إيران والعقوبات.. أوقات عصيبة

يوسف بنده

رؤية

يمكن القول: إن إيران تواجه اختبارات صعبة في المرحلة الحالية، على ضوء تشابك الضغوط التي تفرضها الاحتجاجات الداخلية والتوترات الأمنية مع العقوبات الأمريكية التي بدأت تتعرض لها، وهو ما ستكون له انعكاسات داخلية لا تبدو هينة خلال الفترة المقبلة، التي ربما تكون الأصعب بالنسبة للنظام الحالي.

فقد كشفت صحيفة ألمانية -في تقرير ميداني- عن مدى تردي الأوضاع الاقتصادية داخل إيران مع قرب تنفيذ ثاني حزم العقوبات الأمريكية، والتي يبدأ سريانها في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وتستهدف شل القطاعين المصرفي والنفطي لطهران.

ورصد “ماتياس بروجمان”، مراسل صحيفة “هندلزبلات” الاقتصادية الألمانية، خلال جولة ميدانية زار خلالها بعض أقاليم إيران، التداعيات المالية والاقتصادية السلبية الناجمة عن تنفيذ أولى عقوبات واشنطن في 6 أغسطس/ آب الماضي، مشيرا إلى أن الأمور صارت أشد وطأة وبات من الواضح عدم وجود مسار بديل في الأفق المنظور.

وألمح “بروجمان” إلى نقص حاد في كميات المواد الاستهلاكية، وكذلك المواد الخام اللازمة للتصنيع في ظل تهاوي قيمة العملة المحلية “الريال” بشكل سريع، لافتا إلى أن الفروق بين السعر الحكومي للنقد الأجنبي والسوق غير الرسمية تفتح الباب أمام الفساد المالي.

وأشار مراسل الصحيفة الألمانية، خلال جولة في عدد من الأسواق، إلى تدافع المستهلكين على المتاجر لشراء البضائع بهدف تخزينها خشية غلاء الأسعار وكذلك بسبب نقص المعروض، فيما ألمح إلى زيادة أنشطة بيع غير مسبوقة للسلع عبر الحدود مع أفغانستان المجاورة شرقا.

ويلجأ الإيرانيون هربا من موجات الغلاء في أسواق البلاد إلى استغلال الفروق الحادة بين الريال الإيراني والعملة المحلية الأفغانية “أفغاني” الأدنى نسبيا، بينما كانت معدلات النقص الحاد بالبضائع في مدن إيران الشرقية والغربية، وفق “بروجمان”.

واستعرض الصحفي الألماني آراء عدد من التجار والمشترين في سوق طهران الكبيرة أو المعروفة بـ”البازار”، والتي أجمعت على سوء الأوضاع الإقتصادية في ظل إهتمام النظام بالإستعراض بالصواريخ الباليستية .

وترى صحيفة “هندلزبلات” الألمانية أن الوضع الاقتصادي الراهن في إيران “حساس للغاية” بسبب زيادة التذمر الشعبي عن التردي الذي اتسع ليشمل نواحي عديدة، منوهة بأن الحزمة الثانية من عقوبات الولايات المتحدة ضد طهران ستزيد حدة التدهور.

انخفاض القوة الشرائية

كشف تقرير صادر عن البنك المركزي الإيراني مؤخرا عن إنخفاض القوة الشرائية للعمال الإيرانيين بنسبة 72٪، نتيجة التزايد المطرد في الأسعار مقارنة بالفترة ذاتها العام الماضي.

كما كشف محسن هاشمي رئيس المجلس المحلي بالعاصمة طهران، الشهر الماضي، أن أكثر من ثلث نسمة البلاد يعيشون تحت خط الفقر وأن عشرة بالمائة من نسمة إيران يعيشون تحت خط الفقرالمدقع.

وعلى سبيل المثال، نشرت صحيفة “صداي إصلاحات”، أن الفقر يصرخ في هذه محافظة واحدة وهي محافظة خراسان التي تعاني من جفاف عمره ثمانية عشر عامًا، وتواجه الآن موجة من ارتفاع الأسعار.

