40 عامًا على “كامب ديفيد”.. مقاطعة عربية لمصر.. وإسرائيل الرابح الأكبر

حسام السبكي

حسام السبكي

40 عامًا تمر اليوم على واحدة من أكثر الصفقات الدبلوماسية إثارة للجدل، والتي حقق من خلالها المُحتل أكبر مكاسبه التي لم ينلها بالحرب، حيث تسببت في أزمات داخلية تمثلت في استقالة محمد إبراهيم كامل وزير الخارجية آنذاك، كما حظيت القاهرة للمرة الأولى بقطيعة عربية شاملة، فعُلقت عضويتها بالجامعة العربية 10 سنوات كاملة.

اتفاقية كامب ديفيد

مثلت اتفاقية كامب ديفيد، أولى ثمار الجهود الدبلوماسية المصرية والإسرائيلية، نحو نهاية حرب عام 1973، التي قادتها مصر وعددٌ من الدول العربية، لاستعادة الأراضي التي احتلها الكيان الصهيوني في 5 يونيو 1967، وهي تشير إلى اتفاقية سلام مصرية إسرائيلية برعاية أمريكية، تم توقيعها في 17 سبتمبر عام 1978، بين الرئيس المصري محمد أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن، بوساطة من الرئيس الأمريكي آنذاك جيي كارتر، وذلك بعد ماراثون من المفاوضات استمر 12 يومًا في منتجع كامب ديفيد الرئاسي في ولاية ميريلاند القريب من عاصمة الولايات المتحدة واشنطن.

ونتج عن هذه الاتفاقية حدوث تغييرات على سياسة العديد من الدول العربية تجاه مصر، وتم تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية من عام 1979 إلى عام 1989 نتيجة التوقيع على هذه الاتفاقية، ومن جهة أخرى حصل الزعيمان مناصفة على جائزة نوبل للسلام عام 1978 بعد الاتفاقية، حسب ما جاء في مبرر المنح للجهود الحثيثة في تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط.، وتوجد مطالب بالإفصاح عن تفاصيلها التي تبقى سرية حتى اليوم، كما أنّها لم تُعرض على البرلمان المصري.

أجواء عدة سبقت القمة المصرية الإسرائيلية المصاحبة للاتفاقية، تمثلت في فشل الجهود الأمريكية السريعة في محاولة الجمع بين جهتين لا ترغبان في الحوار المباشر متمثلتين في العرب وإسرائيل، علاوة على فوز حزب الليكود الممثل لتيار الوسط في الكيان الإسرائيلي في الانتخابات عام 1977، وكان الحزب لا يعارض فكرة الانسحاب الإسرائيلي من سيناء، لكنه كان يرفض فكرة الانسحاب من الضفة الغربية.

تزامن ذلك مع توصية من معهد “بروكنجس” والذي يعد واحدًا من من أقدم مراكز الأبحاث السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة، في تقرير له حث على ضرورة اتباع “منهج حوار متعدد الأطراف” للخروج من مستنقع التوقف الكامل في حوار السلام في الشرق الأوسط.

وبدأ الرئيس المصري محمد أنور السادات، أكثر قناعة من أي وقتٍ مضى، بعدم جدوى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 338 الذي حث على وقف إطلاق النار والبدء في مفاوضات للسلام الشامل بالشرق الأوسط، كما اتسعت الهوة في وجهات النظر بين السادات والرئيس السوري حافظ الأسد الرافض لمبدأ الجلوس على طاولة المفاوضات مع إسرائيل بشكلٍ مباشر، إضافة لتدهور أحوال الاقتصاد المصري في تلك الفترة، وعدم ثقة السادات بنوايا الولايات المتحدة بممارسة أي ضغط ملموس على إسرائيل، وكانت رغبة الرئيس المصري تقوم على كون أي اتفاق بين بلاده وإسرائيل سيتبعه اتفاقات مباشرة بين الدول العربية وإسرائيل ستسهم بشكلٍ أو بآخر في إيجاد مخرج وحل للقضية الفلسطينية، وهو ما لم يحدث.

بنود المحادثات

تركزت المباحثات في كامب ديفيد بين الجانبين المصري والإسرائيلي على 3 محاور رئيسية:

1. الضفة الغربية وقطاع غزة:

ويستند ذلك المحور على مشاركة مصر وإسرائيل والأردن وممثلين عن الشعب الفلسطيني في المفاوضات حول حل تلك القضية، واقترحت الولايات المتحدة إجراءات انتقالية لمدة 5 سنوات لغرض منح الحكم الذاتي الكامل لهاتين المنطقتين وانسحاب إسرائيل الكامل بعد إجراء انتخابات شعبية في المنطقتين ونص الاقتراح أيضا على تحديد آلية الانتخابات من قبل مصر وإسرائيل والأردن على أن يتواجد فلسطينيون في وفدي مصر والأردن.

