“مصل الاعتراف”.. لغز الشراب الأمريكي المحرم في زنازين جوانتانامو

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

في عام 1961 قالت نشرة مخابراتية: “لا يوجد مثل هذا الشراب السحري كفكرة شهيرة لمصل الحقيقة“، ليكشف التاريخ أن أطباء وكالة المخابرات الأمريكية كانوا يبحثون عن “مصل الحقيقة” لاستخدامه على السجناء كجزء من الجهود السرية السابقة التي أُطلق عليها برنامج الدواء.

وعلى الرغم من أن القانون الدولي قد حظر إجراء التجارب الطبية على السجناء، وحظر استخدام “عقاقير” مسببة للهلوسة، ولكن كالعادة ضربت أمريكا بكل الأعراف والقوانين الدولية عرض الحائط.

وثيقة سرية

أظهرت وثيقة سرية أن وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه” استخدمت مع معتقلي عملية الحادي عشر من سبتمبر 2001 مصل دموي لكي يجعل المتهمين يعترفون بما فعلوه دون معاندة.

وقالت شبكة “سي إن إن” إن الوثيقة، المكونة من 90 صفحة، تكشف وجود “برنامج للعلاج” يتضمن استخدامات طبية في عمليات التحقيق بالجرائم.

وأضافت أن العقار الذي وضعته المخابرات الأمريكية قيد التجربة في التحقيقات مع معتقلي 11 سبتمبر، يسمى “فيرسد” ويوصف بأنه “مصل الحقيقة”، لكن المخابرات الأمريكية، كما يقول التقرير، طلبت من أطبائها أن يجتهدوا في توصيفات العقار ليبدو شرعيًا وقانونيًا.

وبحسب ما أوردته “سي إن إن” فإن المخابرات الأمريكية وجدت في المصل ما يستحق التجريب، لكنها اعتمدت في النهاية ألّا تطلب من المراجع القانونية في الدولة ترخيص استخدامه، وذلك اعتمادًا على مقارنات فنية مع العقاقير التي كانت تستخدمها المخابرات السوفيتية والروسية في التحقيق مع المشتبهين، ومدى تأثير هذه العقاقير على الصحة العقلية والتوازن البدني لمن يُجبرون على استخدامه.

راحة مؤقتة

يشير “جوليان بورجر“، مراسل صحيفة الجارديان في واشنطن، إلى أنه بعد اليأس في الحصول على معلومات عن هجمات مستقبلية محتملة من أحد كبار أعضاء تنظيم القاعدة “أبو زبيدة”، الذي يُعتقد أنه ساعد في التخطيط لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، عاد المحققون إلى عقود من الزمان إلى الوراء للتجارب التي أجرتها الوكالة في الخمسينيات من القرن الماضي باستخدام عقاقير تسبب الهلوسة مثل ثنائي “إيثيل أميد حمض الليسرجيك”، وإلى الاختبار الروسي لأمصال الحقيقة المزعومة في عقد الثمانينات من القرن الماضي.

وفي ذات السياق كتب “درور لادين” المحامي في مشروع الأمن الوطني للاتحاد الأمريكي للحريات المدنية: “بفضل النصر الذي حققه الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية في محكمة اتحادية، فنحن نعلم الكثير جدًا عن أطباء كانوا يعملون في المخابرات المركزية الأمريكية انتهكوا قسم الأطباء بعدم إيقاع الضرر”، فقد فزنا بالكشف عن رواية تتألف من 90 صفحة عن الدور الذي لعبه مكتب الخدمات الطبية التابع لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية في برنامج تعذيب الوكالة، وهو تاريخ سرّي كتبه مسؤول طبي رفيع في وكالة المخابرات المركزية ظلت هوّيته سرية”.

