فرنسا تعود من جديد إلى سوريا تحت عنوان مكافحة الإرهاب وتقديم المساعدات

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

منذ اندلاع الحرب في سوريا، وباريس، حريصة على استمرار علاقاتها مع دمشق، فلم تغلق سفارتها إلا بعد أكثر من عام من اندلاع الحرب، وكانت باريس تضع دمشق نصب أعينها، فرغم قطع العلاقات كانت وفود من الكونجرس الفرنسي تزور دمشق، وكانت هناك اتصالات ما بين أجهزة استخبارات البلدين، تجاوزت قضية المقاتلين الأجانب ومكافحة الأرهاب.
اليوم فرنسا، تعود من جديد إلى سوريا تحت عنوان مكافحة الإرهاب وتقديم المساعدات الإنسانية.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية يوم 17 سبتمبر 2018 لحظة انقطاع الاتصال بطائرتها كانت أربع  طائرات من طراز إف 16 تهاجم اللاذقية السورية، وسجلت راداراتها إطلاق صواريخ من على متن الفرقاطة الفرنسية (أوفيرن) المرابطة في المنطقة المذكورة عينها.
وسبق أن اشتركت فرنسا الى جانب بريطانيا والولايات المتحدة بتوجيه ضربة جوية ضد سوريا في أعقاب الاتهامات الموجهة للنظام في سوريا، باستخدام السلاح الكيمياوي ضد مدنيين في منطقة دوما مطلع شهر ابريل 2018.

وكثفت فرنسا خلال عام 2015 ضرباتها ضد التنظيمات المتطرفة في سوريا، كما أرسلت حاملة الطائرات ” شارل ديغول” للمنطقة لتشارك في العمليات العسكرية، على إثر هجمات باريس في 13 نوفمبر2015. في أعقابها كان هناك تقارب فرنسي من روسيا ومن الولايات المتحدة لتعزيز التحالف الدولي في محاربة تنظيم داعش.

ونشرت القوات الفرنسية الخاصة ست بطاريات مدفعية على الحدود السورية العراقية في إطار دعم قوات “سوريا الديمقراطية” منتصف شهر مايو 2018، في شمالي قرية باغوز، حيث تم التدريب على إطلاق النار. ويعزز الجيش الفرنسي مؤخرا وجوده في مناطق منبج والحسكة وعين عيسى والرقة التي تسيطر عليها المنظمات الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية.

وتدعم القوات الخاصة التابعة لسلاح الجو الفرنسي والقوات البرية قوات “سوريا الديمقراطية”. وناشد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان روسيا ممارسة الضغط على بشار الأسد وقال لودريان إن هناك أمل حاليا أن تكون روسيا قد أدركت أنه لابد من تشابك الجهود من أجل تحفيز بدء عملية سياسية في سوريا.

وتحرص فرنسا على إخفاء استخدام قواتها الخاصة التي يقدرتعدادها ببضع عشرات من الأفراد في سوريا، عكس أميركا. لكن الدفاع الفرنسية، كانت ملتزمة  بتعزيز وجودها في التحالف الدولي ضد داعش بطائرات قتالية متمركزة في المنطقة، إضافة إلى تواجد مستشارين عسكريين وعناصر من سلاح المدفعية الفرنسي.

اتفاق سان بطرسبرغ

اتفق الرئيس الفرنسي ماكرون والرئيس الروسي بوتين على تطبيق أول خطة عمل مشتركة في سوريا، تم نقاشها في القمة التي عقدت بينهما في 24 مايو  2018 في سان بطرسبرغ. ففي 20 يوليو2018 صدر بيان صحافي فرنسي- روسي نشره الأليزيه، شكل نقطة تحول كبرى في السياسة الفرنسية تجاه سوريا، تم تبريرها لأعتبارات الإنسانية.

وظهرت بعد عام 2015، أكثر من إشارة تقارب بين باريس وموسكو بشأن الملف السوري ، تعكس رغبة واضحة على أعلى المستويات لجعل الطرفين يعملان معاً. فلا ترى باريس اليوم وسيلة للحضور والتأثير في هذا الملف إلا عبر موسكو التي تمسك بيديها الكثير من الأوراق بعد التغييرات الميدانية الجذرية، وتمكين النظام من إعادة السيطرة على المناطق التي كانت بأيدي المعارضة وفق تقرير لصحيفة الشرق الأوسط بقلم الكاتب ميشيل ابو نجم في 30 يوليو 2018 .

بعض المراقبين يعتقدون أن فرنسا، بمنحها ائتماناً “إنسانياً” لقاعدة حميميم تضع نفسها تحت إمرة هذه القوات لتوزيع المساعدات الفرنسية باسم الرئيسين ماكرون وبوتين. ويحدد الجانب الروسي أن الأدوية، الخيام، الملابس، المعدات الطبية و الضروريات الأساسية المنقولة من شاتورو إلى حميميم، سوف تصل إلى المستشفيات السورية تحت إشراف المركز الروسي للمصالحة بين أطراف النزاع. وان فرنسا اختارت التخلي عن استقلالية عملها في سوريا لصالح روسيا. 

