قتل وخطف واعتقالات .. “2018” تشهد على عذابات الطفولة في فلسطين

محمود

رؤية – محمد عبد الكريم

القدس المحتلة – تعكس الأرقام الصادرة عن المراكز الحقوقية والمختصة برصد انتهاكات الاحتلال خلال عام 2018، واقع مرير يعانيه الأطفال في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، بسبب استمرار جرائم الاحتلال دون أي محاسبة أو ردع دولي.

الاحتلال قتل نحو 52 طفلاً منذ بداية العام الجاري

وأوضحت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين في بيان صحافي صادر عنها، اليوم الثلاثاء، إن 46 من الأطفال هم من القطاع، مشيراً إلى أن من بين الأطفال الذين قتلتهم قوات الاحتلال 18 كانت إصاباتهم في رؤوسهم و9 في صدورهم، و7 في منطقة البطن، و5 في الرقبة، فيما كانت بقية الإصابات في مناطق مختلفة من الجسد (شظايا)، ما يشير إلى أن جنود الاحتلال يتعمدون إطلاق الرصاص على المناطق العليا من الجسد بقصد القتل.

وأكدت أن قوات الاحتلال الإسرائيلي مستمرة في استخدام القوة المفرطة والرصاص الحي ضد الأطفال الفلسطينيين، من خلال استهدافها لهم بشكل متعمد، بسبب انتشار ثقافة الإفلات من العقاب في أوساط جنود الاحتلال الإسرائيلي وعلمهم المسبق أنهم لن يحاسبوا على أفعالهم مهما كانت النتيجة.

وبينت الحركة العالمية أنه وفقا للوائح جيش الاحتلال الإسرائيلي الخاصة، يجب ألا تستخدم الذخيرة الحية إلا في ظروف تشكل تهديدا قاتلا بشكل مباشر للجندي، موضحة أنه حتى الآن لا يوجد أدلة تشير إلى أن الأطفال الذين استشهدوا بالرصاص الحي منذ بداية العام الجاري كانوا يشكلون مثل هذا التهديد وقت إطلاق النار عليهم.

ومنذ عام 2000 قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي وحراس الأمن والمستوطنون أكثر من 2070 طفلا فلسطينيا، وفقا لتوثيقات الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال.

الاحتلال اعتقل 908 أطفال منذ بداية العام الجاري

قال نادي الأسير، إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اعتقلت 908 أطفال تقل أعمارهم عن (18 عاما)، منذ بداية العام الجاري، وحتى نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2018.

وتطرق إلى الانتهاكات التي تنفذها سلطات الاحتلال بحق الأطفال خلال عملية اعتقالهم والتي تبدأ منذ اللحظة الأولى لاعتقالهم بطريقة وحشية واقتيادهم من منازلهم في ساعات متأخرة من الليل؛ وسُجلت عشرات الحالات تحديداً بعد عام 2015، لأطفال أطلقت قوات الاحتلال النار عليهم بشكل مباشر ومتعمد خلال عمليات اعتقالهم.

وأضاف: إلى جانب ذلك تنقل سلطات الاحتلال الأطفال الأسرى إلى مراكز التحقيق والتوقيف وتبقيهم دون طعام أو شراب، وتستخدم الضرب المبرح بحقهم، وتوجيه الشتائم والألفاظ البذيئة إليهم، وتهددهم وترهبهم، لانتزاع الاعترافات منهم تحت الضغط، وتفرض بحقهم أحكاما وغرامات مالية عالية.

وأشار نادي الأسير إلى أن الانتهاكات تتواصل بحق الأطفال خلال فترة احتجازهم في المعتقلات، منها حرمان الطفل من استكمال دراسته، إضافة إلى حرمان جزء منهم من زيارة العائلة، أو الحصول على علاج مناسب لمن يعاني من أمراض تحتاج إلى رعاية ومتابعة طبية حثيثة.

ولفت إلى أنه منذ عام 2015؛ شهدت قضية الأسرى الأطفال العديد من التحولات، منها إقرار عدد من القوانين العنصرية أو مشاريع القوانين، والتي تُشرع إصدار أحكام عالية بحق الأطفال، وصلت في بعض الحالات إلى أكثر من عشر سنوات، وحتى الحكم المؤبد.
 

الطفولة بفلسطين مهددة جسديًا ونفسيًا

ولا يقتصر استهداف الاحتلال الصهيوني للطفولة في فلسطين المحتلة، على التصفية الجسدية، إلا أن الاحتلال يجهد دائمًا على قتل الأطفال الفلسطينيين من داخلهم عبر الرعب والخوف والتهديد.
 
