إسرائيل 2018 .. صراعات داخلية وخارجية ونتنياهو في ورطة (1)

محمد عبد الدايم

رؤية – محمد عبدالدايم
  
ترامب يهدي القدس لإسرائيل.
إسرائيل وإيران: صراع فوق سوريا.
سقوط الطائرة والغضب الروسي على إسرائيل.
عملية درع الشمال: تحجيم لحزب الله، وتغطية لفشل نتنياهو.
التهدئة مع حماس رغم المناوشات.
رئيس جديد لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي.
رئيس جديد للوكالة اليهودية رغم معارضة نتنياهو.
نتنياهو يعبر بحكومته إلى 2019 دون انتخابات مبكرة.

حكومة اليمين والصراع السياسي في إسرائيل

شهد العام 2018 تقلبات عدة واجهتها حكومة اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو، نتيجة للصراعات الداخلية بين أقطاب الائتلاف المشارك في الحكومة، ففي البداية كان الصراع بين نتنياهو نفسه وبين وزير دفاعه المستقيل أفيجادور ليبرمان مستترًا، حتى أصبحت تفاصيله معروفة على إثر تقديم ليبرمان استقالته من الحكومة، ودعوته لإجراء انتخابات مبكرة.

نتنياهو وليبرمان .. تحالف ينقلب لصراع

على مدى سنوات كانت العلاقة بين نتنياهو وليبرمان أقرب لعلاقة الصداقة، لكن ظهر واضحًا مع دخولهما في الائتلاف الأخير أن الوضع الراهن لا يحفظ أيا من ذكريات التحالف والصداقة بين القطبين اليمنيين.

ظهرت دلائل الصراع بين الإثنين في مواقف عدة، لعل أبرزها عملية اختيار رئيس جديد لأركان الجيش الإسرائيلي، وكذلك التعامل مع مسألة حماس وغزة، وأفضت العملية الإسرائيلية الأخيرة على خان يونس إلى وصول العلاقة بين نتنياهو وليبرمان إلى نهايتها، حيث استقال الأخير تاركا حقيبة الدفاع، وتاركا ائتلاف نتنياهو يواجه الحل.

وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينط رئيس حزب هابيت هايهودي كان له نصيب من الصراع المستتر مع ليبرمان، وتحول إلى صراع علني وتراشق تصريحات، قبل أن يستقيل ليبرمان وبعد خروجه، وظهر واضحا أن الصراع راجع لاختلاف أيديولوجي بين الاثنين في مسألة التعامل مع حماس، والتعامل مع نشاط الفلسطينيين في ذكرى يوم الأرض ومسيرات العودة، واستثمر نفتالي بينط الضعف الواضح في إمكانيات ليبرمان كوزير للدفاع ليطالب لنفسه بهذه الحقيبة، حتى رهن بقاء حزبه في ائتلاف نتنياهو بتعيينه وزيرا للدفاع، غير أنه تراجع بعد ضغوط من زعماء الحريديم الذين أقنعوه بعدم الضغط لحل الائتلاف اليميني الآن.

بعد خروج ليبرمان من الحكومة، وبقاء نفتالي بينط وكتلته، أصبح ائتلاف بنيامين نتنياهو قائما بأغلبية صوت واحد فقط، بانتظار ما ستسفر عنه الشهور المقبلة، ففي حين أكد نتنياهو على أن الحكومة باقية حتى نوفمبر 2019، ولا نية لتفكيك الائتلاف؛ يتوقع كثير من المراقبين أن هذه الحكومة لن تصمد كل هذا الوقت، خصوصا مع زيادة المعارك الداخلية بين أطراف الائتلاف.

في الوقت نفسه ظهر لاعب جديد على الساحة السياسية الإسرائيلية، رئيس أركان الجيش السابق بيني جانتس الذي قرر دخول المعترك السياسي، وصاحب دخوله ضجة كبيرة، وأظهرت استطلاعات الرأي حصوله على عدد لا بأس به من مقاعد الكنيست حال مشاركته في أية انتخابات مقبلة، سواء كان على رأس حزب سياسي جديد، أو بانضوائه تحت لواء حزب قائم.

المقاومة الفلسطينية

في 30 مارس 2018 بدأت مسيرات العودة الكبرى في الذكرى الثانية والأربعين ليوم الأرض الفلسطيني، تبعها حراك سلمي استمر حتى15 مايو 2018 ذكرى النكبة الفلسطينية، ومع استمرار الحراك الفلسطيني الفتي على طول الجدار العازل وحدود غزة؛ سقط المئات من الفلسطينيين شهداء ومصابين برصاص الجيش الإسرائيلي، مع شعور الإسرائيليين بالقلق نتيجة أنشطة المقاومة الابتكارية، مثل جمعة الكاوتشوك في 6 إبريل 2018، وما تلاها من استخدام البالونات المشتعلة، ومحاولات فلسطينية لاختراق الجدار الحدودي العازل.

