كيف تنظر برلين ودول أوروبا الى إعلان الرياض تفاصيل وفاة خاشقجي؟

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد
 
أثارت حادثة وفاة الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الكثير من الاهتمام لدى وسائل الإعلام الدولية، وربما لم تشهده قضية أخرى، وشهدت ضخ إعلامي كبير وممنهج، وتسريبات، لا يستبعد أن أطرافا دولية وأقليمية كانت وراء الضجة الإعلامية.
 
أعلنت الرياض أن خاشقجي، قُتِل في “مشاجرة” في القنصلية ورحبت به برلين وبعض الدول الأوروبية بإعلان المملكة تفاصيل وفاة خاشقجي في مبنى القنصلية، لكنها ما زالت تنتظر تفاصيل أكثر، ليكون موقفها أكثر وضوحا. وتابع وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في هذا السياق، يجب أن يكون هناك موقف موحد على الأقل بين ألمانيا وفرنسا وبريطانيا أو بين مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي.
 
ويبدو، أن التطورات الأخيرة في قضية خاشقجي تضع أيضا وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في موقف صعب، فبعد أن نجح في عودة الدفء للعلاقات الألمانية السعودية، بعد التوتر الذي شهدته هذه الأخيرة في عهد وزير الخارجية السابق زيغمار غابريل، الذي كان منحازا كثيرا إلى الاستثمارات القطرية في ألمانيا.
 
وكانت الدول الأوروبية تنتظر تفاصيل أكثر حول وفاة جمال خاشقجي قبل أن تصدر مواقف رسمية حول الحادثة. ففي 14 أكتوبر 2018 دعا وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في بيان مشترك السلطات السعودية والتركية إلى “إجراء تحقيق موثوق لمعرفة حقيقة ما حدث وتحديد المسؤولين عن اختفاء جمال خاشقجي وضمان محاسبتهم”. وكانت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيرني، شددت أن الاتحاد الأوروبي يتوقع “الشفافية والوضوح الكامل من المملكة السعودية حول ما حدث لخاشقجي”.
 
برلين والتلويح بتعليق صفقات الأسلحة إلى المملكة السعودية
 
ورغم قضية خاشقجي، فإن دول أوروبا ترغب في تعزيز الاستقرار الاقتصادي السعودية وتراهن عليها في استقرار الوضع العام في الشرق الأوسط. ولا يتوقع الخبير الألماني في قسم الشرق الأوسط بمعهد GIGA توماس غيشتر، أن تُقدم ألمانيا وأوروبا على عقوبات اقتصادية ضد المملكة السعودية في حال إثبات مسؤوليتها في قضية خاشقجي.
 
لا توجد خطط لفرض “عقوبات” على الرياض
 
وفي حديث إلى مسؤول السياسة الخارجية في حزب المستشارة ميركل، يورغن هارت يوم 14 أكتوبر 2018 يقول فيه: إنه لا توجد خطط لفرض عقوبات على الرياض، موضحا في حوار مع إذاعة دويتشلاند فونك: “علينا استغلال نفوذنا الاقتصادي حتى تبقى السعودية على مسار يضمن الاستقرار في المنطقة”.
 
وافق مجلس الأمن الاتحادي الألماني في وقت سابق من هذا العام 2018 على صفقات سلاح إلى عدة دول عربية، على رأسها السعودية والإمارات وقطر الأردن ومصر. ويأتي ذلك في وثيقة أرسلها وزير الاقتصاد بيتر ألتماير إلى اللجنة الاقتصادية في البرلمان الألماني،بوندستاغ، نشرت مقتطفات منها الشبكة الإعلامية الألمانية (RND). وحسب ذات الوثيقة فإن الرياض ستحصل على أربعة أنظمة دفاعية، وهي أنظمة يتم تثبيتها على المركبات لرصد نيران العدو مما يسمح بضربات مضادة دقيقة.
 
كما سمح مجلس الأمن الاتحادي الحكومي الذي يضم المستشارة أنغيلا ميركل وعددا من الوزراء ببيع 48 رأسا حربيا و91 أجهزة رصد دفاعية للإمارات.
 
أعربت السعودية عن استيائها إزاء وقف صادرات الأسلحة الألمانية للدول المشاركة في حرب اليمن مطلع عام 2018، واعتبر وزير خارجيتها عادل الجبير أن بإمكان الرياض إيجاد الأسلحة في مكان آخر.
 
