في إيران: قانون مكافحة غسيل الأموال حائر بين المجالس

يوسف بنده

رؤية

جدل يعم الأوساط السياسية في إيران حول مدى فائدة أو ضرر انضمام إيران إلى مجموعة العمل المالي “فاتف” لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وقد تعاظم هذا الجدل من جانب المحافظين بعد فشل الاتفاق النووي في الحصول على نتائج إيجابية تساعد إيران على الخروج من أزمتها الاقتصادية.

وتعد لائحة مكافحة غسل الأموال واحدة من أصل 4 لوائح، تقدمت بها الحكومة الإيرانية إلى البرلمان، منذ مارس/ آذار الماضي، في إطار مشروعها للانضمام إلى اتفاقية مراقبة مجموعة العمل المالي “فاتف”، في وقت تتزايد فيه الانتقادات الدولية بسبب تأخر طهران عن تنفيذ تعهدات أخذتها على عاتقها منذ سنوات.

ووافق البرلمان الإيراني على بعض الإجراءات الجديدة لمواجهة تمويل الإرهاب في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تحت ضغط لتبني المعايير الدولية، لكن مشروع الحكومة واجه معارضة مجلس صيانة الدستور -الذي يشرف على تشريعات البرلمان- قبل أن يتدخل مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يفصل في الخلافات بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور.

وتتسع الخلافات الداخلية حول انضمام إيران إلى اتفاقية مجموعة العمل المالي (فاتف) على بعد أقل من شهرين من انتهاء مهلة حددتها المجموعة الدولية لتشريع قوانين إيرانية تبدد المخاوف من خطورة النشاط المالي الإيراني.

فقد منحت مجموعة العمل الدولية مهلة زمنية لإيران، نهايتها شهر فبراير/ شباط المقبل، لاتخاذ إجراءات، والتصويت على اللوائح المذكورة، منعًا لإدراجها على القائمة السوداء.

معارضة تشخيص النظام

وكان سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام والقيادي السابق في الحرس الثوري محسن رضائي، قد اعتبر لائحتي مكافحة غسل الأموال ومنع تمويل الإرهاب معارضة للسياسات العامة للنظام الإيراني.

قال أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام، محسن رضائي -السبت الماضي 15 ديسمبر- “إن المجلس لم يبدأ بعد في مراجعة قرار البرلمان حول اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب (CFT)، لكننا في المراجعة لن نتنازل عن المصالح الوطنية”.

ووفقًا لتقرير “إيسنا”، قال رضائي -في مؤتمر صحفي- يقوم مجلس تشخيص مصلحة النظام حاليًا بمراجعة “لائحة مشروع تعديل قانون غسيل الأموال” في البلاد، والذي، بحسب رضائي، “لا علاقة له باتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب ولا باتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة”.

وأضاف أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام، أنه “عند مراجعة الاتفاقيات والمشاريع تُعدّ مشكلة العمالة والإنتاج قضية مهمة، وسأقف بوجه كل شيء يضرُّ بالعمالة والإنتاج”.

وأشار رضائي إلى أن المجلس لم يدخل بعد في مراجعة معاهدة باريس، قائلاً: “في مراجعة المعاهدة نحن نعارض أي شيء يضر بدخل وعمالة وإنتاج المواطنين، ولا نخاف، ويجب أن ننظر إلى فوائدها ومضارها”.

معارضة صيانة الدستور

وكان المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، عباس علي كدخدائي، قد قال: إن المجلس أورد أكثر من 20 استشكالًا على مشروع قانون انضمام إيران لاتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب. وتشمل الاستشکالات “الغموض، والتعارض مع الشرع والدستور الإيراني.”

وفي أعقاب ذلك، قال مجتبى ذو النور، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، إن “اعتراضات مجلس صيانة الدستور هي على نص الاتفاقية، وليس على القواعد السبع للجنة الأمن”، وبالتالي فإن استشکالات المجلس “لا يمكن رفعها” بأي حال من الأحوال؛ لأن نواب البرلمان لا يمكنهم تغيير نص الاتفاقية.

في إطار الحل

بعد ذلك، أكد المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور “عباس علي كدخدائي” أنه تم حل عدد من إشكالات قانون مكافحة تمويل الارهاب، فيما تم إحالة الإشكالات المتبقية إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام للبت فيها.

وقال كدخدائي -في ملتقى “إيران ولوائح FATF الأربعة، أقيم في كلية الحقوق بجامعة الشهيد بهشتي- من بين الاتفاقيات العديدة التي أبرمتها وزارة الاقتصاد آنذاك فيما يتعلق بمجموعة العمل الماليFATF ، هناك أربع مسائل خاصة بقوانين إيران الداخلية، من بينها مكافحة غسيل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهابCFT ، واتفاقية باليرمو.

وأضاف، إن قانون مكافحة غسيل الأموال كان يتضمن عدة إشكالات، حيث تم في نهاية المطاف حل عدد منها، حسب رأي مجلس صيانة الدستور، لكن القسم الآخر المتبقي من الإشكالات تم إرسالها الى مجمع تشخيص مصلحة النظام.

وتابع المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور: اليوم عقد مجمع تشخيص مصلحة النظام أول اجتماع لدراسة الإشكالات المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال.

