هل تنجح طهران في بيع نفطها بعيدًا عن القبضة الأميركية؟

يوسف بنده

رؤية

سخرت طهران من عقوبات مشددة فرضتها عليها واشنطن، مشيرة إلى أنها طاولت مصرفاً إيرانياً مغلقاً وسفينة غارقة، ومعتبرة أنها أقلّ من المتوقع.

في الوقت ذاته، رأى وزير النفط الإيراني بيجن نمدار زنكنه أن الإعفاءات التي منحتها الولايات المتحدة لثماني دول مستوردة لنفط من بلاده ليست كافية لطلب السوق، مرجّحاً أياماً صعبة لمستهلكي النفط في العالم خلال الأشهر المقبلة.

وواصلت طهران تحدّيها التدابير الأميركية، على رغم أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف اعتبرها عبثية وغير قانونية. وأضاف في تسجيل مصوّر بالإنكليزية والفارسية: تعتقد الإدارة الأميركية كما يبدو بأن فرض عقوبات مشددة على إيران سيُلحق معاناة بأمّتنا، إلى حدّ يرغمها على الرضوخ لمشيئتها. تغلّبنا على أوقات صعبة في مواجهة 40 سنة من العداء الأميركي، معتمدين على مواردنا الخاصة، والآن سنسهر مع شركائنا في العالم لضمان أقلّ مقدار من المعاناة لشعبنا، نتيجة هذا العدوان الأعمى.

وقد أكد السفير الإيراني في لندن حميد بعيدي نجاد أن “وجود أخطاء في قائمة الحظر الأميركي ضد إيران، يشير إلى رغبة الأميركان بإطالة القائمة”، مشيرا إلى “وجود خطأ ثالث في هذه القائمة”.

ولفت إلى “أننا اليوم وبعد إدراج سفينة سانجي وبنك مغلق، أشارت وكالات الأنباء الدولية إلى الخطأ الأميركي الثالث في قائمة الحظر ضد إيران، الأمر الذي يشير فقط إلى الرغبة الشديدة لدى أميركا بإطالة القائم”، موضحاً أنه “اضيفت إلى قائمة الحظر الأميركي ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أسطول طائرات بوينج 747، والتي لا تحلق منذ فترة طويلة بسبب الاستهلاك”.

جدير بالذكر أن ترامب قد أعلن عن تطبيق الحزمة الجديدة من العقوبات الأميركية على طهران، والتي تستهدف تصدير النفط بالدرجة الأولى، ناهيك عن البنوك ومجالات الطاقة الأخرى.

تهديدات

قال نائب قائد الحرس الثوري الإيراني البريجادير جنرال حسين سلامي يوم الأربعاء إن إيران يمكن أن تزدهر في ظل العقوبات وستهزم الولايات المتحدة في الحرب الاقتصادية التي تشنها عليها.

كما هدد مستشار وزير الخارجية الإيراني حسين شيخ الإسلام بقوله: إما أن يصدّر الجميع نفطه عن طريق “مضيق هرمز” أو لا أحد يمكنه المرور.

ووفقًا لما ذكره المستشار الإيراني لموقع روسيا اليوم؛ فقد زعم أن المنفعة يجب أن تعود على الجميع، مضيفًا أن كل من يعيش في المنطقة يجب أن يكون قادرًا على الاستفادة من كافة الإمكانات.

وتابع حسين شيخ الإسلام قائلًا: “تلك الإمكانات يجب أن تكون متاحة للجميع بما فيها إيران، وإذا أرادوا أن يخنقونا فليس علينا أن نبقي على وجودهم”.

استمرار بيع النفط

وفي تقرير صدر حديثاً عن شركة “تانكرز تراك” التي تعنى بتتبع حركة النفط، أشار إلى أن إيران اتخذت احتياطاتها حيال العقوبات الأميركية، على ما يبدو، فسجّلت ناقلاتها النفطية في منغوليا ومولدوفيا وغيرهما.

كما لفت إلى أن نحو 6 ناقلات إيرانية ضخمة محمّلة بالنفط، متوقفة بعيدا عن الشواطئ الإيرانية، ويمكن للناقلين الاستفادة منها بدلاً من الاستيراد من المنافذ.

إلى ذلك، كشف التقرير أن السفن أو ناقلات النفط الإيرانية، اتخذت احتياطاتها قبل أشهر من موجة العقوبات الثانية، وقطعت خدمة الـ GPS لإخفاء تحركاتها.

في المقابل، أكد وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوتشين، أن “مراقبة أنشطة النظام الإيراني ستجري عبر المراقبة القوية، وهذا الضغط الذي يجري توجيهه نحو إيران سنعمل على تنفيذه دون هوادة”.