وأن الوضع الاقتصادي متدنٍ إلى حد أن سكان المدينة الفقراء اصطفوا في طوابير أمام مؤسسة الإمام الخميني للإغاثة والجمعيات الخيرية.

حيث كان أغلب سکان المدينة يعملون في زراعة الأراضي، إلا أن الجفاف دمّر کل شيء وأفلست كثير من البلدات والقرى في المنطقة.

إضراب سائقي الشاحنات
وفي جولة جديدة من إضراب سائقي الشاحنات، فقد احتجوا من جديد على ارتفاع أسعار الإطارات، حيث وصل سعر كل زوج من إطارات الشاحنات إلى 5 ملايين تومان. ويبدو أن ارتفاع سعر الدولار هو السبب وراء ذلك.

وقد ذكر التقرير كذلك، أن بعض السائقين وأصحاب الشاحنات المقربين من دوائر الحكومة، حصلوا على إطارات من الحکومة، بأعداد كبيرة، بسعر مليون تومان للإطار. وقد أشارت بعض المصادر إلى أن هؤلاء السائقين قاموا ببيع هذه الإطارات في السوق الحرة وحققوا ثروة كبيرة. والنتيجة النهائية حتى الآن، طبقًا للتقرير، أن “الإضراب مستمر وسعر الإطارات لا ينخفض”.

يذكر أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت قد تداولت في وقت سابق من هذا الشهر، تقارير متعددة، تفيد ببدء جولة جديدة من إضراب أصحاب الشاحنات، في مدن تبريز، وشهر رضا، ومبهدان، وبو شهر، وطهران، وسيرجان، ومرودشت، وسيزوار. وكان أصحاب الشاحنات وقتها قد أعلنوا أن سبب احتجاجهم هو انخفاض أسعار النقل وارتفاع قطع الغيار.

وفي السياق، كشف أسد الله كاركر، رئيس نقابة الفواكه والخضراوات، في لقاء مع وكالة “مهر”، عن ارتفاع أسعار الطماطم والبطاطس، بسبب إضراب أصحاب الشاحنات. وأضاف كاركر: “بدأ أصحاب الشاحنات إضرابهم… مما أثر على وصول الفواكه والخضراوات إلى الأسواق”.

ألم المرض أرحم
ومع فرض العقوبات، وارتفاع أسعار العملة، أصبح الدواء نادرًا ومکلفًا، فواجه مرضى السرطان، وأولئك الذين يحتاجون إلى الدواء الخاص، ارتفاعًا كبيرًا في أسعار الدواء.

وقد نشرت صحيفة “قانون” تقريرًا ميدانيًا عن الحالة الراهنة للدواء في إيران، والمرضى الذين يبحثون عنه، وفي هذه الفوضى، يعاني المرضى من ألمين: ألم المرض وألم توفير الدواء.

وفي السياق، نقلت مراسلة الصحيفة عن إحدى المصابات بسرطان المبيض واسمها “منيجة”، وسجلت شكواها من أن “الدواء أصبح مكلفًا للغاية، لدرجة أنها تفضل الألم على توفير الدواء؛ حيث إن �آفيستين� هو الدواء الوحيد الفعّال ضد سرطان منيجة، وقد ارتفع سعر النوع الإيراني من هذا الدواء إلى مليونين وسبعمائة ألف تومان، والنوع الأجنبي منه إلى أربعة ملايين تومان. وفي كل مرة يذهب فيها شقيق منيجة لشراء الدواء، يعود بعينيين باکيتين ويدين فارغتين”.

الهروب للخارج
وقد أجبر الوضع الاقتصادي السيئ وارتفاع أسعار الذهب في إيران -الذي وصل إلى أكثر من 4 ملايين ريال- الإيرانيين على الهروب خارج البلاد، لإتمام الزواج؛ بسبب عدم القدرة على دفع المهر في إيران.