وأظهر شريط فيديو نشرته عائلة الطفل محمود ماضي “14 عامًا” من مخيم العروب شمال مدينة الخليل قبل أيام قليلة، اقتحام 40 من جنود الاحتلال المدججين بالسلاح منزل العائلة بطريقة وحشية، واعتقال محمود، والاعتداء على أخيه خضر.

الطفل محمود يعاني من آثار رصاصة مطاطية أصابته في رأسه قبل أربعة أعوام، أثناء وقوفه على نافذة منزل العائلة الذي يقع قرب الطريق الالتفافي 60 شمال الخليل، وتسببت بكسر في جمجمته.

يقول مختصون ومهتمون بمتابعة شؤون الأطفال في فلسطين “لا يمكن الوقوف على القائمة الطويلة من ضحايا الممارسات والإجراءات البشعة التي يمارسها جنود الاحتلال بحق الأطفال الفلسطينيين، من قتل وجرح وترهيب وترويع وحرمان”.

وتقول الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في بيان لها نُشر لمناسبة يوم الطفل الفلسطيني، “إن أطفال فلسطين من أكثر الأطفال معاناة على مستوى العالم، جراء ممارسات الاحتلال الذي اقترف العديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان الفلسطيني، راح ضحيتها الآلاف من الأطفال والشبان”.

ووفق إحصائيات نادي الأسير، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت خلال العام الحالي أكثر من 350 طفلا، بينهم 8 قاصرات.

واعتقلت في العام الماضي (1467) طفلا، ووضعت قرابة (100) طفل رهن الاعتقال المنزلي، فيما يقبع ثمانية أطفال في مراكز خاصّة بالأحداث تابعة للاحتلال.

وبحسب منظمة حقوقية “إسرائيلية” (بيتسلم) فإن مئات الأطفال الفلسطينيين يجتازون كلّ سنة المسار نفسه: القبض عليهم في الشارع – أو في منازلهم في منتصف اللّيل وعصب أعينهم وتكبيل أيديهم ثمّ اقتيادهم للتحقيق ولا يندر أن يرافق ذلك استخدام العنف، حيث يجري التحقيق مع هؤلاء القاصرين وهم وحيدون ومنقطعون تمامًا عن العالم، لا شخص بالغ يعرفونه يقف إلى جانبهم ولا تعطي لهم فرصة التشاور مع محامٍ قبل التحقيق – وكلّ ذلك بعد اقتيادهم للتحقيق أصلاً وهم متعبون وخائفون حيث بعضهم اقتيد من الشارع وقد أمضى ساعات خارج منزله وبعضهم أفزعوه من نومه في منزله وبعضهم لم يتناول طعامًا أو شرابًا طيلة ساعات، إلى حين التحقيق.

ويضيف المركز أن التحقيق نفسه يرافقه في أحيان كثيرة التهديد والصراخ والشتائم – وأحيانًا العنف الجسديّ أيضًا والهدف من كلّ ذلك واحد:

إرغام القاصرين على الاعتراف بارتكاب جُرم نُسب إليهم أو الإدلاء بمعلومات لتجريم آخرين، كما ويجري اقتياد القاصرين للمثول أمام المحكمة العسكرية لأجل تمديد اعتقالهم وهناك يلتقي معظمهم بمحاميه للمرّة الأولى، وفي معظم الحالات يقرّر القاضي تمديد اعتقالهم حتّى عندما تكون البيّنة الوحيدة ضدّهم اعترافهم الشخصي أو معلومات أدلى بها آخرون تجرّمهم زعمًا – حتى وإن كانت هذه الاعترافات والمعلومات قد انتُزعت ضمن مسّ خطير بحقوقهم، في هذه الظروف وبالنظر إلى إدراكهم أنّ حكمًا بالسجن ينتظرهم يوافق القاصرون على الاعتراف بالتهمة المنسوبة إليهم والتوقيع على صفقة يجريها محاميهم مع النيابة فقط لكي يتمكّنوا من العودة إلى حياتهم العاديّة بأسرع ما يمكن، بعد قضاء المحكوميّة المتّفق عليها في الصفقة، والتي صادق عليها قاضي المحكمة العسكرية للشبيبة.

ويعكس ما حدث مع الفتاة عهد التميمي المعتقلة لدى سلطات الاحتلال، حيث رفعت موكلتها إلى المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، طالبته فيها بالنظر في تعرّض الفتاة الفلسطينية للتحرّش الجنسي اللفظي، خلال التحقيق معها.

