همز ولمز ومعايرة.. النزق الشخصي يوسع الفجوة بين ترامب وماكرون

كتبت – علياء عصام الدين
حاول الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون أن يجد هامشًا جديدًا للمناورة مع واشنطن بعد انسداد آفاق اللعبة الدبلوماسية أمامه بتصريحاته عن الجيش الأوروبي التي بدورها أثارت حفيظة دونالد ترامب.
همز ولمز ومعايرة
عمقت سلسلة من التغريدات والتصريحات الاستفزازية المتبادلة الأزمة بين الرئيسين الأمريكي والفرنسي، وعلى الرغم من الجهود التي بذلها “ماكرون” للاقتراب وسد الهوة الكبيرة بينه وبين ترامب باءت محاولاته بالفشل.
حاول ماكرون إيجاد فرصة للتقارب ولملمة الموقف المحرج الذي وضع فيه ترامب عشية الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى، عندما صرح بضرورة تشكيل جيش أوروبي لحماية القارة من الصين وروسيا وحتى الولايات المتحدة!
وضع ماكرون دون مواربة “ترامب” على قائمة الخصوم والأعداء أمام الجميع، الأمر الذي اعتبره الأخير مهينًا جدًا، بغض النظر عن التمتمات حول إمكانية التنفيذ من عدمه.
لم ينتظر ترامب حتى يصل الولايات المتحدة حتى صب جام غضبه في سلسلة من التغريدات على موقع التدوينات المصغر “تويتر”، مضيفًا إلى الحسابات الداخلية والخارجية والاختلافات القائمة أساسًا بين البلدين تعقيدات أخرى -دخلت في إطار الموقف الشخصي- التي من شأنها أن تجعل محاولة ترميم العلاقات في الوقت الراهن أمر بعيد المنال.

 

 لم تصمد محاولات “ماكرون” للتهدئة خلال لقائه الثنائي في الإليزيه مع ترامب، أمام اختلاف جذرية بين سياسات الدولتين والتناقض في إدارة الملفات، والاستياء الفرنسي من انسحاب الجانب الأمريكي من الاتفاقيات الدولية، فضلًا عن النظرة لأمن أوروبا والحروب التجارية وغيرها، ليضاف إليها ضيق شخصي قائم على اعتبار انعدام الاحترام المتبادل بين الجانبين.
استهدف ترامب في سلسلة من التغريدات شخصية ماكرون لافتًا إلى شعبيته المنخفضة وملوحًا بإمكانية فرض رسوم على النبيذ الفرنسي المستورد.
وندد ترامب بفكرة الجيش الأوروبي، مستهزءًا بتاريخ فرنسا ومعايرًا إياها بالمساعدات الأمريكية التي قدمتها لها أمريكا لحمايتها من الاحتلال النازي، الذي لولاه حسب ترامب لكانت فرنسا بدأت في تعلم اللغة الألمانية.
من جانبه رد ماكرون على سلسلة التغريدات الترامبية بأن التعامل بين البلدين الحليفين يجب أن يقوم على الاحترام المتبادل، لافتًا إلى الدور الفرنسي في حرب الاستقلال الأمريكية ودعم أمريكا لفرنسا في الحربيين العالميتين، بيد أن الرئيس الفرنسي الشاب لايفوت مناسبة دون التأكيد على موقع فرنسا كبلد حليف وليس تابع لأمريكا.
وغمز ماكرون أيضا معتبرًا تصريحات ترامب مجرد لعبة سياسية تستهدف الداخل الأمريكي مشيرًا أنه سيتركه يعبث.
غمز ولمز ومعايرة تبادلاها الرئيسيان وسط علاقات متوترة في الأساس لا تتحمل مثل هذه المناكفات .

 

طموح ماكروني واستهزاء ترامبي
يتخوف صانعو القرار من أن تفوت أوروبا فرصتها التاريخية للاستقلال والانفلات من قبضة واشنطن عبر فكرة خلاقة باستحداث “جيش أوروبي”، لكن حظوظ النجاح تبقى ضعيفة استنادًا للفجوة الكبيرة بين أفكار ماكرون الطموحة وواقع أوروبا المرير.
ويتجاوز الجدل الذي أثارته فكرة الجيش الأوروبي اللعبة السياسية والمناورة، فتصريحات ماكرون حول الجيش الأوروبي لم تكن مجرد عرض تقليدي أو فكرة عابرة، بل كانت تكتيكًا مقصودًا للمناورة أمام واشنطن بعد أنسداد أفق اللعبة الدبلوماسية معها، ومحاولة لاسترجاع قوة الاتحاد الأوروبي المفكك، فضلًا عن رغبة في تحسين شعبية ماكرون الآخذة في التراجع بالداخل الفرنسي لاسيما مع اقتراب التحضير للانتخابات في مايو 2019.
ومن خلال اللجوء إلى التذكير بالريادة الفرنسية في أوروبا حاول ماكرون أن يضرب كل العصافير بحجر واحد وهو فكرة الجيش الأوروبي.
ولم تكن العلاقات المضطربة بين الجانبين الفرنسي والأمريكي المتمثلة في شخصية ماكرون وترامب وليدة الساعة، بل كان بمثابة كرة الثلج المتدحرجة والتي تضخمت على مدار عام ونصف من العلاقات المتوترة.

ولم تفلح اللطافة الفرنسية التي انتهجها ماكرون في البدايات في استقطاب ترامب فكانت النتائج مخيبة للآمال بالنسبة لماكرون.
 

وكان انسحاب الإدارة الأمريكية من اتفاقية باريس للمناخ القشة التي كسرت ظهر البعير وعمق الانسحاب من الاتفاق النووي الخلاف بين واشنطن وأوربا بأسرها إذ اعتبره مراقبون قلة احترام من الرئيس الأمريكي للقادة الأوروبيين.
ويبدو أن خطاب ماكرون حول خوفه من عودة شياطين الماضي التي دمرت أوروبا ودعوته بضرورة استحداث الجيش الأوروبي فسرها ترامب بأنها مقصودة لنقد القومية والشعبوية ومحاولة الفكاك من المظلة الأمريكية للأمن الأوروبي.
ويثق ترامب ببقاء بريطانيا إلى جانبه فلا يتوانى عن السخرية من فرنسا فضلًا أن صعود اليمين المتطرف في أوروبا من إيطاليا إلى النمسا مرورًا بالمجر وبولندا وغيرها يجعله أكثر ثقة بخطواته وتصريحاته.
في المقابل منح تأييد رئيس الاتحاد دونالد تاسك لفكرة الجيش الأوروبي ماكرون بعضًا من المواساة، فضلًا أن حديث ميركل الغامض أمام االبرلمان الأوروبي حول مجلس أمن أوروبي أو ما يشبه الجيش الأوروبي لم يأت مصادفة .
وعلى الرغم من الجدل الدائر بين الجانبين الأوروبي والأمريكي، لايبدو أن التراشق بالتغريدات والتصريحات والمواقف سيغير من قواعد اللعبة كثيرًا، فأوروبا لاتبدو موجودة على خريطة التوازانات الأساسية بين العمالقة الثلاثة واشنطن وموسكو وبكين.

وبين طموحات أوروبا المتمثلة في حلم ماكرون بالجيش الأوروبي آلاف الأميال التي تصطدم بحائط واقع أوروبا، الذي تتبخر على اعتابه كل إمكانيات النجاح.
 

ربما يعجبك أيضا