مساومة تركية ورهان روسي يضع إدلب على المحك

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

مع دخول اتفاق إدلب حيز التنفيذ، تأتي تصريحات النظام السوري والروسي لتثير المخاوف من أن يفضي الاتفاق لاستحواذ سوري روسي على إدلب، بعد تسليم الفصائل المُسلحة لأسلحتها الثقيلة وتراجعها، في الوقت الذي تساوم فيه تركيا لتمديد نفوذها في الشمال السوري بالتوافق مع روسيا وإيران تحت ذريعة منع اجتياح إدلب، لتدخل الأزمة السورية مرحلة جديدة قد يبقى فيها كبش الاجتياح الميداني حاضرًا في ظل رفض بعض الفصائل المُسلحة تسليم أسلحتها.

اتفاق إدلب

أنهى اتفاق إدلب بين روسيا وتركيا بإنشاء منطقة منزوعة السلاح بين النظام والمعارضة السوريين حالة الترقب والقلق التي عاشها سكان إدلب (شمال غربي سوريا) خلال شهور على وقع تهديدات جيش النظام السوري والروس باجتياح المنطقة، وسط تخوفات من أن يفضي الاتفاق إلى تقدم قوات النظام السوري بعد سحب المعارضة عتادها الثقيل من مناطق التماس التي ستدخل في نطاق المنطقة منزوعة السلاح التي يفترض أن يكون بعرض يتراوح بين 15 و20 كيلومترًا ابتداءًا من منتصف الشهر الجاري.

ويتوجب على كافة الفصائل سحب سلاحها الثقيل منها في مهلة أقصاها العاشر من أكتوبر الجاري، وبناءً عليه أعلنت “الجبهة الوطنية للتحرير” وهو ائتلاف يضم عددًا من الفصائل القريبة من تركيا، أبرزها حركة أحرار الشام وحركة نور الدين الزنكي وفيلق الشام ، بدء سحب السلاح الثقيل من منطقة نزع السلاح وإرجاعه للمقرات الخلفية للفصائل في عملية قد تستمر لأيام.

وبحسب المرصد السوري، فقد باشرت الفصائل المعارضة سحب سلاحها الثقيل منذ أسبوع في جنوب وشرق محافظة إدلب، وتحديدًا قرب مطار أبو الضهور العسكري الذي تسيطر عليه قوات النظام، وفي ريف معرة النعمان، بالإضافة إلى مناطق سيطرة الفصائل في ريفي حلب الغربي وحماة الشمالي.

وتشمل عملية سحب السلاح “الدبابات وراجمات الصواريخ والمدافع الثقيلة” والتي تترافق مع تعزيز النقاط التركية  لقواتها وسلاحها واستعداداتها لأخذ دورها في التصدي لأي خرق قد يحصل من مناطق نظام الأسد.

من جهتها، لم تعلن هيئة تحرير الشام التي تسيطر على 70% من المنطقة العازلة المرتقبة، أي موقف رسمي من الاتفاق الروسي التركي بشأن إدلب، لكنها أعربت سابقًا عن رفضها “المساومة” على السلاح، خشية تقدم قوات الأسد وسيطرته على إدلب كما حدث في مناطق أخرى.

الأسدد يُعزز المخاوف

لعل ما يعزز تلك المخاوف ما قاله الرئيس السوري بشار الأسد “إن اتفاق إدلب إجراء مؤقت حققت الدولة من خلاله العديد من المكاسب الميدانية وفي مقدمتها حقن الدماء”.

جاءت تصريحات الأسد خلال اجتماعه مع اللجنة المركزية لحزب البعث، والتي أكد فيها انتصار قواته في إدلب أمام أعداء سوريا- كما وصفهم- مبديًا استعداده للدخول في معركة إعادة تأهيل بعض الشرائح التي كانت حاضنة للفوضى والإرهاب.

وفي المقابل، تبدو تصريحات المسؤولين الروس واضحة وقاطعة، بأن الاتفاق مرحلي وأن السيطرة يجب أن تؤول لنظام الأسد في وقت أقصاه نهاية 2018، كما ظهر واضحاً تناقض التفسيرات بين الطرفين، سواء في شأن مدة الاتفاق أو بخصوص دور الفصائل المسلحة المستقبلي ووضعها، كذلك في ما يخص عودة نظام الأسد الى هذه المناطق.

التصريحات السورية والروسية تُشير إلى وجود صفقة روسية تركية يتم بموجبها سيطرة النظام على إدلب مقابل مناطق تمركز للقوات التركية والإيرانية في سوريا، بغض النظر عما ستؤول إليه بنود الاتفاق بالنسبة للمعارضة.

مساومة تركية

ومع تكليف تركيا بتنفيذ الاتفاق الذي يشمل سحب الأسلحة الثقيلة، كان لابد من إلقاء نظرة على الدور التركي الذي يسعى إلى تثبيت نفوذه في الشمال السوري بغاية وقف تمدد وحدات حماية الشعب الكردي وأيضًا لكسب ورقة ضغط على أي سلطة مستقبلية في سوريا.

وبات واضحًا للفصائل السورية التي كانت تمتدح تركيا لوقت قريب، أن الأخيرة مستعدة للتعاون مع إيران لتقاسم النفوذ في سوريا، الأمر الذي يتناقض مع الشعارات التي رفعتها طيلة السنوات الأولى من الحرب.

والمراقب للشأن السوري، فإن إدلب أصبحت ضمن المناطق التي تسعى تركيا للاستحواذ عليها وبدأت العمل عليها منذ فترة، والدليل على ذلك الانشقاقات التي تتعرض لها هيئة تحرير الشام ومنها انشقاق “جيش الأحرار” وحركة “نور الدين الزنكي” وغيرها،  خشية التعرض لحرب مُدمرة من قبل الثالوث الراعي لأستانة.

وهناك قناعة سائدة بأن هذه الانشقاقات التي تعصف بهيئة تحرير الشام والتي هي عبارة عن تحالف لجماعات إسلامية تقودها جبهة فتح الشام تمت بإيعاز من تركيا لإضعاف الجبهة تمهيدًا للقضاء عليها.

ماذا يحدث في إدلب؟

وبعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ يبقى السيناريو الأقرب إلى التطبيق في إدلب هو تقسيمها لثلاث مناطق الأولى وهي المنطقة الحدودية مع تركيا ستتولى الإشراف عليها أنقرة، والثانية تلك الواقعة بمحاذاة المناطق التي يسيطر عليها النظام وسيشرف عليها الروس والإيرانيين، أما المنطقة الوسطى ستحصر جبهة فتح الشام التي ستضطر إما للاستسلام وحل نفسها وإما الحرب مع الطرفين.

وبحسب المراقبين فإن غموض البنود المتعلق باتفاق إدلب، تشير إلى وجود اعتماد روسيا وتركيا على الرهانات أكثر من اهتمامهما بتنفيذ الاتفاق نفسه الذي قد يُخسر المعارضة الكثير من نفوذها داخل إدلب، فالجانب التركي يعول على ألمانيا للضغط على روسيا للتراجع عن فكرة اجتياح إدلب مقابل إعادة تمركزه في الشمال السوري لتحجيم التمدد الكردي ومنع تدفق اللاجئين لحدودها، أما روسيا فهي تراهن على قدرة تركيا في إفراغ إدلب من الأسلحة والمُسلحين تمهيدًا لسيطرة النظام على إدلب بنهاية 2018، وفي حال فشلت الرهانات قد يحدث صدام تركي روسي ينتهي باجتياح قريب لإدلب لصالح الأسد.

ربما يعجبك أيضا