نقل السفارات الأجنبية إلى القدس.. نكبة جديدة في تاريخ فلسطين

أشرف شعبان

رؤية – أشرف شعبان

يعتبر نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة في الرابع عشر من مايو/ أيار لعام 2018 الحدث الأبرز في إسرائيل، لكنه لم يكن الأول ولا الأخير، بل أعقبه نقل سفارات أخرى إلى المدينة المحتلة، في ظل رفض فلسطيني وعربي ودولي لهذه الخطوة، التي اعتبرها الفلسطينيون “نكبة جديدة”.

وكان ترامب قد اعترف، في ديسمبر لعام 2017، بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، وهو قرار أثار غضباً عربياً وإسلامياً على الصعيدين الرسمي والشعبي. بينما قتل 43 فلسطينيًا على الأقل في مواجهات عنيفة اندلعت على الحدود عند قطاع غزة المحاصر احتجاجا على هذه الخطوة.

وجاء قرار ترامب تنفيذا لقانون صدر عام 1995 يقضي بأن تنقل الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس لكن الرؤساء بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما دأبوا على توقيع مراسيم لتأجيل التنفيذ.

اللافت أن نقل السفارة الأمريكية تزامن مع الذكرى السبعين للنكبة (قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي) وتهجير أكثر من 760 ألف فلسطيني في حرب 1948.

حي أرنونا بالقدس أصبح مقرا مؤقتا لمبنى القنصلية الأمريكية، يعمل فيه السفير وعدد صغير من العاملين وذلك لحين العثور على موقع أكبر مساحة.

وقال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في كلمة مسجلة من البيت الأبيض، بُثَّت بحفل نقل السفارة: إن بلاده ستظل “صديقاً عظيماً لإسرائيل، وشريكاً لها في السلام والحرية”.

وجرى الحفل بمقاطعة 54 سفيراً أجنبياً لدى “إسرائيل”، من أصل 86 سفيراً، وذلك في تحرُّك اعتبره مراقبون يشير إلى الخروج الأمريكي عن الإجماع العالمي.

وأضاف ترامب: “اليوم نفتتح مقر السفارة، ولقد انتظرنا ذلك طويلاً”، ولفت إلى أن “إسرائيل دولة ذات سيادة لتحديد عاصمتها، والحقيقة أن عاصمتها هي القدس، ونحن اعترفنا بذلك من وقت طويل وفشلنا في فتح سفارتنا، وفتحنا سفارتنا بخطوة تاريخية”.

وأعلن السفير الأمريكي لدى “إسرائيل”، ديفيد فريدمان، رسمياً، افتتاح سفارة بلاده في القدس.

حفل التدشين الذي أثار غضب الفلسطينيين، استبقه مئات المستوطنين باقتحام باحات المسجد الأقصى وأداء صلوات تلمودية بها، كما تجمَّع آخرون أمام باب العامود، أحد مداخل البلدة القديمة؛ احتفالاً بالخطوة الأمريكية.

غواتيمالا

بعد يومين من افتتاح السفارة الأمريكية في المدينة، افتتحت غواتيمالا سفارتها في القدس المحتلة، 16 مايو/أيار، حسبما ذكرت القناة الثانية بالتلفزيون الإسرائيلي.

ووفقا لرويترز، حضر رئيس غواتيمالا جيمي موراليس ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، افتتاح السفارة في مجمع إداري بالقدس الغربية.

وفي 24 ديسمبر 2017، أعلن موراليس أن بلاده ستنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، لتصبح بذلك أول دولة في العالم تحذو حذو الولايات المتحدة في قرارها نقل سفارتها إلى المدينة المقدسة.

وأفادت وسائل إعلام عبرية بأن سفارة غواتيمالا انتقلت إلى مقرها الجديد في مجمع الحديقة التكنولوجية في حي المالحة في القدس المحتلة.

وذكرت صحيفة “هآرتس” العبرية، أن مراسم التدشين ستتم بحضور رئيس غواتيمالا جيمي موراليس.

