بعد عام ثقيل.. وصمة “البطة العرجاء” تطارد أقوى نساء العالم

ولاء عدلان

ولاء عدلان

من المدهش أن تجدي نفسكِ على قائمة أقوى نساء العالم، وربما تنظر الكثيرات بعين الحسد لحاملات هذا اللقب، لكن الأمر على أرض الواقع بعيد تماما عن بريق الشهرة والألقاب، فأقوى امرأة في العالم ووصيفتها ستخرجان من 2018، بهزائم ثقيلة سيكون ثمنها ربما الرحيل نهائيا عن عالم الأضواء.

لقد كانت سنة صعبة لكلا السيدتين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، بدأت بمعارك سياسية الأولى خاضتها داخليًا لمسح الضرر الناتج عن نتائج الانتخابات العامة التي حتمت عليها تشكيل حكومة ائتلافية  بعد أكثر من 5 أشهر من التعثر وتقديم تنازلات من حصص حزبها “الاتحاد المسيحي الديمقراطي” لتفادي خطر صعود حزب “البديل”، والثانية خاضتها بين لندن وبروكسل لإبرام صفقة انسحاب بلادها من الاتحاد الأوروبي بأقل التنازلات الممكنة.

وانتهى العام بإعلان السيدتين اعتزامهما عدم الترشح لولاية جديدة، ففي أكتوبر أعلنت ميركل أن ولايتها الحالية ستكون الأخيرة وأنها لن تخوض انتخابات 2021، فيما أبلغت ماي مطلع ديسمبر أعضاء حزبها بأنها لن تعود للترشح لمنصبها في الانتخابات المقبلة في 2022.
 

ميركل “بطة عرجاء”

على مدى 13 عامًا قضتها كمستشارة، مرّ على 18 بلدًا في أوروبا وغيرها من الحلفاء 70 رئيس دولة، وبقيت ميركل بلا منافس ألمانيا وأوروبيا، فهي من أكبر المدافعين عن مبادئ الديمقراطية الليبرالية وعن كيان اليورو، لذا من المرجح مع إنهاء مسيرتها السياسية أن يخسر الاتحاد زعيمة حقيقة كان بإمكانها قيادته إلى بر الأمان بإصلاحات هيكلية تزداد الحاجة إليها، في ظل “البريكست” البريطاني والتحديدات الاجتماعية التي بدأت تهدد فرنسا، فضلا عن التحديات الاقتصادية التي تشكلها إيطاليا بزعامة حكومة شعبوية أعلنت التمرد بميزانية ترفع سقف العجز المالي المتفق عليه أوروبيا.

لذا لم يكن من المستغرب أن تطرح أسئلة عدة حول هوية خليفة ميركل، السؤال الذي جاءت إجابته داخليًا مطلع ديسمبر باختيار أنغريت كرامب 56 عاما، لرئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي، أما خليفتها أوروبيًا فالإجابة هنا باتت ضبابية للغاية بعد مأزق ماكرون أمام عاصفة احتجاجات السترات الصفراء، وماي أمام عاصفة البريكست.

ظهرت أولى إشارات “الموت السياسي” لميركل العام الماضي في سبتمبر، عندما حصل تحالفها على 32.9 في المئة من الأصوات فقط، أي بانخفاض قدره 8.6 في المئة مقارنة بانتخابات 2013، لصالح الاشتراكيين و”البديل من أجل ألمانيا” وفشلت في تشكيل حكومة ائتلافية على مدى 6 أشهر.
 

وفي أكتوبر، تأكد إفلاسها السياسي وأنها تحولت لـ”بطة عرجاء”، إثر تعرض حزبها لهزيمة قاسية في الانتخابات المحلية هيسن وبافاريا، ففي الأولى سجل أسوأ نتيجة له منذ 1966، وفي الثانية حصد جناحه البافاري “الحزب المسيحي الاجتماعي” أسوأ نتائجه على مدى سبعين عامًا، فاقدًا أغلبيته المطلقة بخسارته لخمس مؤيديه.

عقب الإعلان عن هذه النتائج قالت ميركل: أتحمل مسؤولية كل ما حدث منذ انتخابات 2017، لذا يجب فتح صفحة جديدة، وبالتالي، لن أترشح لولاية جديدة في رئاسة الحزب، وستكون هذه آخر ولاية لي كمستشارة للبلاد، بعد الخسارة في هيسن وبافاريا، لن يكون القيام بالعمل كالمعتاد ممكنا، لكنها أكدت أن هذه الخسائرة يجب أن تكون بمثابة نقطة تحول للائتلاف الحاكم.

تركة ثقيلة

أنغريت كرامب التي قد يؤهلها فوزها برئاسة “الديمقراطي المسيحي”، لخلافة ميركل في منصب المستشارة وربما في زعامة أوروبا، سيكون أمامها عدة تحديات داخليا هناك ملف الهجرة الذي تفاقم بسبب تبني ميركل لسياسات سمحت باستقبال ما يزيد عن مليون لاجئ، والأهم ملف صعود تيارات اليمين المتطرف متمثلة في حزب البديل وغيره من الأحزاب الشعبوية التي تهدد مكانة الحزب المسيحي، فضلا عن ضبابية الوضع الاقتصادي في ظل دخول ثالث أٌقوى اقتصاد بالعالم إلى مرحلة الركود لأول مرة منذ 2015، وسط توقعات بتباطؤ النمو هذا العام إلى 1.8% من 2.2%.

