في 2019.. هل تبتلع الثقوب السوداء الاقتصاد العالمي؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

في ظل استمرار التوظيف السياسي للدولار وحروب العقوبات الاقتصادية والرسوم الجمركية المستعرة، يصعب على العالم التفاؤل حيال ما هو قادم في 2019 على الصعيد الاقتصادي.. فأجواء عدم اليقين بشأن السياسة التجارية وتحديدًا النزعة الحمائية المتشددة التي يتزعهما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تضغط بقوة على حركة النشاط الاقتصادي، فضلا عن تضخم مستويات الدين العالمي وسط شراهة الاقتراض سواء على مستوى الحكومات أو الأفراد والشركات، ما جعل عدة منظمات دولية تخفض توقعاتها للنمو العالمي في 2019 وتحذر من ضبابية المشهد التي قد تتفاقم إلى حد الأزمة المكتملة بحلول 2020.

كبير الاستراتيجيين لدى بنك “جي بي مورغان”، ماركو كولانوفيتش، توقع أن تتمتع الأسواق العالمية خلال النصف الأول من 2019 بالاستقرار النسبي، لكنه رجّح مع دخول النصف الثاني حدوث تقلبات حادة، تحديدًا بالأسواق المالية قد تصل إلى تراجعات بنسبة 40% أو أكثر، مشيرًا إلى أن المركزي الأمريكي سوف يحتاج لاتخاذ تدابير عاجلة لمنع حدوث دوامة تؤدي إلى كساد ضخم بالعام الجديد.

ويتوقع المصرف الأمريكي بشكل عام، أن تحدث الأزمة العالمية المقبلة بحلول 2020، لكن الخبر الإيجابي أن الأزمة المقبلة ستكون أقل حدة من سابقتها، أما الأمر السلبي فهو أن العالم لم يتجاوز بعد أثار أزمة 2008 وتبعات التراجع الكبير في سيولة الأسواق.

وأضاف، لذا نتوقع أن تؤدي أزمة 2019 المالية إلى اضطرابات في السيولة وانخفاض في الأصول بسبب التدفقات الضئيلة، لكنها لن تتفاقم في المستقبل القريب إلا في حال استمرار الحرب التجارية بين أمريكا والصين، وحدوث انهيار مفاجئ لمؤشرات الأسهم، فخلال عامين انخفضت أسعار الأسهم الصينية بنسبة 49٪، وفي حال استمر هذا النمط ، فإن التحطم أمر لا مفر منه، فضلًا عن توقعات بتراجع ضخم للأسهم الأمريكية خلال العام الجديد.

وفقًا لـCNN Money، فإن المصادر الرئيسية للأزمة المالية في 2019 ستكون مرتبطة بشكل كبير باقتصاد الصين والخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي والهجمات الإلكترونية على حسابات الشركات المالية.

وبحسب مقال للخبير الاقتصادي بيل كونرلي نشرته “فوربس” أكتوبر الماضي، الركود الاقتصادي هو الخطر الداهم في 2019، لعدة أسباب أهمها توقعات باستمرار سياسة رفع أسعار الفائدة الأمريكية، وانهيار التجارة الدولية بسبب الحروب التجارية، ويضيف في حال استمرت الحرب مع الصين وتراجعت الواردات الأمريكية من بكين سيؤدي ذلك إلى رفع التضخم، وسيكون بمثابة ضربة قاسمة للشركات الأمريكية المثقلة بالديون.
 
ويجمع الخبراء على أن الهدنة الأمريكية الصينية لا تعني حلول السلام التجاري بين البلدين، فأمريكا -ترامب- تريد تغيرات هيكلية على علاقاتها التجارية مع بكين، والأخيرة لن ترضى بالرضوخ بسهولة، لا سيما وأنها تحتفظ بأوراق عدة لم تستخدمها بعد وتجعل دفة الصراع في يدها بامتياز لعل أهمها سيطرتها على 1.17 تريليون دولار من ديون الحكومة الأمريكية.

أبرز مؤشرات الأزمة:

– الحروب التجارية بين الصين وأمريكا.

– انخفاض معدلات التجارة الدولية، إذ تراجع نموها خلال 2018 إلى 3.9% من 4.4%.

– تضخم حجم الدين العالمي إلى أكثر من 250 تريليون دولار.

– خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

– تباطؤ النمو العالمي إلى 3.5 خلال 2019 و2020، وتباطؤ النمو في أمريكا -أكبر اقتصاد بالعالم- إلى 2.5 خلال العام المقبل، فيما يرجح أن تسجل الصين -ثاني أكبر اقتصاد بالعالم- 6.2% هبوطا من 6.6%، على أن تسجل أدنى مستوى للنمو في 30 عامًا عام 2020 عند 6%، فيما يتوقع أن يتراجع نمو منطقة اليورو إلى 1.9% هبوطًا من 2.1% في 2018.

– ارتفاع ديون الشركات، ففي أمريكا قفز عبء ديون الشركات إلى أكثر من 90% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما وصلت هذه النسبة في الصين إلى 150%، بحسب أحدث تقارير معهد التمويل الدولي.

– نزوح رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة.

– قوة الدولار الأمريكي الذي ارتفع بـ4.5% منذ يناير 2018.

ظلال الأزمة

منذ أزمة 2008 توسعت غالبية الحكومات في الاقتراض، فإجمالي الديون الفيدرالية بأمريكا الآن يتجاوز الـ100% من الناتج المحلي الإجمالي، ناهيك عن المخاطر التي تحيط بمعظم بلدان العالم نتيجة ارتفاع أسعار الدولار ما يعني أن ديونها المقومة بالدولار الأمريكي في مقابل العملات المحلية للمقترضين، أصبحت أكثر تكلفة، لا سيما مع الانخفاض الحاد الذي ضرب العديد من عملات أسواق مثل مثل تركيا والأرجنتين وزامبيا وفنزويلا في 2018.

هناك سبب للاعتقاد بأن بعض أسباب انهيار 2008 لا تزال دون معالجة، يقول دييجو زولواغا -محلل السياسات في مركز Cato Institute للبدائل النقدية والمالية في تقرير نشرته “فوكس” أخيرا- بعد عقد على الأزمة العالمية، لا زالت تسيطر شركات مثل Fannie و Freddie على 97% من عقود الرهن العقاري، وهي الأدوات التي تسبب سوء إدارتها في أزمة 2008، حتى وإن كانت هذه الشركات تابعة للحكومة بشكل أو بآخر، فإن هذا لا يعني أن فتيل الأزمة قد نزع للأبد.

ويضيف، الأمر الإيجابي أن البنوك اليوم في وضع أفضل لتحمل الصدمات أكثر مما كانت عليه في 2008، ويبلغ متوسط ​​رأس المال المصرفي كنسبة من الأصول -وهو مقياس رئيسي للمرونة- حوالي 10%، مقارنة بـ3% عند الإعلان عن إفلاس “ليمان براذرز”، كما يوجد وعي أكبر لدى صناع السياسات حيال عدم موثوقية نماذج تقييم سلامة البنوك، ومع ذلك المركزي الأمريكي لديه الآن 14 إجراءً فقط لتقييم صحة البنوك، وبالتالي فإن الإشراف لا يكاد يكون أكثر شفافية مما كان عليه قبل 10 سنوات.

ويرى الخبير الاقتصادي بيل إيمونز -نائب الرئيس المساعد للمركزي الأمريكي- أن الحواجز ليست في مكانها لمنع حدوث أزمة جديدة سواء في قطاع الإسكان أو الأسواق المالية، لكن أزمة بذات القوة التي شهدناها في 2008 غير واردة على المدى القريب، ويقول: لقد حققنا تقدمًا كبيرًا في بناء نظام مالي أكثر أمنًا وأكثر مرونة منذ الأزمة، بامتلاكه لأدوات جديدة قادرة على اكتشاف المشاكل المستقبلية ومنعها، ما يجعل أي أزمة مقبلة أقل احتمالًا وأخفّ تأثيرًا.

يجمع الخبراء، اليوم، على أن النظام المالي في مكان أفضل بكثير مما كان عليه قبل 10 سنوات، وأن الأزمة التالية تبدو بعيدة المنال، لكنهم يؤكدون على ضرورة الحذر في ظل عدم التعافي التام من آُثار كابوس الـ2008، فالمشاكل لا زالت  تختمر في عالم الائتمان والشركات المالية، وهناك ترجيحات بأن نشهد ركودا سببه الرئيس الشركات العملاقة المثقلة بالديون، والتي في حال سقوطها في بئر الإفلاس ستؤثر بالطبع على النظام المالي العالمي، ما يعني أننا في حاجة مع حلول 2019 إلى خطوات تحفيزية وحلول عاجلة لمشكلة الديون.

ربما يعجبك أيضا