“نون النسوة” في 2018.. الانتصارات تولد من رحم المعاناة

ولاء عدلان

ولاء عدلان

لا يمكننا حقاً أن نقول إننا نعيش في عالم يسوده العدل حتى يتمكن نصف سكاننا المتمثلون في النساء والفتيات من العيش في مأمن من الخوف والعنف ومن انعدام الأمن يوميًا، هكذا تحدث أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة في اليوم العالمي للقضاء على #العنف_ضد_المرأة  الذي يصادف الـ25 من نوفمبر من كل عام، معتبرا أن العنف ضد النساء سبب رئيس في انعدام العدل والأمن ببلدان العالم.

وبهذه المناسبة أطلقت الأمم المتحدة حملة بعنوان “اصغوا إليّ أيضا” HearMeToo#، لإعطاء مساحة أوسع لأصوات النساء والفتيات للحديث والعمل على إنهاء العنف ضدهن، مؤكدة أن  ثلث نساء العالم تقريبا يتعرضن للعنف القائم على نوع الجنس، وبدلا من تحميل الجناة المسؤولية يُلقى اللوم في كثير من الأحيان على النساء اللواتي يتعرضن للعنف، بل ويتم التشكيك في شهاداتهن بشكل منهجي.

أرقام صادمة

تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن العنف ضد النساء أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا في عالمنا اليوم، فنحو 71٪ من جميع ضحايا الإتجار بالبشر حول العالم هم من النساء والفتيات، و3 من أصل 4 من هؤلاء النساء يتعرضن لجرائم اغتصاب، ونحو 137 امرأة يلقين حتفهن يوميًا على أيدي الشريك أو أحد الأقارب، كما أنه يتم تزويج ما يقارب الـ 750 مليون امرأة وفتاة على قيد الحياة اليوم في جميع أنحاء العالم، قبل بلوغهن سن الثامنة عشرة، بحسب أحدث إحصائية لليونسيف.
 
ربما نتخيل أن المشكلة محصورة في بلدان العالم النامي، لكن “زواج الأطفال” على سبيل المثال سنجده يشكل ظاهرة في أمريكا نفسها، ففي يونيو 2017 عدّلت ولاية نيويورك قانونا كان يتيح للأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 14 سنة الزواج، ليصبح العمر القانوني للزواج 18 عاما، ما يمارس ضغوطا على الولايات الأخرى لتحذو حذوها.
 

وفيما يتعلق بفقر النساء والتمييز العرقي، هذا العام وبحسب بيانات أممية في دراسة شملت 89 بلدًا، زاد عدد النساء اللاتي يعشن على أقل من 1.90 دولار في اليوم الواحد بمقدار 4.4 مليون مقارنة بالرجال، وفي الولايات المتحدة شكلت معدلات الفقر بين النساء المنحدرات من أصول سوداء أكثر من ضعف نسبة نظرائهن من النساء البيض والآسيويات، وكان التباين في التعليم صادما أيضا، حيث بلغت نسبة النساء من أصول لاتينية ممن لم يكملن الدراسة الثانوية 38% مقارنة بالمعدل الوطني البالغ 10%، ما يؤكد انتشار ظاهرة التميز العرقي في قلب “أمريكا الحلم”.

وتقول “هيومن رايتس ووتش” في تقرير سيصدر كاملا في فبراير 2019، إن تصاعد الصراعات أدى إلى نمو ظاهرة الاتجار بالزوجات من ميانمار إلى الصين، حيث يقوم المهربون باستهداف النساء، لبيعهن للعائلات الصينية التي تسعى جاهدة لإيجاد عرائس لأبنائها مقابل مبالغ تتراوح بين 3000 و13000 دولار، ثمة أدلة مماثلة على حالات تهجير العرائس والاتجار بهن في كمبوديا وكوريا الشمالية وفيتنام.

