الحكومة التركية تواجه هتاف “عمل – خبز – حرية” بـ “رفع الحد الأدنى للأجور”

يوسف بنده

رؤية

تتزايد المخاوف لدى الحكومة التركية من احتمال أن تمتد مظاهرات أصحاب السترات الصفراء من فرنسا لتشمل أوروبا، وتصل إلى تركيا بشكل يهدد النظام الحاكم في تركيا.

تتصاعد هذه المخاوف بعدما تظاهر آلاف الأتراك السبت الماضي في شوارع اسطنبول احتجاجا على غلاء المعيشة وارتفاع معدّل التضّخم في تركيا.

ووسط مواكبة أمنية مشددة رفع المتظاهرون لافتات تشير إلى تحرّك السترات الصفراء في فرنسا الذي انطلق كتظاهرة ضد ارتفاع أسعار المحروقات قبل أن يكتسب زخما ويتحوّل إلى احتجاجات ضد الحكومة.

وهتف المتظاهرون “عمل، خبز، حرية” رافعين لافتات كُتب عليها “الأزمة لهم والشوارع لنا” و”حزيران” في إشارة إلى التظاهرات الحاشدة التي شهدتها تركيا في يونيو 2013 ضد رجب طيب إردوغان، الذي كان حينها رئيسا للوزراء، عندما انطلقت احتجاجا على مشروع بناء مركز تسوق في حديقة غيزي قرب ميدان تقسيم في وسط اسطنبول.

وتأتي تظاهرة السبت بعد نحو أسبوع من تظاهرة دعت إليها كونفدرالية نقابات موظّفي القطاع العام وشارك فيها الآلاف احتجاجا على غلاء المعيشة في دياربكر في جنوب شرق البلاد.

تدهور الاقتصاد

تدهور الوضع الاقتصادي كثيرا في تركيا في الأشهر الأخيرة بسبب تراجع قيمة الليرة التركية على خلفية توتر دبلوماسي مع واشنطن صيف 2018 ورفض الأسواق السياسات الاقتصادية لأنقرة.

وبلغ التضخم في نوفمبر 21,62 بالمئة بالنسق السنوي متراجعا عن أعلى مستوى له منذ 15 عاما بعد أن بلغت نسبته في اكتوبر 25,24 بالمئة. وعلى الرغم من الإجراءات الحكومية يشعر السكان يوميا بارتفاع الأسعار.

ومنذ مطلع 2018 خسرت الليرة التركية نحو 22.5 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار.

كذلك تباطأ نمو الاقتصاد التركي بنسبة 1.1 بالمئة في الفصل الثالث مقارنة بالفصل السابق، ما أثار المخاوف من حصول ركود اقتصادي.

ويدخل الاقتصاد في حالة ركود بعد انكماش لفصلين متتاليين.

وكانت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية قد اكدت تصنيفها الائتماني لتركيا عند (BB)، مع نظرة مستقبلية سلبية.
وقالت إنها تتوقع ألا تحقق تركيا المستويات المستهدفة في خطتها للترسيخ المالي في العامين 2018 و2019 بسبب تأثير اقتصاد ضعيف على الإيرادات.

وقالت إن السياسة النقدية لتركيا أثبتت لفترة طويلة أنها غير قادرة على تثبيت التضخم عند مستويات في خانة الآحاد وإنها تتوقع أن يبقى التضخم في تركيا في خانة العشرات حتى نهاية 2020.

وبالرغم من الحقائق التي تظهرها الأرقام يواظب الرئيس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إطلاق وعوده الانتخابية، ويؤكد على أن “اقتصاد بلاده سيحقق صعودًا قويًا في المرحلة القادمة”.

ودعا إلى “نقل قوة الاقتصاد التركي إلى جميع أنحاء العالم، انطلاقًا من المناطق القريبة”.

وأوضح أردوغان أن تركيا جذبت استثمارات مباشرة بقيمة 15 مليار دولار فقط بين عامي 1975 و2002 بينما بلغ هذا الرقم 201 مليار دولار خلال الأعوام الـ16 الأخيرة.

الحد الأدنى للأجور

وتحاول الحكومة التركية امتصاص النقمة الشعبية المتفاقمة بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وفي هذا السياق قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس الثلاثاء إن تركيا ستخفض أسعار الغاز الطبيعي عشرة بالمئة للمنازل والشركات في 2019.

