برعاية روسية تركية.. نزع فتيل معركة إدلب بإطار زمني

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

من قلب سوتشي الروسية، أعلن الرئيسان الروسي فلاديمير بوتن، والتركي رجب طيب أردوغان أمس، التوصل إلى تفاهمات تقضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب، في إشارة إلى استبعاد العمل العسكري الشامل في هذه المنطقة التي يعتبرها النظام السوري أخر جيب للمعارضة والمسلحين.

وقال الرئيس الروسي -في ختام مباحثاته مع نظيره التركي- قررنا إقامة منطقة منزوعة السلاح بعرض يتراوح بين 15 و20 كيلومترا على طول خط التماس، ابتداء من 15 من أكتوبر المقبل، وبموجب التفاهمات مع أنقرة، سيتعين على الفصائل المسلحة بما فيها جبهة النصرة الانسحاب من المنطقة، كما سيتم سحب جميع الأسلحة الثقيلة من المنطقة، فيما ستقوم دوريات مشتركة من القوات الروسية والتركية بمراقبة الخط الفاصل.

من جانبه قال أردوغان: إن مذكرة التفاهم تهدف إلى إرساء الاستقرار في إدلب، وبالنسبة لبلاده فإن المشكلة تكمن في وحدات حماية الشعب الكردية وليس إدلب.

خلال الأسابيع الأخيرة كثفت قوات النظام السوري والقوات الموالية لها “المليشيات الإيرانية” وجودها في محيط إدلب مدعومة بغطاء جوي من المقاتلات الروسية، ما أثار مخاوف من هجوم شامل بري وجوي لاستعادة آخر معقل رئيسي للمعارضة، قد يتحول في أي لحظة إلى مذبحة جديدة تهدد حياة نحو ثلاثة ملايين مدني محاصرون في إدلب.

كما كثفت القوات التركية تواجدها على طول خط عفرين بنحو 30 ألفا ودفعت بتعزيزات عسكرية إلى داخل إدلب، فيما قامت فصائل المعارضة السورية متمثلة في الجبهة الوطنية للتحرير التابعة للجيش السوري الحر وهيئة تحرير الشام “جبهة النصرة”، بالدعوة للنفير العام وحشد قواتها التي تقدر بنحو 150 ألف مقاتل، وشن حملات لاعتقال شخصيات لديها اتصالات مع النظام.

طوال الأسابيع الماضية أيضا قتل العشرات وأصيبوا في موجة جديدة من الضربات الجوية الروسية السورية على ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي وجسر الشغور، كل ذلك جعل العالم يراقب بالأمس اجتماع سوتشي بكثير من الحذر، فالأمم المتحدة حذرت من أن أي هجوم شامل على إدلب سينتج عنه أسوأ أزمة إنسانية في هذا القرن، وحاولت الدول العظمى الضغط على روسيا لثنيها عن التمادي في دعمها الأعمى لنظام الأسد، فيما هددت تركيا العالم وأوروبا تحديدا من موجة لجوء جديدة.

اتفاق إدلب، تلقفه الجميع بلا استثناء بالترحيب، ربما لأنه فرصة لالتقاط الأنفاس ومن ثم الانخراط من جديد في المعارك الطاحنة الدائرة منذ 2011، من جانبه قال مصطفى السراج المسؤول البارز في الجيش السوري الحر: اتفاق إدلب يدفن أحلام الأسد بالسيطرة الكاملة على سوريا، كما يفرض أمرا واقعا من سيطرة جغرافية للمعارضة وبقاء السلاح بيد الجيش السوري الحر، مما سيكون نقطة انطلاق نحو تحول سياسي ينهي حكم الأسد.

فيما اعتبر يحيى العريضي المتحدث باسم لجنة المفاوضات السورية المعارضة، أن الاتفاق يجعل هجوم الأسد على المنطقة مستبعدا، على الأقل لفترة من الوقت ليست بالصغيرة.

النظام السوري وعلى لسان مسؤول بوزارة الخارجية السورية قال في بيان اليوم: إن الجمهورية العربية السورية إذ تشدد على أنها كانت ولا تزال ترحب بأي مبادرة تحقن دماء السوريين، مؤكدا أن دمشق ماضية في حربها ضد الإرهاب حتى تحرير آخر شبر من الأراضي السورية سواء بالعمليات العسكرية أو بالمصالحات المحلية التي أثبتت نجاعتها في حقن دماء السوريين.

وأضاف اتفاق إدلب الذي أعلن عنه بالأمس هو اتفاق مؤطر زمنيا بتواقيت محددة وهو جزء من الاتفاقيات السابقة حول مناطق خفض التصعيد، التي نتجت عن مسار أستانة منذ بداية عام 2017، والتي انطلقت في أساسها من الالتزام بسيادة ووحدة وسلامة أراضي سوريا وتحريرها كافة سواء من الإرهاب والإرهابيين أو من أي تواجد عسكري أجنبي غير شرعي.