التهدئة مع حماس .. ولا مانع من عملية عسكرية

رغم الضغوط الداخلية، والدعاوى لشن حرب ضد حماس؛ فإن بنيامين نتنياهو أعلن تأكيده على رغبته في تثبيت الهدنة مع حماس، وجاء تأكيده على انتهاج الهدوء بعد ضغوط مصرية طيلة العام، منعا لعملية عسكرية شاملة على قطاع غزة المحاصر الذي يعاني منذ سنوات.

رغم ذلك؛ لم تكن العملية الإسرائيلية التي نفذتها في نوفمبر 2018 قوة من جيش الاحتلال على خان يونس مفاجئة، فالأوضاع كانت مرشحة للتصعيد منذ عدة أشهر تحديدا، إن لم يكن على خلفية الحصار الرهيب على القطاع؛ فإنه كان منتظرا أن يحدث هجوم إسرائيلي في أي وقت منذ أن بدأت مسيرات يوم الأرض.

جاءت العملية الإسرائيلية على خان يونس تمثلت في دخول قوة إسرائيلية القطاع في 11 نوفمبر 2018 بسيارة مدنيّة إلى عمق 3 كيلومترات، وصولًا إلى مدخل أحد المساجد حيث حاولت اختطاف أو اغتيال مسؤول في وحدة الأنفاق في حركة حماس، وسريعا انفضحت العملية، وانتهت بمقتل ضابط إسرائيلي وجرح آخر، واضطر الجيش الإسرائيلي للقيام بعملية تغطية لإنقاذ بقية القوة المتسللة. 

مما أفضى إلى خسائر بشرية لدى الطرفين، إضافة إلى نشاط صاروخي قسامي مكثف استنفر القبة الحديدية الإسرائيلية لصده.

“جانتس” .. حصان طروادة 

أصبح بيني جانتس في نظر الكثيرين بمثابة “حصان طروادة” الذي يعمل على خلخلة الوضع السياسي الراهن في إسرائيل، وتحدثت وسائل إعلام عن مفاوضات أجراها معه رئيس حزب هاعفودا وعضو تكتل المعسكر الصهيوني آفي جفاي للتحالف السياسي فيما بينهما، لكن يبدو أن المفاوضات بينهما لم تسفر عن شيء، وتشير أغلب التوقعات إلى نية جانتس المنافسة في الانتخابات المقبلة بحزب سياسي جديد.

كما شهد عام 2018 اختيار مجلس أمناء الوكالة اليهودية لزعيم المعارضة يتسحاق (بوجي) هرتسوج ليكون الرئيس الجديد للوكالة، بعد أن تجاهلت لجنة التعيينات توصية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتعيين وزير الطاقة يوفال شتاينتس عضو الكنيست عن حزب هاليكود، واختارت في المقابل زعيم المعارضة بالكنيست والرئيس السابق لحزب هاعفودا اليساري المعارض.

جاء تصويت مجلس إدارة الوكالة اليهودية “بالإجماع” لصالح تعيين هرتسوج رئيسا جديدا للوكالة، عكس ما ضغط نتنياهو لتحقيقه، حيث كانهدفه منع المعارضة من الحصول على منصب رئاسة الوكالة اليهودية، لكن في الأخير صدرت التوصية بتعيين هرتسوج. 

فاز هرتسوج أخيرا، انتصر على نتنياهو في معركة رئاسة الوكالة اليهودية، بعد أن استطاع الحفاظ على موقعه كزعيم للمعارضة رغم فقدانه لمنصب رئيس حزب هاعفودا بعد فوز آفي جفاي، فقد حصد تكتله مع تسيبي ليفني 24 مقعدا في انتخابات الكنيست الأخيرة، والآن يرأس الوكالة المسئولة عن اليهود في العالم أجمع، فإذا كان نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل؛ فإن بوجي هو رئيس “حكومة اليهود” كما يُطلق عليها، لأنها، أيالوكالة اليهودية،  لعبت دورا محوريا في قيام دولة إسرائيل عام 1948، ومسؤولة عن الهجرات اليهودية منذ إنشائها في 1929.

مع توليه منصبه الجديد لرئيس للوكالة اليهودية ترك منصبه كعضو في الكنيست، وتقدمت من جديد تسيبي ليفني لتصبح خليفته كزعيمة للمعارضة عن تكتل المعسكر الصهيوني، لتحاول العودة من جديد إلى دائرة الضوء. 

مع نهاية 2018 استطاعت حكومة نتنياهو الصمود، دون أن يعلن حل الائتلاف والدعوة إلى انتخابات مبكرة، وبدا واضحا أنه خرج من صراعاته مع أعضاء الحكومة فائزا ولو مؤقتا، في الوقت الذي أشارت فيه استطلاعات الرأي طيلة العام عن استمرار حزبه هاليكود في الصدارة، رغم التكهنات حول مصيره هو نفسه في أوقات كثيرة.