باراغواي

كما افتتحت باراغواي، سفارة لها في مدينة القدس لتصبح الدولة الثالثة التي تفتتح ممثلية لها في المدينة المحتلة، بعد الولايات المتحدة وغواتيمالا.

وشارك رئيس باراغواي، هوراسيو كارتيس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في حفل الافتتاح، وتعانقا خلال المراسم، وأزاحا الستار عن لافتة السفارة.

بدورها أدانت وزارة الخارجية الفلسطينية خطوة باراغواي، واعتبرتها “انتهاكاً للقانون الدولي”.

وأدانت حنان عشراوي، عضوة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في بيان، افتتاح باراغواي سفارتها في القدس، قائلة: “إن اتخاذ هذا الاجراء غير المسؤول يعد انتهاكاً صارخاً ومتعمداً للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية”.

ودعت عشراوي رئيس باراغواي إلى التراجع عن هذا القرار، مطالبة الدول الأعضاء بالجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز ودول العالم، لقطع علاقاتها مع الدول التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي.

دول رفضت نقل سفارتها

في المقابل هناك العديد من الدول التي رفضت نقلت سفارتها إلى القدس المحتلة معتبرة أن هذه الخطوة غير قانونية، حيث طالب الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس في 27 ابريل/نيسان 2018 رئيسة الوزراء فيوريكا دانشيلا التي وافقت على نقل محتمل للسفارة الرومانية من تل أبيب إلى القدس، بالاستقالة ولو تم نقل السفارة الرومانية، ستكون رومانيا أول عضو في الاتحاد الأوروبي يقوم بذلك.

واعتبر يوهانيس أن نقل السفارة إلى القدس مخالف للقانون الدولي وعبر عن معارضته لمسعى الحكومة، مؤكدا أنه لم يتم إبلاغه مسبقا بهذا القرار.

في حين قال الرئيس التشيكي ميلوش زيمان إن الحكومة لم تعلن سوى إعادة فتح قنصليتها الفخرية وتأسيسها مركزا ثقافيًا تشيكيًا فقط.

من جهة أخرى ذكرت وسائل الإعلام الفلسطينية أن رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي أكد للرئيس الفلسطيني محمود عباس أن بلاده لن تنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس.

وسادت حالة من الجدال في رومانيا، حيث صرح رئيس البرلمان أنه قد تم اتخاذ قرار بنقل السفارة، لكن الرئيس عارض ذلك.

إدانات عربية ودولية

توالت الإدانات العربية والدولية ضد نقل السفارات من مدينة تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة بما فيهم السفارة الأمريكية، وحذر قادة عرب في مختلف أنحاء الشرق الأوسط من أن خطوة نقل السفارة قد تؤدي إلى اضطرابات وتضر بالمساعي الأمريكية لاستئناف محادثات السلام المتوقفة منذ فترة طويلة بين إسرائيل والفلسطينيين.

ووصفها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنها صفعة على الوجه وقال إن واشنطن لم تعد تصلح للقيام بدور الوسيط النزيه في أي محادثات سلام مع إسرائيل.

حزن عميق أعرب عنه الدكتور محمود الهباش، مستشار الرئيس الفلسطيني وقاضي قضاة فلسطين، لإقامة افتتاح السفارة الأمريكية في القدس المحتلة والمقرر غدًا الإثنين، واصفًا هذا القرار بالجريمة.

 كما ترأست المملكة العربية السعودية اجتماعًا غير عادي، على مستوى المندوبين الدائمين في الجامعة العربية لبحث القرار الأمريكي بشأن نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس.

وقال الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، إن افتتاح السفارة الأمريكية في القدس “خطوة بالغة الخطورة” معتبرًا أن الإدارة الأمريكية لا تدرك “أبعادها الحقيقية”.

وأكّدت مصر دعمها الكامل للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ودولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، في استنكار لعملية نقل السفارة الأمريكية للقدس المُحتلة.