وقالت وزيرة العمل التركية إن تركيا ستزيد الحد الأدنى للأجور بنسبة 26 بالمئة في 2019 ليصبح 2020 ليرة (381 دولارا) شهريا.

وأعلنت وزيرة الأسرة والعمل والخدمات الاجتماعية زهراء زمرد سلجوق القرار اليوم، بعد الاجتماع الرابع لـ”لجنة الحد الأدنى للأجور” في العاصمة أنقرة.

وقررت لجنة الحد الأدنى للأجور، رفع صافي الحد الأدنى للأجور بـ26% مقابل 1603 ليرة على أساس سنوي، بينما سيرتفع الحد الأدنى لإجمالي الدخل، قبل خصم أقساط الضمان الاجتماعي وضرائب الدخل إلى 2558 ليرة (482 دولار).

ووفقا لاحصائيات، فإن التقديرات تشير إلى أن نحو سبعة ملايين عامل يحصلون على الحد الأدنى للأجور من بين إجمالي القوة العاملة التي يصل قوامها إلى 63،29 مليون شخص.

التضخم قادم

إعلان حكومة العدالة والتنمية عن زيادة في الحد الادنى للاجور؛ هي محاولة من أجل تطمين الرأي العام ومسعى استعراضي لتأكيد متانة الاقتصاد التركي و الخروج من الأزمة و كسب الرأي العام استعدادا للانتخابات البلدية المقبلة.

لكن خطة الحكومة لزيادة الحد الأدنى للأجور بأكثر من الربع العام المقبل من المتوقع أن تصحبها موجة تضخم جديدة ستضاف للموجات التضخمية السابقة.

ويرى اقتصاديون ان هذه الموجة سوف تضيف ما بين 1.5-2 نقطة مئوية للتضخم في اقل التقادير.

فالحد الأدنى للأجور جرى رفعه بهامش كبير بسبب التضخم المرتفع. من المتوقع أن يضيف 1.5-2 نقطة لتضخم عام 2019. لكن هذا الأثر قد يتغير بما يتماشى مع النمو”.

ونقلت وكالة بلومبرج للأنباء عن تقرير “موديز” الصادر تحت عنوان “النظرة المستقبلية الكلية للعالم: 2019 إلى 2020” القول إن تركيا دخلت تقريبا مرحلة الركود الاقتصادي، مضيفة أن تركيا ما زالت عرضة للصدمات الخارجية في ظل أوضاع داخلية تزداد صعوبة.

وتتوقع “موديز” استمرار معدل التضخم المرتفع في تركيا خلال الشهور المقبلة، حيث سيظل أكثر من 10% حتى نهاية 2020، وبخاصة نتيجة استمرار ضعف قيمة العملة التركية وضغوط أسعار النفط العالمية.

كانت البيانات الاقتصادية الصادرة قد أظهرت ارتفاع معدل تضخم أسعار المستهلك في تركيا بأكثر من التوقعات على خلفية استمرار ارتفاع الأسعار نتيجة تراجع سعر الليرة التركية أمام الدولار.

بلغ معدل التضخم خلال أكتوبر الماضي 2ر25% مقابل 5ر24% خلال سبتمبر الماضي، في حين كان متوسط توقعات المحللين الذين استطلعت وكالة بلومبرج للأنباء رأيهم 25% فقط.

في الوقت نفسه، ظل معدل التضخم السنوي في تركيا عند أعلى مستوى له منذ يونيو 2003، وبلغ معدل التضخم الشهري خلال الشهر الماضي 67ر2% مقابل 5ر2% خلال سبتمبر الماضي.

وبلغ معدل التضخم الأساسي الذي لا يتضمن أسعار الغذاء والطاقة الأشد تقلبا خلال الشهر الماضي 3ر24% مقابل 1ر24% خلال سبتمبر الماضي.

ويظهر معدل التضخم المرتفع المصاعب التي يواجهها صناع السياسة النقدية والمالية في تركيا نتيجة تراجع الليرة التركية منذ بداية العام الحالي، حيث قال محافظ البنك المركزي التركي مراد جتين قايا، مؤخرا إن تدهور سعر العملة، هو أكبر خطر يهدد استقرار الأسعار على المدى القصير.

وكان البنك المركزي التركي توقع أن يُسجّل التضخم نسبة 23.5 بالمئة بحلول نهاية 2018، و15.2 بالمئة في 2019، و 9.3 بالمئة في 2020.

ربما يعجبك أيضا