أزمة اللجوء تكشف ثغرات السياسة الأوروبية في الشرق الأوسط

ياسمين قطب

رؤية

قرار المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عام 2015 إبقاء الأبواب مفتوحة أمام تدفق طالبي اللجوء الفارين من سوريا والعراق، أحدث انشقاقات حادة في المجتمعات الأوروبية، وأظهرت غياب سياسة أوروبية جريئة تجاه منطقة الشرق الأوسط.

لا يزال وقع صدمة مشاهد عنف المتظاهرين من أنصار اليمين المتطرف وهم يهاجمون الأجانب في مدينة كيمنتس الألمانية، يُحدث ارتدادات داخل ألمانيا وفي عموم أوروبا. هذه المشاهد ليست إلا فصلا جديدا من مشاهد الانقلاب الذي يشهده الرأي العام الأوروبي بعد تدفق مئات الآلاف من اللاجئين على القارة العجوز عام 2015.

وبهذا الصدد انتقد نوربرت روتغن، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الألماني “بوندستاغ” غياب سياسة أوروبية في الشرق الأوسط، رغم أن الاتحاد القاري معني مباشرة بأزمات تلك المنطقة. وبهذا المعنى فإن ما ما يحدث في إدلب له علاقة مباشرة بأمن واستقرار أوروبا.

المد الشعبوي لم يقتصر على ألمانيا وإنما شمل معظم الدول الأوروبية، بما في ذلك بريطانيا التي توشك على مغادرة الاتحاد رسمياً. اليمين المتطرف بات جزءاً من تحالفات حكومية في كل من إيطاليا والنمسا. أما حزب “البديل من أجل ألمانيا” الشعبوي فأصبح أكبر حزب معارض في البرلمان الألماني في تطور مثير لم يكن أحد يتوقعه في بلاد تحتفظ بذاكرة أليمة عن الحرب العالمية الثانية. المراقبون يربطون مباشرة بين هذا التطور وغياب رؤية للدبلوماسية الأوروبية لم ترصد بشكل مبكر سلسة الزلازل التي ضربت الشرق الأوسط وتداعياتها المباشرة على التوازنات السياسية داخل القارة العجوز.

هستيريا غير مسبوقة
قال شتيفان ليني الاستاذ الزائر في معهد “كارينغي أوروبا” إن “الهجرة لا تزال تشكل أكبر تحد”، وأضاف أنه رغم انخفاض “أعداد الوافدين (من اللاجئين) فإن مستوى الهستيريا يرتفع في وقت تبني الحركات الشعبوية وعدد متزايد من السياسيين من التيارات الرئيسية نماذج عملها على المشاعر المعادية للهجرة”.

وعبر الأطلسي، صب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الزيت على النار فقال “تم ارتكاب خطأ كبير في كافة أنحاء أوروبا عبر السماح بدخول ملايين الأشخاص الذين غيروا (للأوروبيين) ثقافتهم بشدة وعنف”. ويحذر بعض المحللين من أن أزمة الهجرة في أوروبا لم تنته وقد تؤدي كذلك إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي نفسه.

ثمن تجاهل الشرق الأوسط
هناك ما لا يقل عن 13 مليون سوري في حاجة اليوم للمساعدات الانسانية، فيما بلغ عدد النازحين من البلاد 6.5 مليون شخص. كما أن ثلث المدارس دمر أو لم يعد صالحاً للاستعمال، فيما تعاني 35% من الأسر خصوصا في الحصول على مياه صالحة للشرب.

ويعتبر الاتحاد الأوروبي المانح الأول لسوريا من حيث المساعدات الانسانية. فقد خصصت الدول الأعضاء حوالي 10 مليارات يورو لهذا الشأن منذ اندلاع الحرب الأهلية هناك عام 2011، إضافة إلى المساعدات المقدمة لدول الجوار كتركيا والأردن ولبنان والتي استقبلت على أراضيها ملايين اللاجئين السوريين.

وبهذا الصدد قال روتغن وهو قيادي أيضا في الحزب المسيحي الديمقراطي الذي ترأسه المستشارة ميركل “نعيش أسوأ انهيار سياسي وأخلاقي، نتيجة غياب سياسة أوروبية في الشرق الأوسط. واستطرد موضحا “أوروبا استقبلت عددا هائلا من اللاجئين، لكننا لم نغير أي شيء في الظروف السائدة هناك (الشرق الأوسط)، كما أننا لا نعمل على تطوير بنيات تساعدنا في ذلك مستقبلا”.

كرة الثلج السورية
واتهم روتغن أوروبا بالفشل في الحرب السورية وقال إن الحرب مستمرة منذ نحو سبع سنوات، وأن أوروبا لم يكن لها دور بالأساس وإن ذلك ينسحب أيضا على ألمانيا. وأكد أن “القوى الفاعلة في سوريا هي روسيا وإيران والرئيس السوري بشار الأسد وتركيا بعض الشيء”.

ويرى السياسي الألماني في تصريح لمجموعة صحف شبكة التحرير الألمانية(RND) نشر اليوم (الخميس السادس من سبتمبر/ أيلول 2018) أزمة اللاجئين “هزت استقرار مجتمعاتنا في جميع أوروبا كظاهرة دائمة ورغم ذلك لم نبدأ في الانشغال بالأسباب”.

ويرى روتغن أن أوروبا أصبحت “متسولا دبلوماسيا” (..) أصبح علينا أن نطلب من روسيا وإيران والأسد ألا يعودوا مرة أخرى لعمل ما ظلوا يفعلونه طوال الوقت، ونحن في الحقيقة نعلم أنهم لن يستجيبوا لطلبنا”.

وسبق لروتغن في مايو/ أيار أن طالب بعقد قمة بمشاركة قادة دول منطقة الشرق الأوسط في أسرع وقت ممكن. “الدبلوماسية والسياسة الخارجية الأوروبية مطلوبة الآن على أعلى مستوى. الأمر يدور في النهاية حول مصالحنا الخاصة في الأمن والاستقرار في أوروبا، التي لم يعد بإمكاننا فصلها عن الوضع السياسي في الشرق الأوسط”.

ربما يعجبك أيضا