وخارجيا سيكون على كرامب في حال وصولها إلى رأس الحكومة، اثبات فاعليتها في حلحلة الملفات الأوروبية الشائكة، لاسيما فيما يتعلق بتداعيات الانفصال البريطاني وصعود الأحزاب الشعبوية في الانتخابات الأوروبية في مايو المقبل.

بريكست و”البطة العرجاء”

ثاني أقوى سيدة بالعالم صارعت هذا العام أيضا من طواحين الهواء ما يكفي، ما بين محاولات لسحب الثقة وانتقادات حادة وصلت إلى حد وصفها تارة بالبطة العرجاء وتارة أخرى بالسيدة الغبية أو اليائسة، بعد أن اعتادت على لقب المرأة الحديدة، منذ أن قادت حكومة بلادها في يوليو2016.

وقضت ماي هذا العام بين بروكسل ولندن محاولة التوصل إلى صفقة تضمن انفصال بلادها عن الاتحاد الأوروبي بأقل الخسائر وتحظى بالدعم الكافي محليًا، إلا أن هذا لم يكن سهلًا على الإطلاق وكلفها الكثير من سمعتها السياسية، بل أنه وصل إلى حد تهديد حكومتها بالسقوط أكثر من مرة، وسط انسحابات للعديد من الوزراء اعتراضا على صفقتها للانفصال.

في نوفمبر توصلت ماي لصفقة تبدو “ناقصة” بل و”مذلة” من وجهة نظر خصومها وحلفائها السياسيين على حد السواء، إلا أن الصفقة حازت على مصادقة الاتحاد الأوروبي، لتضع تيريزا ماي في وجهة عاصفة داخلية وتفتح الباب على عدة احتمالات أبرزها إجراء استفتاء ثانٍ على الانفصال أو إلغاء البريكست من جانب واحد وهو بريطانيا – وفق المادة 50 من نظام المحكمة الأوروبية- أو استقالة ماي في حال فشلت صفقتها في الحصول على موافقة مجلس العموم.

في مطلع ديسمبر، وصلت هذه العاصفة إلى ذورتها مع مطالبة نحو 48 نائبا محافظا بتصويت لسحب الثقة من ماي، لتخرج على الشعب البريطاني من أمام مقر إقامتها بخطاب مقتضب مؤكدة أنها ستقاتل بكل قوة ضد هذا التصويت، لأنها ترى أن من الواجب البقاء في منصبها لاتمام صفقة البريكست، وقبيل التصويت وفي محاولة للنجاة على ما يبدو، أبلغت حزبها اعتزامها عدم الترشح لمنصبها في الانتخابات المقبلة في عام 2022.

وواصلت السيدة ماي محاولاتها لاحتواء الأزمة داخليا، لتخرج في العاشر من ديسمبر معلنة تأجيل التصويت على صفقتها للبريكست في مجلس العموم إلى منتصف يناير 2019، وذلك قبل يوم من موعد التصويت، وقالت أمام البرلمان: سنؤجل التصويت، من الواضح أنه رغم وجود دعم واسع للكثير من الجوانب الأساسية في هذا الاتفاق، فإنه لا يزال هناك قلق عميق بخصوص مسألة واحدة، مشيرة إلى معارضة النواب بشكل خاص للحل الذي تم التوصل إليه لمنع عودة الحدود فعليا بين إقليم آيرلندا وجمهورية آيرلندا، المعروف باسم “شبكة الأمان”.

وأضافت كلما فشلنا في المصادقة على الاتفاق يزداد خطر الخروج من دون اتفاق، موضحة أنها طلبت من حكومتها تسريع الاستعدادات تحسبا لهذا الاحتمال.

هذا التأجيل لم يكن سوى مناورة من ماي لشراء مزيد من الوقت، للسماح بجولة جديدة من المفاوضات من الاتحاد الأوروبي للوصول إلى اتفاق يحظى بالحد الأدنى من الدعم داخليا، ما يعني أن الشهور الأولى من العام 2019 ستكون حاسمة في مسيرتها السياسية، فإما أن تؤمن الدعم اللازم “البريكست” أو أن تطيح بها الصفقة خارج داونيج ستريت.

ماي تسمم البئر

يعتبر الكثيرون أن صفقة ماي للانفصال، جاءت بلا ملامح لتسمم البئر لخلفائها، إذ نصت على فترة انتقالية ستستمر حتى ديسمبر 2020، كما نصت على أن تبقى بريطانيا ملتزمة بتلبية جميع الالتزامات المالية التي تحملتها خلال عضويتها، الأهم من ذلك أن الصفقة تركت مسألة الحدود مع إيرلندا العضو في الاتحاد، بدون حل واضح.

وتوقع بنك انجلترا في حال انفصال بريطانيا بدون اتفاق تجاري كامل انكماش اقتصاي أسوأ من أزمة 2008، وتراجع للناتج المحلي بنحو 10.5% خلال 5 سنوات، وارتفاع للبطالة بـ 7.5%، وانخفاض للاسترليني بنحو 25%، فيما قدرت دراسة للمركز الأوروبي للإصلاح أن البريكست يكلف الاقتصاد البريطاني في الوقت الراهن نحو 500 مليون جنيه استرليني في الأسبوع.
 

ربما يعجبك أيضا