وكشفت البرلمانية في مجلس الشورى الإسلامي، فاطمة ذو القدر، أن زيادة قيمة عملة الذهب كانت أداة للضغط على المواطنين للفرار خارج البلاد للهروب من دفع المهور.

وقالت: “لسوء الحظ أثيرت هذه المشكلة؛ بسبب ارتفاع سعر العملة الوطنية مقابل الدولار، وبالتالي ارتفاع سعر الذهب وسعر المنتجات زيادة مبالغ فيها”.

وأضافت القدر: “العديد من الأشخاص الذين كان لديهم القدرة على الزواج كانوا يدفعون مقابل العملة الذهبية عندما كانت العملة أقل من مليوني ريال، ولكن بعد ارتفاع الذهب لم يستطيعوا الدفع”.

وتابعت، أنه منذ فترة كانت إحصائية سجناء المهر في الدولة قليلة، ولكن في الوقت الحالي باتوا لا يستطيعون دفع المهر وسوف تزداد نسبة السجناء وستصبح ظاهرة اجتماعية منتشرة في المجتمع.

وأشارت إلى أن “الأشخاص الذين يقل دخلهم عن مليوني ريال لا يمتلكون القدرة على الدفع، لذلك يجب أن تكون هناك طريقة لوضع خطط في اللجنة الاجتماعية، وبالطبع لا نريد إهدار حق المرأة، ولكن يجب النظر في تلك الظاهرة”.

كتائب قمع

وقد اعتقلت السلطات الإيرانية 40 شخصا من سائقي الشاحنات في مختلف المحافظات لمشاركتهم بالإضراب المستمر منذ أيام احتجاجا على نقص الأجور وغلاء قطع غيار السيارات مثل الإطارات ورفع رسوم الشحن وارتفاع التكاليف في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة.

فقد هدد المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري، بإعدام منظمي الإضراب بتهمة ‘تهديد الأمن القومي’.

وأفادت منظمات حقوقية إيرانية، أمس الخميس، بأن حوالي 40 سائقا وصاحب شاحنة تم اعتقالهم في كل من قزوين وفارس وطهران والأحواز.

ولمواجهة هذه الظاهرة التي شوهدت في الملاعب، خاصة في طهران والمدن العربية والتركية الآذرية بإيران، فقد أعلن قائد القوات الخاصة في الشرطة الإيرانية، الأربعاء الماضي، عن إنشاء 15 كتيبة شعبية (قوات الباسيج) في جميع أنحاء البلاد لمواجهة ما وصفها بـ”التهديدات”، بما في ذلك “التهديدات في الملاعب”.

يذكر أن قوات الباسيج أو الحشد الشعبي في إيران واسمها الرسمي “قوات تعبئة الفقراء والمستضعفين”، هي عبارة عن ميليشيات تتكون من متطوعين مدنيين ذكور وإناث، أسست بأمر من المرشد السابق الإيراني آية الله خميني في نوفمبر 1979، وحاليا يساهم البسيج بشكل تطوعي في قمع الاحتجاجات بغية توفير الأمن الداخلي إلى جانب المشاركة في الحروب الخارجية من قبيل الحرب في سوريا.

وتشهد إيران منذ نهاية عام 2017، موجة متجددة من المظاهرات في مناطق مختلفة من البلاد، حيث يحتج ألوف المواطنين على الغلاء وسوء المعيشة والفساد والسياسات الداخلية والخارجية لحكومتهم.

ومن المتوقع أن تتجدد الاحتجاجات مع الجولة الجديدة من العقوبات في نوفمبر المقبل، التي تستهدف قطاع النفط والغاز، أي العصب الرئيس للاقتصاد الإيراني، ما يؤثر على الاقتصاد الإيراني، وبالتالي على الحياة المعيشية بشكل دراماتيكي.

المصدر: صحف وكالات

ربما يعجبك أيضا