وعد بلفور.. ظلم يأبى النسيان

محمود سعيد
رؤية  – محمود سعيد

سعيا وراء النبوءات التوراتية، قدمت بريطانيا “وعد بلفور” الذي مهد لقيام دولة الاحتلال الصهيوني.

“وعد بلفور” هو الاسم الشائع المُطلق على الرسالة التي بعثها وزير الخارجية البريطاني الأسبق آرثر جيمس بلفور، في 2 نوفمبر 1917 إلى اللورد (اليهودي) ليونيل وولتر دي روتشيلد، يشير فيها إلى أن حكومته ستبذل غاية جهدها لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
هذا الوعد المشؤوم، قبل مائة عام كان طعنة في ظهر الأمة العربية والإسلامية، طعنة دفعت ثمنها الأجيال تلو الأجيال حتى يومنا هذا، والعالم لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم إلا على استحياء!.
وحتى يومنا هذا يقارع الشعب الفلسطيني ومن خلفه أحرار العالم، ذلك الاحتلال الاستيطاني الدموي الذي يحيك المؤامرات تلو المؤامرات ليس لأرض فلسطين فقط بل لكل دول المنطقة.
الخطير، أن فكرة قيام دولة لليهود على أرض فلسطين التاريخية، عقيدة لدى قطاع واسع من البروتسانت الذين يعتقدون أن المسيح لن يعود إلى الارض إلا بوجود دولة إسرائيل، وهذا ما أدى إلى ازدهار تيار المسيحية الصهيونية في الغرب بشكل عام، حيث يعتقد الغربيون أنه بعد عودة المسيح عليه السلام فسيدخل اليهود في المسيحية.
وقد اكتسب بلفور شخصيته الدينية من والدته التي تركت فيه بصمات واضحة من خلال إيمانها بالعقيدة البروتستانتية المرتبطة أساساً بالعهد القديم والنبوءات التوراتية.
متى صدر الوعد
يقول مؤرخون: إن بريطانيا تيقنت بعد انتزاعها “بئر السبع” من الجيش العثماني، بأن احتلال أرض فلسطين، أصبح مسألة “تحصيل حاصل”، لذلك أصدرت الوعد الذي منح تلك الأرض لليهود، وهو ما يؤكد وجود مخططات بريطانية قديمة، لإقامة دولة يهودية، بهدف إبقاء المنطقة العربية ضعيفة وهشة.

عن ذلك يقول الباحث الفلسطيني خالد عوض -في كتاب أصدره، في نوفمبر/ تشرين ثاني 2017 بمناسبة مرور 100 عام على صدور وعد بلفور- “احتل البريطانيون بئر السبع والصحراء الفلسطينية، في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 1917، وفي اليوم نفسه، أبرق (الجنرال أدموند) ألنبي للقيادة العسكرية في لندن ببرقية جاء فيها: سقطت بئر السبع، ستكون القدس هديتكم في عيد الميلاد”.

ويضيف عوض -في كتابه الذي احتوى سجلا مصورا للأحداث التي وقعت في فلسطين منذ الحرب العالمية الأولى وحتى عام النكبة (1948)- “وصلت البرقية في اليوم الثاني أي في 1 نوفمبر/ تشرين ثاني 1917، وبناء عليها أخرج (وزير الخارجية) آرثر جيمس بلفور من درج مكتبه ورقة كان قد اتفق على نصها مع بعض القادة الصهيونيين قبل عدة أشهر وأصدر وعد بلفور في الثاني من هذا الشهر”.

