في عهد ترامب.. ماذا سيبقى من إرث ريجان النووي؟

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

لم يكن انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من “معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى” مع روسيا هي الأولى، فمنذ توليه منصبه قبل أقل من عامين، انسحب “ترامب” من عدة اتفاقيات كانت قد أبرمتها أمريكا من قبل، حيث أعلن انسحابه من الاتفاق النووي المبرم مع إيران، كما أعلن انسحابه من معاهدة باريس للمناخ.

وأعلن دونالد ترامب، أن بلاده ستنسحب من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، قائلا: “إن روسيا انتهكت الاتفاق منذ سنوات عديدة، ولا أعلم لما لم تقم إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، بـ”التفاوض أو الانسحاب”، نحن لن نسمح لهم بمعارضة الاتفاق النووي والخروج وتصنيع الأسلحة بينما نحن لا يسمح لنا هذا”، مؤكدا أن روسيا لم تحترم الاتفاقية.

ووقعت معاهدة القوى النووية متوسطة المدى عام 1987، بين الرئيس الأمريكي رونالد ريجان مع رئيس الاتحاد السوفيتي ميخائيل جورباتشوف آنذاك، وتنص المعاهدة على “أنه على كل من أمريكا والاتحاد السوفييتي تفكيك الصواريخ الأرضية البالستية وصواريخ كروز، التي تتراوح مسافة إطلاقها بين 550 إلى 5500 كيلومتر تقريبا، حيث تسعى هذه المعاهدة إلى حماية الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين ورسم اتفاق بين دولتين في وسط السباق للتسليح أثناء الحرب الباردة.

وتأخذ إدارة ترمب على موسكو نشرها منظومة صاروخية من طراز “9 إم 729” التي يتجاوز مداها بحسب واشنطن 500 كيلومترا ما يشكّل انتهاكات للمعاهدة.

بدوره، قال الأدميرال المتقاعد ومحلل الشؤون العسكرية بـ”سي إن إن”، جون كيربي، إن الاتفاق “لم يصمم لحل كل المشاكل مع الاتحاد السوفيتي”، إلا أنه هدف لتوفير نوع من “الاستقرار الاستراتيجي” في القارة الأوروبية، مضيفاً: “أعتقد أن حلفاءنا في أوروبا الآن ليسوا سعداء بسماع أن الرئيس ترامب يسعى إلى الانسحاب منها”.

غضب روسي

وأغضب قرار ترامب روسيا، وعلق مصدر في الخارجية الروسية قائلا: “إن أمريكا تحلم بأن تكون هي القوة الوحيدة المهيمنة على العالم، وإن الدافع الرئيسي هو الحلم بعالم أحادي القطب، هل سيتحقّق ذلك؟ كلّا”.

وذكر المصدر، أن الولايات المتحدة توجهت منذ زمن بعيد وبصورة متعمدة، نحو خرق المعاهدة بتقويض أسسها، وأشار إلى أن إعلان الرئيس الأمريكي يصب في نهج الولايات المتحدة نحو انسحابها من الاتفاقات الدولية التي تفرض عليها التزامات متكافئة مع التزامات شركائها، الأمر الذي يضعف مفهوم “الاستثنائية” الأمريكية.

ويضيف المسؤول، إن روسيا “استنكرت مرارًا وتكرارًا مسار السياسة الأمريكية تجاه تفكيك الاتفاق النووي”.

الصقر الأمريكي وراء الانسحاب

وتقول صحيفة “الجارديان”: إن مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون أحد أكبر “صقور” البيت الأبيض، يدفع لانسحاب بلاده من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى التي أبرمت قبل 30 عاما، وهذه المبادرة على خلاف مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعدد من حلفاء الولايات المتحدة.

وأصدر بولتون، ثالث مستشار للأمن القومي في إدارة ترامب منذ أقل من عامين، توصية بالانسحاب من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى عام 1987، والتي تقول الولايات المتحدة: إن روسيا تنتهكها بتطوير صاروخ كروز جديد.

