في العين.. العثور على أقدم مسجد في تاريخ الإمارات

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

أعلنت دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، عن اكتشاف أقدم مسجد في مدينة العين، إذ يعمل علماء الآثار بالدائرة على دراسة الاكتشاف الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 1000 عام مضت.

يقول “محمد خليفة المبارك”، رئيس دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي “تثبت المكتشفات الجديدة في العين على مدى ثراء تاريخ المنطقة، ما يتطلب المزيد من الدراسة والتحليل للتعمق في طبيعة الحياة في كل فترة زمنية.

وأضاف، “إن اكتشاف مسجد من العصر العباسي في العين يدلل على التأثيرات المتجذرة للإسلام في المنطقة رغم بعدها عن مركز انبثاق الدين الإسلامي في وقت كانت فيه وسائل النقل بدائية، غير أن الدراسات المرتبطة بالموقع الجديد كشفت أن الروابط والصلات التي شكلها الأجداد مع العالم والحضارات المجاورة قد تخطت حواجز الحدود ومشكلات النقل، فالتأثيرات الحضارية المتبادلة واضحة وعميقة، وهو ما يدعو إلى المزيد من التحليل لتكوين فهم معمق عن تلك العصور”.

يعود للخلافة العباسية

كشف خبراء الآثار أن هذه الأبنية، وهي من الطوب اللبن، بقايا قلعة صغيرة والعديد من الأبنية الأخرى ، وكان سكان المستوطنة يحصلون على احتياجاتهم من المياه العذبة من أفلاج بنوها بالقرب من المستوطنة ، وتتميز تقنية الفلج بتاريخ عريق في العين يرجع إلى 3,000 عام.

وفي العصر الإسلامي الأول، أدخل سكان العين العديد من التحسينات على تقنية بناء الأفلاج باستخدام الطوب اللبن المحروق لضمان استقرار ومتانة القنوات الممتدة تحت الماء، وقد عثر على هذه الأفلاج في حالة جيدة.

وأدرك علماء الآثار أن المبنى هو في الحقيقة مسجد، عندما وجدوا محرابين في الغرفة الداخلية والساحة الخارجية، وهو ما يشير إلى أن الناس اعتادوا الصلاة داخل المسجد وخارجه، تمامًا كما يفعلون اليوم.

كما عُثر أيضاً على أجزاء من أوانٍ استخدمت على الأرجح للوضوء أو أغراض أخرى داخل المسجد، ويعود تاريخها إلى الفترة بين القرنَيْن التاسع والعاشر الميلاديين، وبناءً على هذه الاكتشافات واختبارات تحديد العمر الزمنى بالكربون المشع لأحد الأفلاج المجاورة، فإن هذا المبنى يُعتبر أقدم مسجد معروف في دولة الإمارات العربية المتحدة.

ويعكس هذا المسجد البسيط مدى انتشار الإسلام ودوره الحيوي في المجتمع المحلي خلال هذه الفترة التاريخية المبكرة في الدولة.
مكانة حضارية

تشير الاكتشافات الجديدة إلى امتداد التعاون بين الإمارات والصين، من بداية عصر الإسلام، وازدهار التجارة بين الشرق الأوسط وشرق آسيا، حيث تم العثور على قطع من الخزف الصيني في المسجد والأبنية المجاورة، يتم إنتاجه في مقاطعة “جوانجدونج” في جنوب الصين.
اكتشاف المسجد المبني بالطوب اللبن يعزز أيضًا مكانة مدينة “العين” على الخريطة العالمية كمركز حضاري منذ العصور الإسلامية الأولى، وترسم صورة أكثر وضوحًا للحياة في العين في العصور الإسلامية الأولى، والتي تشبه إلى حد كبير شكل الحياة اليوم، من حيث الاعتماد على أشجار النخيل في العديد من الصناعات وقنوات الري في الحصول على المياه.

العين.. توام سابقًا

يشير اكتشاف المسجد إلى أحد المقومات الرئيسية الأخرى في مجتمع مدينة العين خلال هذه الفترة، حيث فتح انتشار الإسلام أبواب التبادل التجاري والتواصل الثقافي مع العالم.

قد خرج التجار والبحارة العرب في رحلات ومغامرات بعيدًا عن أوطانهم من أجل استيراد السلع وتداولها، وهو ما يؤكده اكتشاف حطام سفينة داو شراعية عربية قبالة سواحل إندونيسيا.

ولا يعرف الخبراء على وجه التأكيد ما إذا كان سكان العين قد وصلوا بتجارتهم إلى هذه المناطق البعيدة، لكن الاكتشافات الأخيرة توضح أن المدينة، التي كانت تُعرف حينذاك باسم “توام”، كانت جزءًا من نظام اقتصادي عالمي نشط.

وقد شاركت على الأرجح في حركة التجارة عبر أحد الموانئ الموجودة في هذا الوقت، مثل جميرا في دبى أو جلفار في رأس الخيمة.

مسجد الفجيرة

وقبل هذا الاكتشاف كان ينظر إلى مسجد البدية بالفجيرة بأنه الأقدم في الإمارات، والذي تم بناؤه عام 1446، وتقام في المسجد المتميز بحجم مساحته الصغيرة وطريقة بنائه وعنصره المعماري والإنشائي في التسقيف، حيث لم تستخدم الأخشاب في رفع سقفه بل يعتمد على عمود في وسطه، الصلاة حتى الآن.

الأديان السماوية في الإمارات

وفي وقت سابق اكتشف علماء الآثار في دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي ديرًا مسيحيًّا يعود إلى هذه المرحلة التاريخية المبكرة في جزيرة “صير بني ياس”.

ويؤكد اكتشاف الدير المقومات النبيلة والقيم السامية للمجتمع في أبوظبي في هذه الفترة، وأبرزها التسامح وقبول الأديان الأخرى، والتي لا تزال أحد السمات الأساسية للحياة في دولة الإمارات العربية المتحدة.

ربما يعجبك أيضا