وفازت سيمنس خلال عام 2017 بطلبية قيمتها نحو 400 مليون دولار لتسليم خمسة توربينات غاز لمحطة مزدوجة لإنتاج الكهرباء والبخار يجري تشييدها في المملكة. وبعد فترة قصيرة، حصلت دايملر على طلبية من الشركة السعودية للنقل الجماعي (سابتكو) لشراء 600 حافلة من طراز مرسيدس-بنز سيتارو.
 
يعود ملف صادرات الأسلحة الألمانية إلى السعودية ليطفو إلى السطح. ففي الفصل الأول فقط من عام 2018 بلغت قيمة صادرات الأسلحة الألمانية إلى السعودية 161 مليون يورو، وذلك رغم تعهد الائتلاف الحكومي الألماني بوقف تزويد المملكة السعودية بالأسلحة
 
النتائج
 
لم يتضح بعد موقف مدير شركة سيمنس الألمانية، جو كيزر. ولحد الآن لم يصدر من الحكومة الألمانية أي توجيه للشركات الألمانية بخصوص المشاركة في مؤتمر “دافوس في الصحراء”. مؤتمر ’دافوس في الصحراء’ الذي سينعقد في الرياض” قريبا، وهو مؤتمر استثماري كبير تحضره كبريات الشركات العالمية.
 
أن وسائل ضغط الأوروبيين على السعودية تبقى محدودة بسبب المصالح الاقتصادية، ليس فقط بالنسبة لألمانيا وحدها بل أيضا لفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية. ويكفي أن نذكر أن السعودية ثاني زبون لصناعة السلاح الفرنسية بين 2008 و2017 بمعاملات تجارية بلغت 11.1 مليار يورو. كما ترتبط شركات داسو وتاليس المختصة في الصناعة العسكرية بعقود ضخمة مع المملكة.
 
بعد إعلان المملكة تفاصيل الحادثة، كان يفترض ان يدفع وسائل الاعلام وبعض الحكومات، من غلق الملف كما كان يفترض، لكن استمرار هذه الضجة الإعلامية الممنهجة، تثير الكثير من التساؤلات حول الأطراف التي تقف خلفها ولماذا المملكة العربية السعودية.
 
الشفافية التي تتمتع بها المملكة بإعلانها عن وفاة خاشقجي وأن أخطاء قد حصلت، وأنها تجري تحقيقات، قضائية في ملف خاشقجي، بمشاركة وزارة العدل السعودية والمدعي العام السعودي وبتعاون قضائي وجنائي واستخباري مع الحكومة التركية، تعني أن المملكة عملت ما يجب أن تفعله في الكشف عن الحقيقة.
 
 
الخلاصة
 
الموقف الألماني إلى جانب دول أوروبا، من المرجح ألا يتجاوز حده الحالي بعد إعلان المملكة تفاصيل وفاة خاشقجي، وما صدرت من تصريحات ومواقف أوروبية، ممكن اعتبارها، استباقية، تحت ضغوطات سياسية أو معارضة، ومن المرجح ألا تكون أبعد من ذلك. فحتى الآن لا توجد خطط لفرض “عقوبات”. المملكة لم ترد على التقارير الإعلامية، فحتى الآن لم يصدر أي تصريح رسمي من الحكومة الألمانية حول ذلك.
 
ألمانيا ودول أوروبا، بدون شك تتابع إعلان المملكة وتقرير الفريق الفني حول قضية خاشقجي، خلالها، يفترض بدول أوروبا توضيح موقفها أكثر تجاه المملكة، خاصة أنها تراهن على دور المملكة في محاربة الإرهاب، باعتبارها إحدى الدول الفاعلة داخل التحالف الدولي. المملكة العربية السعودية، دولة مصدرة للنفط ومصادر الطاقة، التي تحتل أهمية عند دول أوروبا والغرب، وهي لا تريد أن تعرض مصالح الطاقة للخطر بسبب قضية تم الترويج لها إعلاميا أكثر من أن تكون قضية جنائية.
 
ما تحتاجه دول أوروبا والغرب أيضا، هو دور المملكة العربية السعودية الكبير في مواجهة تهديدات إيران لأمن المنطقة، وهذا الأهم ومن المستبعد أن تفرط به دول أوروبا والغرب. أما تلويح ألمانيا بتعليق صادرات الأسلحة إلى المملكة، فبإمكان الرياض إيجاد مكان آخر لتوريدها، وستكون ألمانيا هي الخاسرة.
 
يبقى الموقف الألماني “استباقي” سياسي لتخفيف الضغوط على الائتلاف الحاكم، وأن برلين تدرك جيدا أن ملف العلاقات مع الرياض لا يتحمل مزيدا من الخلافات والتعقيدات، وهي لا تريد إرجاع الأمور للوراء.
 

ربما يعجبك أيضا