وأشار تقرير في صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، إلى أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بدأت بالتواصل مع شركات تقنية كبرى تستخدم أقمارا صناعية للاستعانة بها في رصد حركة ناقلات النفط الإيرانية وصد محاولات الأخيرة في التحايل على العقوبات.

وحسب التقرير، ترمي خطط واشنطن إلى الاستعانة بشركات متخصصة، تجري مسحا يوميا لأهم طرق الشحن النفطية في العالم، وترصد حركة شحنات النفط الإيرانية.

كما تستخدم وسائل الذكاء الاصطناعي لحساب المسافة التي قطعتها السفينة وسرعتها، لمعرفة ما إذا أوقفت بث جهازها اللاسلكي، وبالتالي لن تجدي محاولات إخفائها عبر تغيير أعلام بلد المنشأ أو إطفاء إشاراتها اللاسلكية.

إلى ذلك، ذكر خبراء متخصصون في الاقتصاد الإيراني، بحسب تحقيق نشر في صحيفة “لو موند” الفرنسية، أن الوضع اليوم في إيران مختلف عما كان عليه قبل الاتفاق النووي، حين لجأت إيران إلى بعض الأفراد والشركات الخاصة محليا ودولياً من أجل تسيير أمورها، وتهريب ما توفر من سلعها ونفطها تحت أسماء هؤلاء، فحكومة روحاني، لا تتمتع بخبرة في هذا المجال، كما أن موقف الصين ضبابي إلى حد ما.

وبحسب إس آند بي جلوبال بلاتس اناليتيكس “من المتوقع أن تخفض العقوبات الأميركية صادرات الخام الإيراني إلى 1.1 مليون برميل يوميا في نوفمبر”.

في حين كانت بيانات تجارة النفط على رفينيتيف آيكون أفادت بأن صادرات النفط الإيراني زادت بشكل حاد بعد رفع العقوبات السابقة في أوائل عام 2016. وبلغت الصادرات بما فيها المكثفات، وهي نوع خفيف جداً من الخام، نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً في منتصف 2018.

على خطى كوريا الشمالية

وقد رأى خبراء دوليّون أن بإمكان طهران أن تتحايل على العقوبات الأميركية التي تعتبر الأشد أو المؤلمة حسب وصف وزير الخاريجة الأمريكي بومبيو. العقوبات التي فرضها ترامب على النظام الإيرانيّ ربما تتفادها طهران عبر سلوك طرق مشابهة لتلك التي اتخذتها كوريا الشمالية.

يُذكر أن كوريا الشمالية سلكت البحر لتفادي القعوبات الأمريكية، وذلك من خلال تسجيلها عددا مرتفعًا من السفن بما في ذلك الأجنبية، ضمن أسطولها المحلي، على الرغم من أنها تعمل في المياه الدولية. وتم تسجيل 18 سفينة من أصل 21 تابعة لشركة الملاحة البحرية في كوريا الشمالية كسفن محلية، على الرغم من أنها جزء من المياه الدولية.

من ناحية أخرى، عول بعض المراقبين على إعفاء 8 دول من فرض عقوبات على طهران، من بين تلك الدول تركيا واليابان، إضافة إلى الموقف الروسي-الصيني-التركي الذي يمثل عائقًا حقيقيًّا لتطبيق سياسة ترامب في الشرق الأوسط.

يأتي هذا وسط الحديث عن بدء إيران فعلًا ببيع كميات كبيرة من النفط، من خلال طرق غير رسمية، على غرار سياسة كوريا الشمالية التي حاولت هي الأخرى تفادي العقوبات عبر تلك الطرق.

وقال رئيس مركز استراتيجيات الطاقة في تركيا والأبحاث السياسية، أوغوزهان أيكينر، خلال حديث مع صحيفة يني شفق، أنّه “منذ إعلان العقوبات الأميركية على طهران حتى اللحظة، كانت الأرقام الرسمية للصادرات الإيرانية ملفتة للنظر.

وتابع أيكينر، أن الصادرات الإيرانية من النفط حسب الأرقام الرسمية، بلغت 2.7 مليون برميل في اليوم منذ مطلع العام الجاري، لتهبط هذه الأرقام مع إعلان القعوبات الأميركية إلى 1.9 مليون برميل في اليوم. وهذا بالطبع يشير في المقابل إلى ارتفاع الصادرات غير الرسمية بشكل ملحوظ. حسب قوله.

وأضاف الخبير التركي بمجال الطاقة قائلًا: “في حين أن حجم الصادرات الرسمية آخذة في الانخفاض، فإن حجم التجارة غير الرسمية آخذ في الازدياد. وهذا بصالح الكثير من رجال الأعمال الذين تكونت لهم خبرة كبيرة في التحايل على العقوبات، من خلال تجاربهم السابقة ربما في كوريا الشمالية، هناك طرق عديدة”.

ربما يعجبك أيضا