رئيس جديد لأركان الجيش ..  ونتنياهو وزير الدفاع

صادقت الحكومة الإسرائيلية على تعيين أفيف كوخافي رئيسا جديدا لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، خلفا لجادي أيزنكوت الذي تنتهي ولايته بنهاية العام الحالي، على أن يتولى كوخافي مهام منصبه رسميا ابتداء من يناير 2019.

جاءت مصادقة الحكومة على تعيين كوخافي بعد تصديق لجنة التعيينات برئاسة القاضي إليعيزر جولدبرج على ترشيح وزير الدفاع المستقيل أفيجادور ليبرمان، ولم تبد اللجنة تحفظات على كوخافي أو إجراءات ترشيحه من قبل ليبرمان.

كان كوخافي أحد أربعة من المرشحين لرئاسة هيئة الأركان، والثلاثة الآخرين هم: نيتسان ألون، وأيال زمير، ويائير جولان، وبعد تصديق الحكومة على تعيين كوخافي رسميا؛ أعلن بنيامين نتنياهو، الذي يتولى حقيبة الدفاع حاليا بعد استقالة ليبرمان، عن تولي أيال زامير– المقرب منه-منصب نائب رئيس هيئة الأركان.

صراع إسرائيلي إيراني في سوريا وغضب روسي

ارتفعت حدة الصراع الإسرائيلي الإيراني في سوريا، ففي 10 فبراير 2018 أسقطت القوات السورية طائرة إسرائيلية من طراز إف 16، وردت إسرائيل بضربات على أهداف في الداخل السوري، واعتُبر إسقاط الطائرة الإسرائيلية أول خسارة لطائرة عسكرية تابعة لإسرائيل منذ 36 عاما.

سببت إسرائيل خسائر كبيرة في صفوف القوات الإيرانية العاملة على أرض سوريا، وكذلك تمكنت من إسقاط طائرة سوخوي سورية فوق الجولان، وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في حينها أن الأمر تم بالتنسيق مع الجانب الروسي.

لكن التنسيق مع الجانب الروسي في سوريا تحول في سبتمبر 2018 إلى عملية خداع إسرائيلية، أدت إلى سقوط طائرة عسكرية روسية، ولقي 15 ضابطًا وجنديًا روسيا، حيث تجاهلت إسرائيل التنسيق مع روسيا، وهو الأمر الذي أثار غضب الروس، شعورهم بأن إسرائيل استخدمت طائرة التجسس الروسية كدرع لطائرتها، بعد إعطاء معلومات مضللة للجانب الروسي.

حاولت إسرائيل امتصاص الغضب الروسي، وأوقفت عملياتها ضد القوات الإيرانية في روسيا بشكل مؤقت، ويُتوقع أن يكون العام 2019 حاسما في الصراع الإسرائيلي الإيراني في سوريا، مع اقتراب قوات بشار من السيطرة على كامل الأرض، وعودة العقوبات الأمريكية على إيران.

درع الشمال

في إطار النشاط العسكري الإسرائيلي شمالا؛ شرعت قوات الجيش الإسرائيلي في حملة عسكرية لهدم الأنفاق التي حفرها حزب الله في الشمال، وأطلقت على العملية التي بدأتها في ديسمبر الماضي “درع الشمال”، بمشاركة المخابرات الإسرائيلية مع والقيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي، وسلاح المهندسين وإدارة تطوير الوسائل القتالية.

عام 2018 هو عام المواجهات بين إسرائيل وكل من إيران وحزب الله، دون اللجوء لعمليات برية أو حرب مباشرة، في انتظار ما سيحدث في العام 2019 من تطورات، على الأصعدة السورية، واللبنانية، والإسرائيلية، وترقبا لمواقف الولايات المتحدة وروسيا.

ترامب يهدي القدس لإسرائيل

في 14 مايو 2018 افتتحت الولايات المتحدةسفارتها لدى إسرائيل في القدس، بعد إعلان ترامب اعتراف بلاده بها كعاصمة لإسرائيل في 6 ديسمبر 2017، وجاء حفل افتتاح السفارة متزامنا مع ذكرى حلول ذكرى قيام إسرائيل (النكبة الفلسطينية)، وبطبيعة الحال لاقى القرار الأمريكي حفاوة كبيرة في الأوساط الإسرائيلية كافة، في مقابل غضب عربي ورفض شبه عالمي، لأن القرار الأمريكي وضع مسمارا جديدا في نعش القضية الفلسطينية، وتحدى القومية العربية وقيم التاريخ والمعتقدات.

وفي الإطار نفسه؛ ظل الحديث عن صفقة القرن الأمريكية جعجعة بلا طحن طيلة عام 2018، فلم تعلن الولايات المتحدة عن تفاصيل دقيقة حول الصفقة، بينما أعلنت إسرائيل أنها غير مهتمة بها، خصوصا وقد حققت انتصارا كبيرا باعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لها، إلى جانب استمرار الاستيطان الإسرائيلي، والتوغل على الأراضي، وبناء المستوطنات، وهو ما يؤشر لكون العام 2018 إيذانا بنكبات فلسطينية جديدة.

 

ربما يعجبك أيضا