المسيحية الصهيونية والإسلام

فيما يقول الأب ديفيد نويهاوس اليسوعي: في قلب نهاية الزمان هذا تركز الصهيونية المسيحية على الشعب اليهودي ودولة إسرائيل. تقول الصهيونية المسيحية إن الوعود المقدمة إلى الكنيسة في نهاية الزمان والمتعلقة بالاعتراف الشامل بالمسيح كإله ومخلص، يجب إن يسبقه الإيفاء بوعود العهد القديم لإسرائيل. وتتضمن هذه الوعود عودة اليهود إلى وطنهم وتأسيس دولة يهودية وبناء الهيكل الثالث. وهذا كله يدعو إلى شبوب حرب نهاية الزمان التي يجب أن تسبق عودة المسيح الثانية.
ويتابع: “يميل المسيحيون الصهاينة ليس فقط إلى معرفة تفاصيل هذه الأحداث بل إلى معرفة الجدول الزمني لقناعاتهم. تعد أحداث 1948 و1967 نقاط تحوّل مهمة حيث أن ساعة النهاية بدأت تدق منبأة باقتراب النهاية. وفي الوقت العصيب (انظر مرقس 13 وسفر الرؤيا 12-19)، الذي يسبق عودة المسيح الثانية، سوف تحارب إسرائيل معارك الله، التي ستبلغ ذروتها في معركة هرمجدون (سفر الرؤيا 19). وبعد عودة المسيح سيبدأ حكم المسيح الألفي، الذي سينتهي بالهزيمة الكبرى للشيطان وأعوانه. وسيتخلل هذا الوقت الكثير من العنف والحرب والدمار”.

وأضاف: “يلعب الإسلام والمسلمون في سيناريو الحرب هذا دور القوى الشريرة (قبل الإسلام كانت الشيوعية تلعب هذا الدور الوحشي).

ستواجه إسرائيل الإسلام وتخضعه حيث إن المسلمين لهم خياران فقط بالنسبة للمسيحيين الصهاينة: إما أن يعتنقوا المسيحية ويتقبلوا هذه الأفكار المسيحية الصهيونية (ويحاول المسيحيون الصهاينة جاهدين أن يحققوا هذه الغاية) أو أن يموتوا في الأحداث الفاجعة المصاحبة لنهاية الزمان. وفي الحقيقة، فإن المسيحيين العرب أمامهم نفس الخيارات كإخوانهم المسلمين (ويطمح المسيحيون الصهاينة بإخضاعهم هم أيضاً لقناعتهم)”.
مطالب بالاعتذار

ولطالما طالبت منظمة التحرير الفلسطينية، بريطانيا بالاعتذار عن “وعد بلفور” الذي مهد لإقامة إسرائيل على أرض فلسطين التاريخية، بدلا من الاحتفال بذكراه.

واستنكر المنظمة إعلان الحكومة البريطانية عن احتفالات تنظمها بمناسبة حلول الذكري السنوية الـ101 لصدور “وعد بلفور”، التي وافقت 2 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
أما رئيسة الوزراء البريطانية، تريزا ماي، فتجدد دائما رفضها الاعتذار عن وعد “بلفور” الذي مهد لقيام الكيان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية، مؤكدة افتخارها بما قامت به بلادها في هذا الصدد !.
وتابعت “رسالة بلفور المكونة من 67 كلمة، تعتبر واحدة من أفضل الرسائل في التاريخ”.
ويطالب الفلسطينيون رسميا وشعبيا، بريطانيا بالاعتذار عن هذا الوعد، الذي مهّد لإقامة إسرائيل على أرض فلسطين التاريخية، كما يطالبونها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.
يقول الإعلامي الفلسطيني محمد عبدالكريم: “من الواضح، وبالرغم من مرور قرن من الزمن، أن الذهنية الاستعمارية للنخبة السياسية البريطانية ما زالت متجذرة بعمق، إذ ما زال الزعماء البريطانيون المعاصرون، مثلهم في ذلك مثل أسلافهم في زمن الحرب العالمية الأولى، يشيرون إلى العرب على أنهم “المجتمعات غير اليهودية في فلسطين”.
صفقة العصر
وجدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفضه التام لما أسماه “صفقة العصر”، مشددًا على أنه إذا كان وعد بلفور قد مر، فلن تمر “صفقة العصر”.

وشدد عباس على تمسكه برفض “صفقة العصر”، قائلا: “منذ 100 عام يحاول الأعداء تطبيق وعد بلفور والآن يطبقونه عبر صفقة العصر (القرن)”. وأضاف: “إذا مر وعد بلفور فلن تمر صفقة العصر”. وتابع أن “القدس الشرقية عاصمتنا ولن نقبل بمقولة إن القدس عاصمة لدولتين”.

ورغم أن نتنياهو يقول اليوم إن علاقاتنا مع جيراننا العرب تتحسن بشكل “دراماتيكي”، ولكنه لم يتعلم من دروس التاريخ ولا يدرك ان الشعب الفلسطيني قد غقد العزم على أن ينهي “وعد بلفور” وكل ما ترتب عليه مهما طال الزمان.

ربما يعجبك أيضا