ويشير “لادين” إلى أن مدير الوكالة في عام 1977 شهد قائلا: “إن التفكير في استخدام البشر مثل الخنازير لشيء بغيض بالنسبة إلي، لكن بعد مرور عقود من الزمن، قررت الوكالة إجراء تجارب على البشر مرة أخرى، في حين أن برنامج الدواء لم يبدأ قط، فإن العاملين الطبيين ظلوا مشاركين بصورة حاسمة في التجارب على التعذيب، ومثلهم مثل محامي الحكومة الذين حاولوا إضفاء الطابع القانوني على التعذيب غير القانوني، فإن التاريخ السري يكشف عن أن أطباء وكالة المخابرات المركزية كان لا غنى عنهم للجهود المبذولة لإضفاء الشرعية على البرنامج.

وربما يكون العنصر الأكثر إثارة في الوثيقة، وفق لادين، هو غضّ أطباء وكالة المخابرات المركزية الطرف بصورة متعمّدة عن حقيقة ما كانوا يفعلونه، وقرر أطباء الوكالة أن الإيهام بالغرق “يقدم راحة مؤقتة” في الواقع للسجين لأنه كان يمثل راحة من البقاء واقفا لأيام مع حرمانه من النوم.

فيرسيد

بحسب تقرير نشرته وكالة “أسوشيتيد برس” أكدت أنه بعد أشهر من البحث، أنتجت وكالة “سي آي أيه” عقارًا يسمى “فيرسد”، وهو مسكن موصوف للحد من القلق، “ربما يستحق المحاولة لتجريبه على المشتبه بهم”، إلا أنها في النهاية، قررت ألا تطلب من المحامين الحكوميين الموافقة على استخدامه.

“فيرسيد”، هو اسم العلامة التجارية لمسكن الميدازولام، الذي يستخدم منذ أواخر السبعينيات، وهو يسبب النعاس ويخفف القلق والتوتر، كما أنه يمكن أن يضعف الذاكرة مؤقتًا، وغالبًا ما يستخدم في الجراحة البسيطة أو الإجراءات الطبية مثل تنظير القولون التي تتطلب تخديرًا ولكن ليس تخديرًا كاملًا.

كما تم الكشف عن وجود برنامج أبحاث العلاج، الذي أطلق عليه اسم “أدوية المشروع”، في تقرير سري للغاية، تم تقديمه إلى الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية بموجب أمر من قاضٍ.

وأكدت أسوشيتيد برس، أنه بين عامي 2002 و2007، شارك أطباء من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وعلماء نفسيون ومساعدون طبيون وممرضون بشكل مباشر في برنامج الاستجواب.

عمل المشتركون في المشروع على تقييم ومراقبة ورعاية 97 محتجزًا في 10 مرافق سرية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في الخارج، ورافقوا معتقلين في أكثر من 100 رحلة جوية.

وقررت “سي آي إيه” في نهاية المطاف عدم مطالبة وزارة العدل بالموافقة على الاستجوابات بمساعدة العقاقير، ما جعل أطباء وكالة المخابرات المركزية “لديهم بعض المخاوف الأخلاقية الهامة”، حسبما ذكر التقرير.

لذا لم ترغب الاستخبارات الأمريكية في إثارة قضية جدلية أخرى مع وزارة العدل خاصة، بعدما استغرق توقعيها على أساليب الاستجواب الوحشية، بما في ذلك الحرمان من النوم، والاحتجاز في الأماكن الصغيرة، وتقنية الغرق المحاكية المعروفة باسم الإيهام بالغرق، عدة أشهر للموافقة.

وفي عام 2014  أخرج مجلس الشيوخ تقريرًا حول برنامج الاستجواب الخاص بوكالة المخابرات المركزية، والذي ذكر أن سجينًا تعرض للإغراق في الماء أكثر من 80 مرة، “بكى، وتوسل، والتمس، وتقيأ، وتطلب الأمر إنعاشًا طبيًا بعد أن تم إغراقه كل تلك المرات”.

وتذكر الجادريان أنه في قضية خالد شيخ محمد، العقل المدبر لتنظيم القاعدة الذي يقف وراء هجمات الحادي عشر من سبتمبر والذي خضع للإيهام بالغرق 140 مرة، قال أحد العاملين الطبيين في وكالة المخابرات المركزية إن التعذيب، الذي يحاكي تجربة الغرق، “قدم راحة مؤقتة من الوقف مع الحرمان من النوم”.

ربما يعجبك أيضا