ذكرت صحيفة “إسرائيل اليوم” أن المحامية المدافعة عن عهد التميمي، غابي لاسكي، رفعت شكوى إلى المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، أفخاي مندلبليت، وذلك بعدما تحرش ضابط من جهاز أمان بالفتاة الفلسطينية وهدّدها خلال التحقيق.

وكتبت لاسكي في شكواها أن التميمي المعتقلة منذ حوالي أربعة أشهر، تعرّضت للتحرّش الجنسي اللفظي، الذي وجهه ضابط في جهاز أمان كما عرّف عن نفسه أثناء التحقيق.

ولفتت إلى أن الأخير “قال للتميمي إن وجهها ملائكي وإن شعرها الأشقر وعينيها الزرقاوين جميلان، قبل أن يهدّدها باعتقال أفراد أسرتها وأقربائها في حال لم تتجاوب معه”.

لاكسي أكدت أنه بحسب القانون، “يُعتبر مثل هذا الكلام تحرّشاً جنسياً من قبل أصحاب السلطة والمنصب، ويسبّب حرجاً وعدم ارتياح لموكلته”.

وأضافت أن “الضابط هدّد المناضلة الفلسطينية باعتقال أقاربها، في حال استمرّت باللجوء إلى الحق بالتزام الصمت”.

وقالت في الشكوى إنه خلال التحقيق التزمت التميمي الصمت، رغم أنه جرى في ظروف خرقت حقها كقاصر”.
 

اختطاف الأمهات والآباء أمام أعين أطفالهم يسبب أذى نفسيًا بالغًا للأطفال

وتظهر الصورة الكاتبة الفلسطينية لمى خاطر (42 عاما) وهي تحاول أن تهدئ من روع صغيرها يحيى ابن العامين فقط الذي استفاق على صوت صوت طَرق عنيف على الباب، ورؤية عشرات الجنود يقتادون أمه بعيدا عنه في منتصف الليل، مدى الألم والأذى النفسي الذي يتسبب به الاحتلال للأطفال.

وانضمت خاطر لنحو 64 أسيرة فلسطينية يقبعن في سجون الاحتلال حاليًا، لكن مشهد وداعها لطفلها الذي أحدث تفاعلاً كبيرًا معها أعاد فتح ملف ماذا يعني اعتقال امرأة فلسطينية في سجون الاحتلال.

ولا يبدو أن صور احتضان لمى خاطر لطفلها هي الأكثر تعبيرا عن بشاعة الاحتلال، فقصص الأسرى مليئة بسير أمهات تركن أطفالهن سنوات طويلة بسبب الاعتقال، في حين عاش عشرات الأطفال الفلسطينيين تجربة الاعتقال منذ ولادتهم خلف القضبان بعد أن اعتقلت أمهاتهم في فترة الحمل بهم.

لم يكتفِ الاحتلال كعادته بنزع فرحة طفل من معانقة والدته وكسر رهبة عتمة غرفته ليلا، ليعمق رهبة الليل في ظلمة قلبه باعتقال والدته لتمضي عيونه عشرات الأمتار حتى غاب شعاع قلبه وتم نقلها إلى معتقلات الاحتلال، ولم يكتفِ.. بل ومنع نجلها الطفل يحيى الذي لم يكمل العامين من عمره من رؤيتها في المحكمة قبل يومين، ولربما رأت في التقاء عيون يحيى ووالدته خطرا يهدد “امن الدولة”.

يحيى لم يتمكن بسبب الرفض الإسرائيلي من رؤية والدته في المحكمة الإسرائيلية مجرد رؤية وليس لقاء وحضن، ليستدير يحيى للانتهاكات الإسرائيلية ويغادر خلال ممر المحكمة عائدا إلى منزله دون والدته ودون أن تحمل ذاكرته صورة جديدة يحلم بها وتجدد الأمل في قلبه نحو لقاء قريب.

وتظهر صور الشاب نجيب مفارجة (33 عامًا)، الذي استفاق والداه على صوت طرقات تنهمر على باب داره، وصراخ وتهديد ووعيد بتفجير الباب أن لم يفتح بسرعة.

هَبَ نجيب، المعتاد على الاقتحامات الثقيلة فجرا بعد أن سجن مرتين، من نومه مسرعًا نحو النافذة، إذ بقوة كبيرة من قوات الاحتلال مدججة بالسلاح والكلاب البوليسية تحاصر منزله في بلدة بيت لقيا غرب مدينة رام الله، فيما سارعت زوجته أماندا نحو غرفة طفليها إباء وبراء، تهدئ من روعهما، حيث كانا يبكيان من الخوف.

