رام الله.. مدينة تراثية في مهب الريح

مها عطاف

كتبت – أسماء حمدي

تحتضن فلسطين آثارا حضارية ودينية تعود لمئات السنين، فالحفاظ على التراث المعماري الفلسطيني يعد بالنسبة للفلسطينيين مسألة بقاء وصمود على أرض زعم قادة إسرائيل الأوائل أنها “أرض بلا شعب” لـ”شعب بلا أرض”، لكن ما يحدث الآن في مدينة رام الله من تجريف للمباني القديمة لصالح المباني الجديدة والحديثة ومراكز التسوق يهدد تراث المدينة، فهل تخسر المدينة أكثر مما تكسب؟

عندما تتجول في شوارع رام الله، تسمع أصوات الأذان من مساجد المدينة تغرق وسط أصوات معدات البناء، في حين تملأ سحب غبار الأساسات الجديدة سماء المدينة وتختفي خلفها المباني القديمة، حيث تشهد المدينة -التي تقع على بعد ساعة شمال القدس- طفرة إنشائية أكبر من أي مدينة أخرى في الضفة الغربية.

يلعب موقع رام الله دورًا كبيرًا في أسعار العقارات، لكن عدم إحراز تقدم في مفاوضات السلام بين إسرائيل وفلسطين عزز عمليات البناء في جميع أنحاب المدينة بحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية.

وتقول سحر قواسمي -مديرة بمشروع “ساقية” لتنمية الثقافة عبر الفن والزراعة والعلم- “مع تضاؤل آمالنا في أن تصبح القدس عاصمتنا إلى الصفر، فإن الكثير من الناس يهتمون بالاستثمار الآن في رام الله”.

قبل ربع قرن، كانت رام الله تتباهى بـ832 منزلا تاريخيا، لكن المنازل التي لا تزال باقية إلى الآن هي 380 منزلا فقط، ويقول معماريون محليون: إن بناء مجمعات سكنية جديدة ومراكز تسوق مبهجة يأتي بتكلفة هائلة، بحسب الصحيفة.

دار “آل حرب” كان آخر منزل هُدِم، حيث تم تدميره في شهر أغسطس الماضي، وسيتم استبداله قريبا بمجمع تسوق جديد يسمى “سنترو مول”، حيث ستباع فيه العلامات التجارية العالمية ويتوفر فيه مراكز الترفيه.”

ويعتقد يوسف درطة -الذي يعمل في مؤسسة للحفاظ مواقع التراث المعماري في رام الله- أن “دار حرب” كانت في السابق مرفقًا لفندق “غراند”، ويشير إلى أنها بُنيت في عام 1924، وكان يُعتبر المكان المفضل للعاهل الأردني الراحل الملك حسين عند زيارته فلسطين.

ويقول درطة: “في حالة دار حرب، كان بإمكانهم بسهولة إبقاء الواجهة ودمجها في مجمع “سنترو مول”، دون لمس أصالة المبنى”، “يمكنك الاحتفاظ بالتاريخ واستخدامه لوظيفة حديثة والغرض الذي تريده.”

قبل هدم دار حرب، قام مهندسون معماريون مثل درطة والقواسمي بالتنسيق مع نشطاء محليين للاحتجاج في الموقع، ولكنهم فشلوا في التأثير على البلدية التي أصدرت التصاريح اللازمة، هُدِم المبنى خلال الليل دون أي شهود.

بالنسبة للقواسمي، فإن هدم المباني التاريخية لإفساح المجال أمام المباني الجديدة هو أمر “مؤلم”، “يمكنك أن تسير في الشارع وتشعر وكأنك فقدت شيئا فجأة، في بعض الأحيان لا تتذكر حتى كيف يبدو المبنى، ولكن التأثير على الحالة النفسية كبير، إذا كانت المدينة ستتحدث، فإنها ستقول أنها لا تعرف نفسها، فقد أجريت لها الكثير من عمليات التجميل”.

ويقول محمد أبوحماد، المهندس المعماري في المكتب الوطني لفلسطين التابع لـ”اليونسكو”: “قصص المدينة هي قصص سكانها، القدامى والجدد، التي تستمر بسبب الأدلة المادية القائمة، بمجرد اختفائها ستتحول القصص إلى أساطير”.

