ثورة “الكرواسون” ..هل يمكن الفكاك من الرأسمالية المتوحشة؟

كتبت – علياء عصام الدين
 
يعاني العالم من أزمة كبيرة تتمثل في تزايد مستويات الفقر وتضخم الأسعار الذي لا يتماشى بطبيعة الحال مع الأجور المنخفضة، واتساع الفجوات الاجتماعية بسبب سياسات التقشف وتفشي المضاربات المالية على أيدي مراكز القوى الرأسمالية الكبرى.
 
وتعبر المرحلة التي نحياها عن انهيار وشيك لما سُمّي “بالرأسمالية المنضبطة” وظهور ما يمكن تسميته بـ”الأصولية الرأسمالية” المتطرفة في الدول المتطورة.
 
دفعت هذه الحالة “الحرجة” الفرنسيين إلى الشوارع للتظاهر والاحتجاج، وطالت احتجاجاتهم مدنًا عديدة، ووصلت إلى قلب المدينة ورموزها برج إيفل وشارع الشانزليزيه.
 
دقت الحركة -التي عرفت بـ” السترات الصفراء”- ناقوس الخطر ضد السياسات الفرنسية على المستوى الاقتصادي، فلن يكون هناك مكان أنسب من “مدينة النور” لتكون مهد الشرارة الأولى للانتفاضة في وجه الرأسمالية.
 
الرأسمالية التي باتت مخالبها تنهش جسد الفقراء، خرجت “البروليتاريا” إلى شارع الشانزليزيه لتحول مدينة الحب والرومانسية إلى مدينة “للمقاومة” من جديد، هكذا يرى البعض في قصة قد تكون أقرب للخيال العلمي .
 
ففرنسا التي شهد تاريخها نضال الطبقة العمالية والثورات منذ القرن التاسع عشر، تعود لتكون شرارة البدء لانتفاضة جديدة قابلة للاتساع أكثر لتشمل دولًا أوربية أخرى.
 
ويبدو أن “ثورة الكرواسون” كما وصفها البعض من باب السخرية -وهو وصف جائر بالنسبة للشعب الفرنسي وتاريخ فرنسا العريق مع الثورات- لا تشكل تهديدًا حقيقيًّا، فمشكلة هذه التظاهرات تتمثل في أنها تحوي بذور تآكلها بداخلها، فهي تقف أمام نفسها، فالمتظاهرون الذين نزلوا للطرقات وأثاروا الشغب وأحرقوا السيارات وجدوا أنفسهم في مواجهة مباشرة مع أفراد من الطبقة التي يدافعون عن مطالبها!
 
ويُعدّ اختراق صفوف الحركة لتشمل مطالب شعبوية وعنصرية واختراقها من قبل اليمين المتطرف أيضًا، أحد المخاطر التي من شأنها أن تقضي على الحركة نهائيًّا.
 
وبين النظرة شديدة التفاؤل -التي ترى في حركة “السترات الصفراء” ثورة جديدة ضد الرأسمالية- والنظرة الأشد سوداوية -التي ترى فيها مجرد صيحة غضب أو “هبة” مؤقتة ستتلاشى مع الوقت ويطويها النسيان- يبقى الرهان على تصرف الحكومة الفرنسية واحتوائها للموقف، وترجمة مطالب الحركة في شكل برامج يمكن التعبير عنها في الواقع والحوار الجاد الملموس، وإيجاد آليات للتعامل مع الأزمة، والتي لا يمكن أن تغيب عن دولة ديمقراطية لن تترك الفرصة للارتجالات العشوائية والتدخلات الخارجة عن إرادتها.
 

 إن ما قامت به الرأسمالية من تجريد للإنسان من إنسانيته لصالح مرضى يتغذون على لحوم الموتى، ويتربصون حتى بالأشلاء، ليس بالأمر الذي يمكن نكرانه، بيد أن فظاعة النظام الاقتصادي العالمي وبشاعته لم ولن تكون كافية لإفراز حركات قادرة على الانسلاخ من قبضة النظام الحديدي، الذي أضحى “قدرًا” لا مناص منه ولا فكاك.

ربما يعجبك أيضا