في إيران .. هل يمهد الخلاف بين رجال الدين الطريق إلى العلمانية السياسية

يوسف بنده

رؤية

يعكس الخلاف التنوع في وجهات النظر داخل النخبة الدينية الايرانية. والحقيقة انه بعد ثورة 1979 وصعود الإسلاميين للسلطة، يدافع بعض علماء الدين الشيعة الكبار بقوة عن استقلاليتهم.

وبدأ الجدل قبل اسبوعين عندما التقى آية الله العظمى موسى الشبيري الزنجاني (90 عاما) الذي يعد من المراجع الكبار بالرئيس السابق محمد خاتمي وشخصيات أخرى تنتمي الى المعسكر الاصلاحي.

واستدعى هذا اللقاء انتقادا قاسيا من آية الله يزدي، الذي يقود مؤسسة دينية محافظة في قم العاصمة الدينية لايران، وهو أيضا أحد الذين عينهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في مجلس صيانة الدستور الذي يشرف على مطابقة القوانين للشريعة الاسلامية ويمارس الرقابة على الانتخابات.

وكتب يزدي -في رسالة مفتوحة موجهة إلى آية الله الزنجاني نشرتها صحيفة “جمران” على موقعها- “بعد نشر صورك على وسائل التواصل الاجتماعي إلى جانب بعض الأشخاص الإشكاليين الذين لا يملكون احتراما لنظام الجمهورية الإسلامية والمرشد الأعلى، أشير من هنا إلى أن هذه القضية قد سببت القلق والغضب بين الأتباع وفي المعاهد الدينية”.

وكانت رسالة محمد يزدي إلى موسى شبيري زنجاني، قد نُشرت بعدما نُشرت صور لقاء جمع شبيري زنجاني، ومحمد موسوي خوئيني، وغلام حسين كرباستشي، ومحمد خاتمي، وعبدالله نوري، وعبدالمجيد معاديخاه، وعددًا آخر، وهو اللقاء الذي، بحسب التقاریر، کان قد تم في منزل عبدالله نوري.

وأضاف، “أود أن أذكرك أن موقعك والاحترام مرتبطان باحترامك للنظام الإسلامي الحاكم والقيادة والمراجع (…) وعليك اتخاذ خطوات لضمان أن أمورا كهذه لا تتكرر”.

ويعتبر آية الله محمد يزدي شخصية محافظة داعمة للرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، وخاصة خلال انتخابات 2009، التي أعقبتها احتجاجات خرج فيها أنصار المنافس الإصلاحي لهذا الأخير مير حسين موسوي تشكيكا بنزاهة العملية الانتخابية.

كذلك كان يزدي رئيسا للسلطة القضائية، وتولى رئاسة مجلس خبراء القيادة لفترة، وهي المؤسسة المعنية باختيار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية والإشراف على عمله.

ردود أفعال

واعتبر مراقبون أن انتقاد رجل دين من آيات الله بهذه الطريقة يعتبر خارج حدود السلوكيات المقبولة.

وكتب وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي عباس صالحي على تويتر “علينا أن نكون حذرين بأن لا نضعف المراجع تحت راية الحفاظ على النظام، وأن لا نفسد التراث التاريخي الشيعي”.

كما استقال احتجاجا رجل دين واحد فقط على الأقل من المؤسسة الدينية التي يرأسها يزدي، فيما قال آية الله هادوي الطهراني ان “الرسالة غير المهذبة” الموجهة إلى الزنجاني سببت “الأسى والحزن”.

وذكر النائب الإصلاحي إلياس حضرتي، في تغريدة على “تويتر”، أن رسالة يزدي “حملت مبرراً واهياً”، وأكد ضرورة الوقوف بوجه إهانة شخصيات كشبيري، معتبراً أن “مراجع التقليد في المذهب الشيعي لا تقيدهم المؤسسات السياسية والاقتصادية، ويخضعون لأمر الله وحسب، ولطالما لجأ إليهم المظلومون”.

أما نائب رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي مطهري فقال: إن “تصريحات يزدي تحمل تهديداً وتؤدي لإضعاف مكانة ودور المؤسسة الدينية والحوزة”، متسائلا عن سبب استغراب حصول لقاء بين مرجع تقليد له شأنه مع شخص كان مسؤولا في السابق، ولعب دورا في الثورة، مخاطبا يزدي بالقول: “هل تعرف شؤون المرجعية واهتماماتها أكثر من مراجع التقليد أنفسهم؟”، وأكد هو الآخر على “انفصال المؤسسة الدينية عن بقية المؤسسات، إذ لا تحكمها توجهات التيارات السياسية”، بحسب رأيه.

من جهته، أصدر مسيح بروجردي، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني، وهو أيضا أحد رجال الدين المقيمين في قم، بيانا انتقد فيه بشدة موقف يزدي، قائلا إنه كان مضطرا لإصدار هذا الموقف، لأن “العلاقة بين الطالب والأستاذ في الحوزات الدينية قد تؤدي أحيانا لتحليلات خاطئة، ولمواقف غير متزنة، قد تتسبب بمشكلات للحوزة ولرجال الدين على حد سواء”، في إشارة منه إلى المكانة الدينية لكل من يزدي وشبيري.

أما مكتب موسى شبيري زنجاني، فكان قد أعلن أنه أو مكتبه “ليس لديه أي تعليق حول هذه الرسالة”، و”الطلبة والتلاميذ هم من يقومون بالرد عليها”.

وفي الوقت نفسه، أصدرت جمعية مدرسي حوزة قم العلمية بيانًا، أعربت فيه عن أن رسالة محمد يزدي إلى شبيري زنجاني، “تمثل آية الله يزدي نفسه فقط، ولا تمثل جمعية مدرسي الحوزة العلمية”.