لم يختلف رد فعل الحليف الإيراني كثيرا، إذ قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف -عبر تويتر- المساعي الدبلوماسية الحثيثة والمسؤولة خلال الأسابيع القليلة الماضية، بما فيها زياراتي إلى أنقرة ودمشق، والتي تبعتها القمة الإيرانية الروسية التركية في طهران واللقاء في سوتشي، تثمر بمنع الحرب في إدلب، مع التأكيد على الالتزام الحازم بمكافحة الإرهاب والتطرف.. إن الدبلوماسية تثمر.

وأكد المتحدث باسم الخارجية​ ​بهرام قاسمي​ الثلاثاء، ترحيب بلاده باتفاق سوتشي، كاشفا أن إيران كانت في أجواء الاتفاق بين تركيا وروسيا وقد تم التشاور معها قبل إعلانه.

في عيون الصحافة العربية والعالمية النظرة إلى صفقة إدلب لم تختلف كثيرا، فالترحيب كان العنوان، فعلى سبيل المثال عنونت صحيفة الحياة اللندنية تقريرا لها قائلة: “قمة بوتين – أردوغان.. تبدد كابوس الهجوم على إدلب”، مؤكدة النظرة الإيجابية لنتائج اللقاء من قبل الأطراف الفاعلة في الصراع السوري جميعها.

أما صحيفة الوطن السورية والموالية للأسد، فقالت في تحليل لها: إن مؤسسات الدولة السورية ستعود إلى إدلب بمقتضى هذا الاتفاق بعد أن يسلم مقاتلو المعارضة كل أسلحتهم الثقيلة ويبتعدوا عن المناطق المدنية، ونقلت عن مصادر دبلوماسية في موسكو، أنه سيجرى خلال الفترة المقبلة اعتبار الفصائل التي ترفض الاتفاق عدوة حتى للجيش التركي وستصنف على أنها إرهابية ومن الواجب قتالها.

وفي تقرير لصحيفة الديلي تلغراف البريطانية اعتبر مراسلها لشؤون الشرق الأوسط أن الاتفاق الروسي التركي منع وقوع أزمة إنسانية في إدلب، لافتا إلى أن كلا الجانبين قد أسس مراكز مراقبة قرب بؤر التوتر في المحافظة، في إشارة إلى زيادة التعاون بينهما على الرغم من اختلاف الأجندات فيما يتعلق بالحرب السورية، فموسكو تدعم الأسد فيما تدعم أنقرة بعض فصائل المعارضة السورية وتحديدا الجيش السوري الحر.
 
وخلصت الصحيفة إلى القول بأن موسكو تحرص على تقوية علاقاتها بتركيا، لاستغلال التوتر الأخير الذي طال علاقات أنقرة مع واشنطن.

كما سلطت الصحف الفرنسية الضوء على نتائج اجتماع سوتشي، ففي صحيفة لوموند نقرأ تقريرا بعنوان: “سوريا نحو منطقة منزوعة السلاح في إدلب برعاية روسيا وتركيا”، يؤكد أن الزعمين بوتين وأردوغان تجاوزا اختلافهما الذي بدا واضحا خلال قمة طهران في مطلع الشهر الجاري بشأن جدوى الهجوم على إدلب وضرورة تحييد جبهة النصرة، ليتوصلا إلى صيغة للسيطرة المشتركة على هذه المنطقة تضمن تجنب أزمة إنسانية جديدة.

من جانبها اعتبرت صحيفة دايلي صباح التركية الاتفاق اختراقا كبيرا وقالت: إن المسؤولين الأتراك بذلوا جهودا دبلوماسية كبيرة لتجنب حملة واسعة النطاق كان يخطط لها النظام السوري ضد الفصائل المعارضة في إدلب.

لكن الصور الحماسية عقب لقاءات زعماء العالم لا تعني بالضرورة إحلال السلام، فالتاريخ أن هذه الصور هي الإنجاز الوحيد، فيما تبقى الاتفاقات مجرد حبر على ورق يسهل الانقلاب عليها، والأمر في سوريا معقد للغاية فالجميع يريد تقسيم الكعكة وإدلب مفاتح السر، وربما تهادن فيها إيران لكي تحصل على موضع قدم في الجنوب السوري، أما تركيا فتريد أن تضمن الوجود ضمن صيغة سوريا ما بعد الحرب لمواجهة شبح الكرد، فيما تسعى موسكو لاستعادة أمجاد الاتحاد السوفيتي.

ربما يعجبك أيضا