ويواجه اقتراح بولتون معارضة شديدة من وزارتي الخارجية والبنتاجون، ما أدى إلى تأجيل اجتماع في البيت الأبيض، كان مقررا، الإثنين المقبل، لمناقشة مبادرة بولتون.

وحسب “الصحيفة”، يسعى بولتون، الذي اشتهرت حياته السياسية بمعارضة معاهدات الحد من التسلح، إلى التخلي عن الدور التقليدي لمستشاري الأمن القومي الأمريكي، عبر اقتصار مهماتهم على التنسيق بين القيادة السياسية والوكالات الاستخبارية، إذ أصبح محركا بارزا للتغيير الجذري في داخل البيت الأبيض.

ويقول مسؤولون أمريكيون سابقون: إن بولتون يعوق المحادثات بشأن تمديد معاهدة بداية جديدة التي وقّعتها الولايات المتحدة مع روسيا عام 2010، للحد من الرؤوس الحربيّة النووية الاستراتيجية المنتشرة حول العالم، بالإضافة إلى الحد من أنظمة ربطها، والتي من المقرر أن تنتهي في عام 2021، بحسب “الجارديان”.

ومن المخطط، أن يزور بولتون موسكو، للقاء كبار المسؤولين الروس، بينهم وزير الخارجية سيرجي لافروف، وسكرتير مجلس الأمن نيكولاي باتروشيف، لمواصلة المحادثات التي كانت بدأت في هلسنكي بين البلدين”، بحسب التغريدة التي نشرها المستشار الأمريكي على حسابه في موقع “تويتر”.


مخاوف

ولا يعني الانسحاب من الاتفاق بالضرورة اندلاع حرب نووية بين الشرق والغرب، لكن قرار ترامب أثار مخاوف من تسارع السباق المحموم الرامي إلى تطوير وإنتاج الأسلحة النووية، لدى كلا المعسكرين، فضلا عن حلفاء واشنطن وموسكو، كما قد يكون للانسحاب من هذه المعاهدة تبعات ضخمة على السياسة الدفاعية الأمريكية في آسيا، وتحديدا تجاه الصين منافستها الإستراتيجية الرئيسية التي يخوص ترامب معها حربا تجارية.

والصين ليست طرفا في المعاهدة، وقد أنفقت أموالا كثيرة على الصواريخ التقليدية، في الوقت الذي تحظر فيه معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى حيازة الولايات المتحدة صواريخ بالستية تطلق من الأرض، أو صواريخ كروز يتراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر.

وأصدر وزراء الناتو بيانا مشتركا قالوا فيه: إن الاتفاق “حاسما للأمن الأوروبي، ونحن ما زلنا ملتزمين تماما بالمحافظة على معاهدة الحد من الأسلحة التاريخية هذه”، لكنهم حثوا روسيا على التطرق إلى قدرات صاروخها الجديد.

وقال مدير برنامج حظر الانتشار النووي في شرق آسيا بمعهد ميدلبري للدراسات الدولية في مونتيري، جيفري لويس: “هذا خطأ فادح، روسيا تنتهك المعاهدة وتلقي باللوم على ترامب”.

وانتقدت ألكسندرا بيل، وهي مسؤولة سابقة في وزارة الخارجية، ومديرة الشؤون السياسية بمركز مراقبة التسلح خطوة ترامب، قائلة: “عندما تنشأ مشاكل في الحد من التسلح، فإننا نعمل على إصلاحها، لكن ما يصدمني هو أن هذا الرئيس الذي يخبرنا باستمرار بأنه صاحب صفقات، أخفق تماماً في إنقاذ إرث ريجان النووي،  لم يفعل شيئاً في علاقته مع بوتين، كان هناك تداولات يجب القيام بها لإصلاح هذه المعاهدة ولم يكن بوسعه القيام بذلك، فقط انسحب”.

ربما يعجبك أيضا