وأضاف كدخدائي: إن قانون مكافحة تمويل الإرهاب كان موجودا في إيران، وتمت المصادقة عليه، وفي هذا الصدد تم مناقشة إشكالات مجلس صيانة الدستور، وبطبيعة الحال فإن قانون CFT ما بين أخذ ورد بين مجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى الإسلامي، حيث أخذ مجلس الشورى إشكالات على القانون.

وتابع قائلا: في الاجتماع القادم ستستمر دراسة المسائل المتعلقة بلائحة CFT.

وأردف كدخدائي قائلا: نتوقع من مجلس صيانة الدستور ومجمع تشخيص مصلحة النظام وكل مؤسسة أخرى أن تعمل في إطار واجباتها وصلاحياتها القانونية.

وتطرق المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور في جانب من حديثه إلى الإشكالات الواردة بلائحة انضمام الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب (CFT)، وقال: إن مجلس صيانة الدستور لم يكن بديلا لمجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس الشورى الإسلامي، ولكنه يعمل وفق مسؤولياتها، ومن المؤكد فإنه يحافظ على مكانته استنادا إلى صلاحياته وواجباته.

وأوضح كدخدائي، أن إشكالات مجلس صيانة الدستور بشأن لائحة CFT كانت 11 إشكالا وليست 22؛ لأن إشكالين منها كان شكليا وبسيطا تم حلهما، وبعض الإشكالات متعلقة بتسليم المجرمين وهي من ضمن الإشكالات القديمة، و3 إشكالات متعلقة بحق الحجز.

وأوضح كدخدائي، أن مجلس صيانة الدستور أعلن أنه في حالة عدم إزالة الإشكالات، فإن هذا القانون يتعارض مع المصالح الوطنية، ومن جهة أخرى فإن الحفاظ على الحكومة من أهم الواجبات، لذا فإن صون المصالح الوطنية أمر مهم، وإذا تم حل الإشكالات من قبل مجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس الشورى الإسلامي فإن مجلس صيانة الدستور لن يبحث هذا الموضوع مرة أخرى.

وتابع المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور: إن قانون مكافحة تمويل الإرهاب واتفاقية باليرمو والتي هي جزء من قوانيننا الداخلية، يحتويان على إشكالات، حيث تم حل الإشكالات الواردة بقانون مكافحة تمويل الإرهاب، وتم إبلاغه من قبل رئيس الجمهورية.

وأضاف: إذا أرادت دولة ما أن تنضم إلى أحد الاتفاقيات وتقبل بقوانينها، فمن الممكن أن تقبل هذه القوانين على أساس مصالح البلاد، وفي هذا السياق فإن مجمع تشخيص مصلحة النظام هو الذي يعلن رأيه بهذا الخصوص، مشيرا إلى مجلس صيانة الدستور يعلن رأيه وفق القانون والشرع.

تعارض صلاحيات

وفي إطار اشتداد الجدل وأزمة الموافقة على القانون، قال علي مطهري، نائب رئيس البرلمان الإيراني، أمس الأحد 16 ديسمبر، إن مجلس تشخيص مصلحة النظام قام بإعادة معاهدة مكافحة غسل الأموال إلى البرلمان للتعديل، واعتبر مطهري ذلك “بدعة”.

وقد نشرت وكالة “إيسنا”، نقلا عن مطهري، أن إعادة مشروع القانون إلى البرلمان، ليس من صلاحيات مجلس تشخيص مصلحة النظام، وينبغي على البرلمان أن يجد حلًا لهذا الإجراء الذي يهدد كيان البرلمان.

وبحسب نائب رئيس البرلمان، فقد كان “على لجنة مراقبة السياسات العامة للنظام، ومقرها مجلس تشخيص مصلحة النظام، أن تعلن عن وجهات نظرها إلى اللجنة البرلمانية المعنية بذلك، أثناء نظرها في مشروع القانون في البرلمان، أما بعد موافقة البرلمان، فلا يحق لها مراجعة القرار البرلماني”.

يشار إلى أن مجلس تشخيص مصلحة النظام، بموجب الدستور، يقوم بالتحكيم بين مجلس صيانة الدستور والبرلمان حول مشاريع القوانين واللوائح التي يقرها البرلمان. وفي حال عدم مصادقة مجلس صيانة الدستور على أحد قرارات البرلمان لأي سبب، وإذا ما أصر النواب على إقراره، فإن القرار سيحال إلى مجلس تشخيص مصلحة النظام للقرار النهائي.

يذكر أن هناك انتقادات كثيرة وجهت، في الأشهر الأخيرة، لتشكيل لجنة رقابية على السياسات العامة للنظام في مجلس تشخيص مصلحة النظام، وكذلك انتقادات لمراجعات هذه اللجنة للمشاريع والخطط القانونية، من حيث تطابقها مع سياسات النظام العامة.

ويرى منتقدو هذه اللجنة أن مراجعة القوانين على هذا الأساس تتعارض مع الدستور، حيث إن هذا الإجراء لم يكن ضمن مهام مجلس تشخيص مصلحة النظام بموجب الدستور.

وفي المقابل، يرى المؤيدون أنه، وفقًا للمادة 110 من الدستور، يحق للمرشد الأعلى أن يمنح مثل هذه الصلاحية لمجلس تشخيص مصلحة النظام.

ربما يعجبك أيضا