنظيم كولن، الذي أدرجته السلطات التركية على قوائم الإرهاب، فأشار إلى أن التنظيم يعمل على بناء هيكله التنظيمي من خلال استغلال المؤسسات التعليمية الخاصة به والمنتشرة في جميع أنحاء العالم والتي كانت منتشرة في تركيا لفترة من الوقت.
 
وقال: إن “الأحداث الجسام التي شهدناها تدفعنا باتجاه عدم التأخر في مكافحة تنظيم كولن الإرهابي”.
 
كما وقعت تركيا وقرغيزستان، 12 اتفاقية في عدة مجالات خلال اجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين.
 
وتأسيس مجلس جمارك مشترك، والتعاون بين وقف معارف التركي ووزارة التربية والعلوم القرغيزية، والتعاون بين مؤسسة الأدوية والأجهزة الطبية بوزارة الصحة التركية ونظيرتها في قرغيزستان، حسب الأناضول.
 
وشملت مذكرات التفاهم، أيضا، التعاون بين وزارة الأسرة والعمل والخدمات الاجتماعية التركية ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية القرغيزية.
 
كما تم توقيع اتفاقيتي تعاون الأولى في مجال الوقاية من الكوارث الطبيعية والطوارئ، والثانية في مجالي الاعتماد والأرصاد الجوية.
 
وجرى توقيع بروتوكول حول تعديل اتفاقية النقل الجوية المبرمة بين البلدين في 14سبتمبر 1994، إضافة إلى بروتوكول يتعلق بمساعدات الطوارئ العسكرية.
 
أيضا جرى توقيع اتفاقية حول افتتاح مستشفى الصداقة التركي القرغيزي بإدارة مشتركة.

ربما يعجبك أيضا