في سجون الاحتلال إضراب من أجل الشمس والكرامة‎

محمود

كتب – محمد عبدالكريم
 
القدس المحتلة – بعد 53 يوما من إضرابه المفتوح عن الطعام، يواصل الأسير الفلسطيني “الشيخ” خضر عدنان، معركته الثالثة في الإضراب الطويل مجددا، على أمل أن ينجح كما اعتاد على مدار ست سنين مضت في كسر القيد.
 
ويضرب الأسير عدنان (40 عاما) مطالباً بالإفراج عنه وإنهاء اعتقاله التعسفي، ومنذ إضرابه المستمر، حُرم زيارة ذويه أو محاميه، وهو يمكث حالياً سجن الرملة يعاني وضعاً صحياً خطيراً بعد ظهور علامات خطيرة عليه منها تقيؤ الدم، وازرقاق واضح في عينه اليسرى، ونقص حاد في الوزن، وهزال شديد.
 
و”خضر” من سكّان بلدة عرّابة جنوب غربي جنين، شمال الضفة، وهو من أبرز قادة حركة “الجهاد الإسلامي”، ويُعد مفجّر معركة “الأمعاء الخاوية” الشهيرة، بعد أن سار على طريقته عددٌ من الأسرى والأسيرات وانتزعوا حريتهم في السنوات الأخيرة.
 
والأسير عدنان، خاض منذ عام 2012 حتى العام الحالي ثلاثة إضرابات عن الطعام. ففي عام 2012 خاض إضراباً استمر 66 يوماً رفضاً لاعتقاله الإداري، وفي عام 2015 استمر إضرابه 54 يوماً.
 
وفي داخل معتقل “هشارون” الذي أنشأته إسرائيل في سبعينيات القرن الماضي على طريق مدينة الخضيرة، وجدت 34 أسيرة فلسطينية، بينهنّ طفلتان، أنفسهن في سجن داخل آخر، لذلك، هن منذ 48 يوماً يخضن معركة من أجل الحصول على بقعة ضوء. إضراب الأسيرات عن الشمس، والخروج إلى ساحة “الفورة”، بدأ منذ اللحظة التي قررت فيها “إدارة مصلحة السجون” الإسرائيلية نقض الاتفاق الذي توصلت إليه سابقاً مع الحركة الأسيرة، والذي يقضي بعدم نصب كاميرات مراقبة داخل الأروقة وداخل الساحة الخارجية المغلقة أساساً (ذات جدران عالية ومسقوفة بالبلاستيك الشَّفاف).
 
وتُصادر حُرية الفلسطيني (قبل أن يصبح اسيراً) منذ اللحظة الأولى التي يُبلَّغ فيها أنه مطلوبٌ للتحقيق لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. قبل أن يصل إلى غرف التحقيق، تصبح حياته بمثابة نقطة سوداء يحاصرها الضوء، إلى حدٍّ يصبح فيه المرء وكأنه خرج من جسده وراح يراقب ذاته من مسافة. يحصل هذا في “أحسن” الحالات. أمّا أسوأها، فهي حين يُعتقل الفلسطيني بُعيد تنفيذه عملية طعن أو دهس أو إطلاق نار.
 
في الحالتين، سيصل المرء إلى غرف التحقيق. إلى “مسلخ نفسي” بداخله مكاتب عصرية، وفيه شاشات حواسيب وكراسي بأظهر وأرجل متحركة للمحققين، ولوح أبيض للكتابة، وحتى لوحات فنيّة لأشهر الرسامين العالميّين! ولكن قبل الوصول إلى هذه المرحلة، يكون المعتقل أو المطلوب للتحقيق قد بدأ بالتعرف إلى أنواع انتهاك الخصوصية الجسدية، والشخصية، والنفسية: مصادرة الأغراض الخاصة، مروراً بالتجريد الكليّ من الملابس، ومن ثم الطلب من المعتقل القيام بـ”طلعات ونزلات” للتأكد أنه لا يخفي غرضاً داخل دبره أو أعضائه التناسلية. ومن ثم يقاد عبر بوابات إلكترونية، وأروقة مراقبة بالكاميرات، ليصل أخيراً إلى مبنى فيه غرف للتحقيق، وهنا يقابل وجهاً لوجه جلاداً بثيابٍ مدنية.
 
يحصل هذا كلّه للأسرى من الذكور والإناث على حدٍّ سواء، ولكن، ولأسباب كثيرة، للأخيرات حصة أكبر بكثير في العذاب.
 
هذا ليس كل شيء، فالأسيرات ملزمات بالجلوس داخل الزنازين منذ الساعة الخامسة عصراً حتى الساعة العاشرة صباحاً، والغرف، “زنازين قديمة وضيقة، في كل واحدة منها ستّ أسيرات. وهي غرف مليئة بالرطوبة والعفونة، وفيها فقط شباك صغير جداً للتهوية ــ بالقرب من السقف”.
 
وأقسى أنواع التعذيب، هو أولاً التفتيش العاري، وثانياً نقل الأسرى داخل “البوسطة” إلى المحاكم، وهي رحلة تستمر لمدة ثلاثة أيام، يُنقل فيها الأسير داخل باص حديدي مقسم داخله إلى كبائن في كل واحدة ثلاثة أسرى يجلسون على مقاعد حديدية، ثم يطلب من الأسرى أن يبيتوا ليلة داخل ما يسمى (معبراً) لينقلوا أخيراً إلى المحاكمة، خلال هذه الرحلة القاسية كان السجانون في أيام الصيف يشغّلون التكييف الساخن، ونحن أساساً في بوسطة حديدية من دون تهوية، وفي أيام الشتاء يفعلون العكس.
 
وفي أحيان كثيرة كانوا يُطفئون محرك السيارة لساعات فنشعر بالاختناق بفعل انخفاض نسبة الأوكسجين. بالإضافة إلى أننا كنّا نمتنع عن الشراب والطعام كي نتجنب حاجتنا لدخول الحمام، لأنهم كانوا يرفضون السماح لنا بذلك.
 
وبرغم أنه لا يجري التحدث كثيراً عن حوادث تعرّض الأسيرات للتحرش الجنسي، سواء الجسدي أو اللفظي (خوفاً في أحيان كثيرة من العار)، تنقل أحيانا الأسيرات داخل البوسطة، مع سجناء جنائيين إسرائيليين، أحد هؤلاء خلع كل ثيابه أمامها – كان بينهما فاصل نصفه حديدي والأخر زجاجي. وتتعرض الأسيرات أحياناً لتحرّش باللمس، أو من طريق الكلام.
 
أمّا بالنسبة إلى وجبات الطعام، التي قلّلتها إدارة السجون أخيراً، فهي ببساطة لا تؤكل. وكحال الأكل غير الصالح، الذي يسبب الإسهال في أحيان كثيرة، وحالات مغص وقَيء، وترفض إدارة السجن أن تحضر لهن طبيبة نسائية، أمّا الطبيب فهو يسيء معاملتهن، ولا يرتحن أثناء خضوعهن للفحص في عيادة السجن على يده، أمّا أقسى اللحظات التي مرت داخل السجن فتلخصت بمعاناة الأمهات الأسيرات، اللواتي ينتظرن زيارة أطفالهن، ولا يستطعن حضنهن إلا لخمس دقائق، حيث تحضر السجانة الطفل لأمه وتسحبه بلمح البصر.
 

ربما يعجبك أيضا