2. العلاقات المصرية الإسرائيلية:

ويقوم على أهمية التوصل إلى قنوات اتصال دائمة تتمثل في حوار مباشر بين المصريين والإسرائيليين، وعدم اللجوء إلى العنف لحسم النزاعات، وقد اقترحت الولايات المتحدة فترة 3 أشهر لوصول الجانبين إلى اتفاقية سلام.

3. العلاقات الإسرائيلية العربية:

بحسب المقترح الأمريكي في هذا الشأن، كان على الكيان الإسرائيلي السعي لإبرام اتفاقيات سلام مشابهة مع لبنان وسوريا والأردن بحيث تؤدي في النهاية إلى اعترافات متبادلة وتعاون اقتصادي في المستقبل، وهو ما لم يحدث في حينه.

مهدت الاتفاقية عقب توقيعها إلى:

1. إنهاء حالة الحرب بين مصر وإسرائيل.

2. تمتع كلا البلدين بتحسين العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

3. فتح الاتفاق وإنهاء حالة الحرب الباب أمام مشاريع لتطوير السياحة، خاصة في سيناء.

4. نتيجة التوقيع على هذه الاتفاقية حصل الزعيمان مناصفة على جائزة نوبل للسلام عام 1978.

توابع سلبية

أحدثت الاتفاقية، حالة من الشرخ والشق في الصف العربي، للمرة الأولى، ولكن قبلها كانت الأزمة العاصفة في مصر، حيث استقال على إثر الاتفاقية وزير الخارجية “محمد إبراهيم كامل” اعتراضًا على الاتفاقية، وأسماها “مذبحة التنازلات”، وكان له مقال شهير في مطلع الثمانينيات أسماه “السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد”، ووصف ما قبل به الرئيس السادات بـ”البعيد جدًا عن السلام العادل”.

وانتقد كامل اتفاقات كامب ديفيد لكونها لم تشر بصراحة إلى انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة والضفة الغربية، ولعدم تضمينها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

أما على الصعيد العربي، فقد كان هناك جو من الإحباط والغضب لأن الشارع العربي وقتها كان تحت تأثير أفكار الوحدة العربية وأفكار جمال عبدالناصر وخاصة في مصر والعراق وسوريا وليبيا والجزائر واليمن، فعقدت هذه الدول العربية مؤتمر قمة رفضت فيه كل ما صدر، ولاحقاً اتخذت جامعة الدول العربية قراراً بنقل مقرها من القاهرة إلى تونس احتجاجاً على الخطوة المصرية.

تسببت اتفاقية كامب ديفيد في مزيد من التصدع العربي، حيث أدت إلى نشوء نوازع الزعامة الإقليمية والشخصية في العالم العربي لسد الفراغ الذي خلفته مصر، وكانت هذه البوادر واضحة لدى القيادات في العراق وسوريا فحاولت الدولتان تشكيل وحدة في عام 1979 ولكنها انهارت بعد أسابيع قليلة، وقام العراق على وجه السرعة بعقد قمة لجامعة الدول العربية في بغداد في 2 نوفمبر 1978 ورفضت اتفاقية كامب ديفيد وقررت نقل مقر الجامعة العربية من مصر وتعليق عضوية مصر ومقاطعتها وشاركت بهذه القمة 10 دول عربية ومنظمة التحرير الفلسطينية وعرفت هذه القمة باسم “جبهة الرفض”.

وفي 20 نوفمبر 1979 عقدت قمة تونس العادية، وأكدت على تطبيق المقاطعة على مصر.

وازداد التشتت في الموقف بعد حرب الخليج الأولى إذ انضمت سوريا وليبيا إلى صف إيران، وحدث أثناء هذا التشتت غزو إسرائيل للبنان في عام 1982 بحجة إزالة منظمة التحرير الفلسطينية من جنوب لبنان، وتمت محاصرة للعاصمة اللبنانية لعدة شهور، ونشات فكرة “الاتحاد المغاربي” الذي كان مستنداً على أساس الانتماء لأفريقيا وليس الانتماء للقومية العربية.

ربما يعجبك أيضا