أخرج الجنود جميع من في المنزل: نجيب وزوجته وطفليه، ووالديه وأشقاءه وشقيقاته الذين يسكنون في الشقة المجاورة، وشرعوا بتفتيشه، قبل أن يقوموا باعتقال نجيب بعد تكبيله وتعصيب عينيه وزجّه داخل إحدى الآليات العسكرية.

وقبيل زجه في إحدى آليات الاحتلال العسكرية، أسرعت إباء إلى حضن والدها وتبعها شقيقها براء، في الوقت الذي تمكنت عمتهم من التقاط مجموعة من الصور خلسة، حيث ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعية، وتهافت الناس على إعادة نشرها، وتدعيمها بعبارات إنسانية، وأظهرت إحدى الصور نجيب يحتضن طفلته ويودعها، والأخرى لها ولشقيقها برفقته قبل أن يتم اعتقاله.

ويشير الأخصائي النفسي والاجتماعي في جمعية الشبان المسيحية سامي صنوبر، إلى أن اعتقال رب الأسرى أمام أطفاله عمل خطير جدا، ويؤثر على نفسيتهم، مبينًا أنه من الممكن أن يسبب صدمة آنية أو اضطراب ما بعد الصدمة، وغالبًا ما تظهر أعراضها عقب ثلاثة أشهر من وقوع الحدث.

ويضيف: “يترافق مع ذلك أحلام وكوابيس، وخوف متكرر، واضطراب في النوم، وقد يصل الأمر حد التبول اللاإرادي، وهذا صادفناه في إحدى الحالات التي جرى خلالها اعتقال الأب أمام طفله البالغ من العمر تسع سنوات ونصف في إحدى قرى مدينة نابلس، حيث أصبح الطفل يتجنب الذهاب إلى الغرفة التي جرى فيها اعتقال الأب”.

وبحسب صنوبر فإن ذلك يؤدي أيضا إلى تدني ثقة الطفل بنفسه وبالآخرين، ويصبح لديه فضول لسماع القصة مرات ومرات، كذلك يبدأ بمتابعة أخبار الاعتقالات ويشاهد مقاطع فيديو ليعيد المشهد في مخيلته، لافتا إلى وجود فروقات فردية واختلاف بين الأطفال في طريقة التعاطي مع الحدث، وتعاملهم مع الصدمة نفسها.

ويؤكد أنه قد يوهم الطفل عائلته أنه لا يعاني من شيء، لكن بعد زيارات متكررة من قبل الأخصائي النفسي تبدأ أعراض الصدمة بالظهور.

ويتابع: “قضية اعتقال الأب أمام طفله ووداعه له مؤلم، كون الطفل يشعر أنه دون قدوة، كما أنه يوازي موضوع الفقدان، بمعنى أن الفقدان لا يكون بالموت فقط، بل أيضًا بالاعتقال وعندما نفقد أحدا ندخل بمرحلة الصدمة تلقائيا بشكل فوري، أو بمرحلة ما بعد الصدمة التي تبدأ بعد ثلاثة أشهر”.

ويؤكد أن الطفل يرى في والده مصدرا للقوة والحماية، واعتقاله بهذه الطريقة يجعل الطفل يفقد الثقة في مدى قدرة الأب على حمايته من الأخطار.

وفي حالة الطفلة إباء، يشير صنوبر إلى أن عقلها الباطني لم يستطع استيعاب صدمة اعتقال والدها، والضحك دليل على نكرانها لوجود شيء محزن ومقلق يؤثر عليها، قائلا: “معظم الحالات التي تعاملنا معها، استطعنا من خلال جلسات التفريغ النفسي، وتقنية تخفيف الحساسية للموقف القائمة على تمارين الاسترخاء والتنفس، أن نجعلهم يستعيدون المشهد ليصبح من خلالها مشهدا طبيعيا.

ويقول “ليس فقط الأطفال من يتأثرون بوداع آبائهم، بل أيضا الأب يصبح دائم التفكير والخوف على مصير أطفاله وزوجته، ما يجعله يعطيهم جرعة كبيرة من الحنان والدفء خلال لحظات اعتقاله كنوع من القوة وأنه سيعود قريبا لهم”.

ويؤكد صنوبر ضرورة شرعنة مشاعر الأطفال تجاه أفراد العائلة التي يتم اعتقالهم أمام أعينهم، وتجعلهم يشعرون بأن كل ما يصدر عنهم من تصرفات طبيعية جدا كون هذا احتلال، إضافة إلى ضرورة تعزيز التصرفات الإيجابية التي أظهروها لحظة الاعتقال، وأن تكون العائلة حاضنة للطفل بالكثير من الحب والعطف والتفهم لحين تجاوزه المرحلة.

ربما يعجبك أيضا