يحمي القانون الحالي في فلسطين جميع المباني التي شُيدت قبل عام 1917، وبالنسبة لأي مبنى تم تشييده في وقت لاحق، سيتعين على وزير الآثار في فلسطين أن يتدخل لإنقاذه، ستحتاج مباني ما بعد عام 1917 إلى أهمية ثقافية أو اقتصادية أو طبيعية لكي يتم حمايتها.

سنترو مول الذي حل محل دار حرب، هو مشروع بقيمة 100 مليون دولار مشترك للمستثمرين العقاريين “رويال جروب” والنبالي والفارس، وتقول رنا دسوقي، المدير العام لـ”رويال جروب”، إن دار حرب شيدت بعد عام 1917، وبالتالي لم يحمها القانون الفلسطيني، وتضيف قائلة: “إذا كانت البلدية تعتقد أنها منزل مهم، لما كنا هدمناه”.

لكن العقود -التي أعقبت تلك المرحلة- أدت إلى إنتاج بعض المباني العريقة في رام الله، حيث شهد الحكم البريطاني بين عامي 1920 و1948 أول استخدام للأساسات الخرسانية والأسقف المسطحة وعوارض عالية في المدينة، وصلت الحداثة مع الفلسطينيين الذين فروا من المدن الساحلية في يافا وحيفا ومع إقامة دولة إسرائيل عام 1948، كما يصبح تراث رام الله أكثر أهمية بالنظر إلى أن السلطة الفلسطينية ليس لها رأي في التراث الثقافي الفلسطيني في القدس.

وبحسب “الجارديان”، يقول رئيس بلدية رام الله موسى حديد: إن المدينة تعمل على تفعيل نظام داخلي لحماية المباني بشكل أفضل من خلال تصنيف كل عنصر من الهياكل القديمة بدقة أكبر، ويضيف أنّه من المحتمل دائما أن يؤدي التناقض بين رغبات الملاك الذين يرغبون في البيع في نفس الوقت الذي يرغبون فيه حماية التراث إلى نشوب نزاع.

يسلط حديد الضوء على حالة واحدة دفعت فيها البلدية مليوني دولار لشراء وحماية بيت جاجب -وهو منزل يعود إلى حقبة الاحتلال البريطاني في حقبة العشرينات من القرن العشرين، كان المالك يرغب في بيعه من أجل التنمية- لكنه يقول: “إن ذلك كان استثناء، وإذا كانت البلدية ستشتري كل منزل فلن يكون بوسعنا تمويل الخدمات لجميع المواطنين في المدينة إنها ليست مسؤوليتنا الرئيسية” .

طمس الهوية

منذ اليوم الأول لاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين عام 1967، وفي محاولة لطمس الهوية الفلسطينية، بدأت إسرائيل مشروعها الاستيطاني، ورغم قبول الفلسطينيين بمبدأ حل الدولتين فإن الاستيطان يتضاعف بشكل هائل منذ توقيع اتفاق أوسلو في مطلع تسعينيات القرن الماضي.

وأفاد تقرير توثيقي، صدر عن مركز أبحاث الأراضي التابع لجمعية الدراسات العربية، أن حجم التوسع الاستيطاني تضاعف أربع مرات، منذ توقيع أوسلو، وبين التقرير أن عدد المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية والقدس المحتلتين، وقطاع غزة المحاصر، تضاعف من 144 مستوطنة قبل توقيع أوسلو إلى 515 مستوطنة وبؤرة استيطانية حتى سبتمبر 2018.

وأوضح التقرير، أن عدد المستوطنين تضاعف في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بأكثر من ثلاث مرات وارتفع من 252000 قبل أوسلو إلى حوالي 834000 مستوطن اليوم.

وذكر التقرير، أن مساحة الأراضي التي تم الاستيلاء عليها لصالح المشروع الاستيطاني، والتي كانت تبلغ مساحتها قبل أوسلو حوالي 136000 دونما أصبحت حوالي 500000 دونم أي بزيادة قدرها حوالي 368% مقارنة ما كانت عليه.

ربما يعجبك أيضا