وحتى داخل مجال السياسية النساء ليست بمأمن من العنف الذي يبدأ من التمييز الجنسي، متمثل في حرمانهن من الوصول إلى بعض المناصب، وصولا إلى جرائم التصفية الجسدية، على سبيل المثال ما شهده العراق هذا العام من جرائم متسلسلة لتصفية ناشطات كانت أبرزهن الحقوقية سعاد العلي، التي اغتيلت برصاص مجهولين في البصرة جنوب البلاد في سبتمبر الماضي.

نصف الكوب الممتلئ

على الجانب الآخر هناك بقعة ضوء، إذ سجلت النساء هذا العام بعض المكاسب في مختلف بلدان العالم وعلى مختلف الأصعدة، ففي عالمنا العربي بات بإمكان السعوديات الانتساب للجيش اعتبارا من فبراير الماضي، كما بات في إمكانهن حضور المباريات الرياضية.

كما شهد أكتوبر الماضي أيضا اختيار سيدة الأعمال لبنى العليان لرئاسة مجلس إدارة بنك “ساب الأول”، في سابقة بتاريخ القطاع المصرفي السعودي.

وفي البحرين  فازت النائبة البحرينية فوزية زينل مطلع الشهر الجاري، برئاسة مجلس النواب، لتصبح بذلك أول امرأة في تاريخ المملكة تتولى هذا المنصب الرفيع.

على المستوى التشريعي كان لدول المغرب النصيب الأكبر، فعلى سبيل المثال وافق البرلمان المغربي مطلع العام، على مشروع قانون يسمح للنساء بالعمل كاتبات عدل وهو المنصب الذي كان مقصورا على الرجال، كما أقر في فبراير قانونا يجرّم العنف ضد المرأة، وقالت منظمة “هيومان رايتس ووتش” أن إقرار القانون جاء بعد أكثر من عقد من العمل الدؤوب للمنظمات المدافعة عن حقوق النساء في المغرب.

أما القارة السمراء صاحبة نصيب الأسد في العنف ضد المرأة، فاحتفلت في أكتوبر الماضي بانتخاب الدبلوماسية ساهلي ويرك زويدي رئيسة لإثيوبيا كأول سيدة تتقلد هذا المنصب في تاريخ البلاد الحديث، والمرأة الوحيدة في أفريقيا التي تشغل مقعد الرئاسة.

الولايات المتحدة أيضا سجلت هذا العام خطوات نحو مزيد من تمكين المرأة، ففي مارس جرى تعيين جينا هاسبل على رأس جهاز الاستخبارات “CIA”، لتكون أول امرأة تتولى هذا المنصب بتاريخ أمريكا، وفي مايو جرى تعيين ستيسي كونينغهام رئيسة لبورصة نيويورك، وهي المرأة الأولى التي تتولى هذا المنصب منذ نحو 226 عاما بتاريخ البورصة.

 هذا العام شهدت انتخابات التجديد النصفي للكونجرس ترشح عدد نساء كان الأعلى على الإطلاق، وفاز عدد غير مسبوق منهن، كان أبرزهن أول مسلمتين في تاريخ الكونجرس وهما رشيدة طليب –  ولاية ميشيغان-  وهي أيضا أول أمريكية من أصل فلسطيني تفوز بعضوية مجلس النواب، وإيلهان عمر – ولاية مينيسوتا- المنحدرة من عائلة صومالية.

ربما الحدث الأبرز لهذا العام، كان منح جائزة نوبل للسلام في أكتوبر الماضي للناشطة الكردية الإيزدية نادية مراد، والذي جسد انتصارا للناجيات من العنف حول العالم، فمراد هي  فتاة إيزدية، ولدت في قرية كوجو العراقية عام 1993، وفي 2014 اختطفها مسلحو داعش وتعرضت على أيديهم لكافة أشكال العنف الجسدي والنفسي إلى أن تمكنت من الهرب في 2015، لتؤكد أن النساء يدفعن ثمن الحروب أكثر من مرة وبصور شتى.

ربما يعجبك أيضا