كما نص البيان على أن التوصيفات المستخدمة في رسالة محمد يزدي الاستعلائية “ظالمة” أكثر من أي شيء آخر.

زعيم إصلاحي

وقد كتب أمين عام حزب اعتماد ملي، الإصلاحي، مهدي كروبي، في رسالة موجهة إلى محمد يزدي، أن رسالة الأخير الموجهة إلى شبيري زنجاني، المرجع الديني الساكن في قم، “مهينة لحرمات المرجعية الدينية الشيعية”.

واللافت أن مهدي كروبي- الذي يخضع للإقامة الجبرية، منذ فبراير/ شباط عام 2011، بسبب احتجاجه على نتائج انتخابات يونيو/ حزيران عام 2009 الرئاسية- رأى أن يزدي ينصب نفسه “مراقبًا على سلوك الشعب الإيراني والحوزات الدينية”. وتابع كروبي أن الرسالة التي وجهها الشيخ محمد يزدي مؤخرًا إلى زنجاني، بحجة لقاء الأخير مع محمد خاتمي، هي جزء من مشروع “انتزاع استقلالية الحوزة العلمية، وهيمنة الرعب والخوف على العلماء”.

وكتب أمين عام حزب اعتماد ملي، الإصلاحي، في جزء من رسالته: “منذ أوائل التسعينيات تم إنشاء مراكز باسم الشعب لتنفيذ أهداف خارجة عن نطاق القانون لمراكز قوى، وكانت هذه المقرات تارة معرقلةً لأحد العلماء بحجة ما، وتارة تقوم بمهاجمة مكتب أو منزل المنتقدين والمحبين الحقيقيين للبلاد، الذين كانوا يحذرون مرارًا من النتائج المريرة لهذا اليوم.

وكتب كروبي في رسالته أن الشيخ محمد يزدي “عن قصد، أو من دون قصد، تحوّل إلى أحد أكثر الناشطين في هذا المركز” الذين يهدفون إلى “تنفيذ مشروع انتزاع استقلالية الحوزة وهيمنة  الرعب والخوف بين العلماء”، وهو المشروع الذي نفذ خلال مهاجمة منزل ومكتب يوسف صانعي وحسين علي منتظري أيضًا، وفقًا لكروبي.

اليمين المتطرف يدفع للعلمانية السياسية

وتعليقًا على رسالة يزدي، كتب مرتضی كاظميان، المحلل السياسي والخبير في الشأن الإيراني، في مقال له: انه في ظل هذه الأوضاع، قام محمد يزدي، الذي يعد من الوجوه البارزة في المعسكر اليميني المتطرف في الجمهورية الإسلامية- انطلاقًا من موقفه الشمولي- بتهديد آية الله شبيري زنجاتي، الذي يعد من الوجوه البارزة لمعسكر الفقهاء غير الحكوميين في إيران.

وابتعد يزدي عن السؤال والنقد، الذي هو حق كل مواطن، وصب جام غضبه على آية الله شبيري زنجاني، مهددًا إياه بالعقاب الصارم، لا لشيء، وإنما بسبب استقباله لأفراد مغضوب عليهم من قبل الجماعات الممسكة بزمام الحكم.

وبغض النظر عن الصدى السياسي– الاجتماعي لرسالة يزدي المتطرفة، فإن هذه الرسالة سوف تترك عواقبها الخاصة داخل الحوزات العلمية، ولعل إحدى هذه العواقب زيادة الكراهية للفقهاء الحكوميين وتضاعف الإقبال على المراجع المستقلين والمعتقدين بضرورة فصل المؤسسة الدينية عن الدولة، وهم رجال دين لديهم وجهات نظر مختلفة لا يؤمنون بالحكومة الإسلامية، ولا بالتدخل المباشر للفقهاء في إدارة المجتمع.

بعبارة أخرى، وتزامنًا مع تعزيز الحكومة لطيف من رجال دين على قدر من التمسك بالدين، هناك في المقابل طيف آخر من رجال الدين أقل تأثرًا بنهج الجمهورية الإسلامية وبتوجهاتها السلطوية.

إن الحكومة الدينية، التي تسعى في سبيل البقاء إلى الاعتماد على الفقهاء والدين، ولا تولي اهتمامًا بالحوزة العلمية التي لا تهتم بالسلطة السياسية، فإن هذه الأطياف سوف تروّج للشعائر الدينية التقليدية، وتقوم بنشر القيم والأخلاق الدينية، وستقوم أيضًا بتنقيح المصادر الفقهية وإصلاحها، وهؤلاء لا يعيرون اهتمامًا بالحكم، وحسب، وإنما يرفضون أن يكونوا ذراعًا آيديولوجيًا للنظام.

إن التقييم المذكور لا يعني أن المراجع والفقهاء الذين لا يعتقدون بنظرية ولاية الفقيه، ويرفضون الحكومة الدينية، سوف يصطفون مع الحداثة، ويفكرون في المساواة بين الناس، أو نشر قيم الديمقراطية، وتحقيق مستلزمات التنمية البشرية في إيران.

وبعيدًا عن ذلك، يمكن القول، بكل ثقة، إن رسالة يزدي المتطرفة إلى آية الله شبيري زنجاني، سوف تعزز الإقبال على ضرورة فصل المؤسسة الدينية عن الدولة، داخل الحوزة، وحتى لدى القسم المتدين في المجتمع.

ومن هذه الزاوية، فإن اليمين المتطرف الذي يسعى إلى استمرار الاستبداد الديني في إيران، يكون قد لعب دورًا دون علم منه، بشكل مباشر وغير مباشر، كقوى ائتلاف في ترويج العلمانية السياسية.

ربما يعجبك أيضا