وأعربت دولة الإمارات عن أسفها واستنكارها الشديدين لقرار الإدارة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وقالت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في بيان لها أن مثل هذه القرارات الأحادية تعد مخالفة لقرارات الشرعية الدولية ولن تغير من الوضعية القانونية لمدينة القدس باعتبارها واقعة تحت الاحتلال ويعتبر انحيازا كاملا ضد حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والثابتة في القدس والتي كفلتها القرارات الدولية ذات الصلة وحظيت باعتراف وتأييد المجتمع الدولي.

وأعربت الوزارة عن بالغ القلق من التداعيات المترتبة لهذا القرار على استقرار المنطقة لما ينطوي عليه من تأجيج مشاعر الشعوب العربية والإسلامية نظرا لمكانة القدس في الوجدان العربي والإسلامي.

وأشارت الى التأثيرات السلبية للقرار على مستقبل عملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

وعبر العاهل المغربي عن رفضه لـ “تفعيل” قرار الإدارة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها.

وأكدّ وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، الدكتور محمد المومني، إنذاك، أن افتتاح السفارة الأمريكية في القدس، واعتراف الولايات المتحدة بها عاصمة لإسرائيل يمثل خرقًا واضحًا لميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، خاصة قرار مجلس الأمن 478.

ووصف وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، قرار الولايات المتحدة نقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس، بأنه فشل في السياسة الأمريكية، سيؤدي إلى مزيد من التوترات والتطرف في المنطقة.

وقال باسيل إن نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل سيقوض عملية السلام في الشرق الأوسط، وسيسبب مزيدًا من التوترات وسيؤدي إلى مزيد من التطرف في المنطقة.

كما حذرت الخارجية العراقية من خطورة نقل سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل إلى القدس المحتلة، معتبراً أنه أمر مرفوض ومخالفة صارخة للقرارات الدولية ومسار السلام.

وحذرت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني من أن “إعلان الرئيس ترامب حول القدس يثير قلقا شديدا. إنه يأتي في إطار هش جدا ويمكن أن يعيدنا إلى أوقات أكثر ظلمة من التي نعيشها الآن”، داعية كل الأطراف إلى “التحلي بالحكمة وعدم التصعيد”.

وأضافت موغيريني أن “موقف الاتحاد الأوروبي واضح وموحد”، مؤكدة أن “الحل الواقعي الوحيد للنزاع بين اسرائيل وفلسطين يرتكز على أساس دولتين مع القدس عاصمة لدولة إسرائيل ودولة فلسطين”.

أما الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف فأعلن عن قلقه ومخاوفه ازاء نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.

واعتبر بيسكوف ان نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس سيصعد ويؤجج من التوترات الحاصلة في المنطقة.

ونددت الخارجية الفرنسية بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، موضحة أن ذلك يتنافى والقانون الدولي، مؤكدة رفضها للإجراء.

أخيرا، من المعروف أن إسرائيل في عام 1980 أصدرت قانونا ضمت فيه القدس الشرقية وأعلنتها عاصمتها الأبدية الموحدة في خطوة لا يعترف بها المجتمع الدولي ولا منظمة الأمم المتحدة.

إلا أن الأمم المتحدة تعترف بالقدس الشرقية كأرض محتلة تخضع لبنود معاهدة جنيف الرابعة، وترفض بذلك الاعتراف بـ”السيادة الإسرائيلية” عليها.

كما أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اعتبر أن هذا التحرك غير قانوني واتخذ قرارا يدعو “تلك الدول التي أنشأت بعثات دبلوماسية في القدس لسحب مثل هذه البعثات”.

تكمن خطورة هذا القرار في إعطاء الحق للاحتلال الإسرائيلي  في السيطرة والتوسع وبناء “عاصمته” بالشكل الذي يريده، متجاهلا كل القرارات الدولية المتعلقة بالحفاظ على الموروث الثقافي الإسلامي والمسيحي.

واقتصادياً، فإن خطوة ترامب “المتهورة” تعني ارتفاع معدلات البطالة والفقر في أوساط الفلسطينيين داخل المدينة المقدسة، التي يعاني سكانها أوضاعاً أمنية ومضايقات من قِبل الاحتلال، إضافة إلى ازدياد أعمال التهجير والإبعاد عن القدس.

ربما يعجبك أيضا