وفي أول عملية من نوعها في سوريا تصل مساعدات إنسانية فرنسية إلى مناطقِ سيطرة الحكومة السورية بالغوطة الشرقية .. الكرملين والإليزيه قالا في بيان مشترك إن العمليةَ تأتي بموجب اتفاق بين باريس وموسكو لتقديم المساعدات وفق مبادئِ الحياد والإنسانية في جميع الأراضي السورية

الخلافات الفرنسية ــ الروسية وعملية انتقال سياسية

برزت الخلافات الفرنسية ــ الروسية، حيث أعاد السفير الفرنسي فرنسوا دولاتر التأكيد على تمسك باريس بالحل السياسي الذي يعني وجود عملية انتقال سياسية.
وقال دولاتر ما حرفيته: “لن نشارك في إعادة إعمار سوريا ما لم يجر انتقال سياسي فعلياً بمواكبة عمليتين دستورية وانتخابية بطريقة جدية ومجدية”. إن الورقة الرابحة الوحيدة بأيدي الفرنسيين والأوروبيين هي ورقة تمويل إعادة الإعمار، لأن لا روسيا ولا إيران لديهما الإمكانات للقيام بذلك.

اتصالات بين الاستخبارات الفرنسية والسورية

كشف بشار الأسد خلال مقابلة مع قناة فرنسية في  خلال شهر ابريل 2015 أن هناك اتصالات بين أجهزة الاستخبارات الفرنسية والسورية، إلا أن العلاقات الدبلوماسية لا تزال منقطعة.
وقال في مقتطفات من مقابلة أجرتها شبكة التلفزيون الفرنسية “فرانس-2” معه “هناك اتصالات، لكن لا تعاون”.التقارير كشفت إن فرنسا أرسلت مسؤولين في أجهزة الاستخبارات حيث التقيا في دمشق اللواء علي مملوك المسؤول في الاستخبارات السورية. وكانت باريس أغلقت سفارتها في دمشق في مارس 2012.

النتائج

الحكومة الفرنسية غيرت استراتيجيتها، في سوريا في اعقاب تفجيرات باريس نوفمبر 2015، والتي كانت ضربة كبيرة إلى الحكومة الفرنسية والى دول أوروبا، لذا كائت ردود فعل فرنسا بتوجيه ضربات عسكرية على معاقل داعش سابقا في الرقة وفي الموصل وتعزيز مشاركتها داخل التحالف الدولي.

ويبدو أن قصر الأليزيه، أدرك أن الإرهاب غير محدد في جغرافية معينة، وأن ما يجري في مناطق النزاع ومنها سوريا تضر كثيرًا في أمن فرنسا. المقاتلون الفرنسيون داخل تنظيم داعش، والتي كانت تقدر أعدادهم بأكثر من 2000 مقاتل، ماعدا بقية الجماعات المتطرفة، داخل فرنسا والتي قدرتها تقارير الاستخبارات الفرنسية بما يقارب 18 ألف، باتت تهدد امن فرنسا من الداخل. ما يجري في سوريا بالتأكيد يعطي “الإلهام” إلى أنصار داعش والجماعات المتطرفة في فرنسا وعواصم أوروبية لتتفيذ العمليات الإرهابية.

فرنسا، وجدت في المساعدات الإنسانية والشراكة مع روسيا، الطريقة الأفضل، ليكون لها دورا في سوريا، وفي رسم مستقبل سوريا وخارطة توزيع القوى هناك. وبدون شك أن فرنسا، إلى جانب ألمانيا، أدركت أهمية التقارب مع موسكو، وكانت هناك زيارات ولقاءات متبادلة إلى جانب برلين أكثر من بقية دول أوروبا. وجود فرنسا العسكري، يدعم الحل السياسي  في سوريا، وربما يعمل على الانتقال السياسي في فرنسا، لكنه يبدو مستبعدا في المستقبل القريب.

التوصيات

يبقى الخيار السياسي هو الأفضل في سوريا، على أن يكون هناك تعاون دولي من خلال التحالف الدولي، برصد وتتبع الجماعات والتنظيمات المتطرفة في سوريا والتي تتركز الآن في إدلب، خاصة ما يتعلق بالمقاتلين الأجانب من غير السوريين والتي تقدر بأربع الآلاف مقاتل بينهم أعداد من المقاتليين الفرنسسن والأوروبيين، والتي من الممكن تدويرهم في تنظيمات أخرى، وهذا ما ينبغي على الأطراف الدولية والإقليمية الضغط على فرنسا ودول أوربا ودول مصدر تدفق المقاتلين الأجانب، لإيجاد حلول باستقبال مقاتليهم، واتخاذ التدابير الأمنية بدلا من تدويرهم في مناطق النزاع في المنطقة.

ربما يعجبك أيضا