نحو التنمية (1).. كيف نهض اقتصاد ألمانيا بعد السقوط الكبير؟

هيثم البشلاوي

كتب – هيثم البشلاوي

بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وخسارة مركزها السياسي في أوروبا، نجحت سريعًا في التعافي، وقادها هتلر نحو الظهور مجددًا، وذلك من خلال طموحاته في غزو البلاد المجاورة لبلده، لكن هذه الطموحات سرعان ما تلقت ضربة قاضية في الــ30 من أبريل 1945… انتحر “أدولف هتلر”، وترك خلفه ميراثًا من الانهيار الاقتصادي والعسكري، وأصبحت ألمانيا مجرد حُطام، وسيطر اليأس على الشعب.

“ازرع الأمل قبل القمح” من هُنا كانت عقيدة الدولة “المُستحيل ليسَ ألمانيًّا”.

من هذه النقطة أصبح أمر نهضة ألمانيا ليس هدفًا في ذاته لتحقيق التقدم، بقدر ما كان ردًّا للكرامة والاعتبار، وهو ما بدأ على يد “لودفيج ارهارد”، الملقب بـ”أبو المعجزة الاقتصادية الألمانية”، الذي شعر منذ عام 1944 بأن الهزيمة تنتظر ألمانيا، فكتب مذكرة بعنوان “تمويل ديون الحرب وإعادة هيكلتها”، وكانت رؤيته تدور حول كيفية التخطيط لإعادة بناء الاقتصاد على أساس منهج “الاقتصاد الاجتماعي”، الذي يقوم على حرية السوق، مع الاهتمام بالتوازن الاجتماعي.

 وبعد تحقق نبوءة “إرهارد”، وسقوط ألمانيا، تم استدعاؤه ليطبق مشروعه كوزير اقتصاد لمقاطعة”بافاريا”، ليصبح بعد تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية في 1949 وزير اقتصاد لأول حكومة بعد الهزيمة.

نهض الاقتصاد الألماني، وأعادت ألمانيا بناء صناعتها ببطء، وتم التركيز في إعادة البناء على إحياء الصناعات الثقيلة كمجال يناسب خبرات العاملين في مجال التصنيع الحربي وقت الحرب. ثم بدأت الدولة في إنتاج سلع للاستهلاك المحلي، ثم الانطلاق للسوق الأوروبية. لكن سرعان ما وجدت ألمانيا نفسها من دون عمالة كافية لتلبية الطلب المتزايد على السلع، وللتغلب على ذلك قامت ألمانيا بتوظيف من يسمون “العمال الضيوف” من الخارج.

واستمر الاقتصاد الألماني في النمو حتى أصبح رابع اقتصاد عالمي، بعد الولايات المتحدة والصين واليابان، بناتج محلي بلغ 3,518 تريليون دولار. لتصبح بذلك واحدة من أكبر دول الصناعةً الثقيلة في العالم ورائدة إنتاج الطاقة النظيفة (الطاقة الشمسية).

وبمنطق الضرورة أدركت ألمانيا، أن خطتها للنمو الاقتصادي بحاجة إلى تطوير وتعديل مخرجات منظومة التعليم والبحث العلمي، فأنشأت 383 مؤسسة للتعليم العالي منها 103 جامعات و176 معهدًا تخصصيًّا عاليًا، لتحتل بذلك المرتبة الأولى في أوروبا من حيث عدد براءات الاختراع، والثالثة بعد اليابان والولايات المتحدة.

ومع تزايد معدلات التنمية والبحث العلمي، أدركت ألمانيا أن مركزها الاقتصادي والعلمي يسمح لها بالعودة سياسيًّا وعسكريًّا، فقامت بتطوير جيشها وعملت على زيادة مشاركاته خارج الأراضي الألمانية في إطار حلف “الناتو” ومهام الأمم المتحدة لحفظ السلام.

وتحركت ألمانيا للعودة للتصنيع العسكري، حتى أصبحت ثالث أكبر دولة مصدرة للسلاح في العالم مباشرة بعد الولايات المتحدة وروسيا. بكل ذلك تزايد شعور ألمانيا بنفسها وقدراتها، حتى حانت الفرصة الفاصلة لتعارض أمريكا ولأول مرة منذ الحرب، فكان رفضها القاطع للحرب الأمريكية على العراق في عام 2003، بل ووقوفها موقفًا معارضًا ومعرقلًا للحرب، حتى أفشلت محاولات واشنطن في الحصول على قرار من الأمم المتحدة لتبرير الحرب، وكان هذا بمثابة “إعلان الاستقلال الحقيقي” عن هيمنة السياسة الأمريكية على برلين.

ربما يعجبك أيضا