طرد الدبلوماسيين الإيرانيين.. صراع داخل أجنحة السلطة في طهران

يوسف بنده

رؤية

تعد عملية طرد الدبلوماسيين الإيرانيين المتكررة، دليلًا على وجود أزمة في السياسة الخارجية لإيران، إلى جانب التدليل على وجود أزمة تقاسم سلطات وصراعات على الزعامة داخل إيران؛ فجهاز الدبلوماسية الإيراني لا يخلو من السقوط في دائرة الهيمنة من جانب الاستخبارات والمؤسسة الأمنية والعسكرية في إيران. وهو ما يخالف طبيعة هذا الجهاز.

وكانت وزارة الخارجية الألبانية قد أعلنت، الأربعاء الماضي 19 ديسمبر/كانون الأول، طرد السفير الإيراني في العاصمة الألبانية تيرانا.

ووفقًا لشبكة تلفزيون ألبانية، فقد طُرد الدبلوماسيان الإيرانيان لاتهامهما بالضلوع في هجوم إرهابي أثناء مباراة لكرة القدم في تيرانا بين منتخبي إسرائيل وألبانيا.

وفي الأثناء، رحب كل من وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون بولتون، بخطوة الحكومة الألبانية، وأشارا عبر حسابهما على “تويتر” إلى أن إيران تدعم الإرهاب بشكل مباشر.

وشهدت الأشهر الأخيرة طرد واعتقال كثير من الدبلوماسيين الإيرانيين في دول أوروبية مختلفة بتهم الإعداد لمخططات “إرهابية” على الأراضي الأوروبية، حيث أعلن مسؤولون أمنيون، بداية شهر يوليو السابق، عن “اعتقال دبلوماسي إيراني في ألمانيا شارك في التخطيط للعملية الإرهابية التي استهدفت الاجتماع السنوي لمنظمة مجاهدي خلق في ضواحي باريس”.

وأعلنت وزارة الخارجية الهولندية، في شهر يوليو نفسه، أنها طردت دبلوماسيين إيرانيين اثنين من البلاد. وفي أكتوبر، أعلنت الحكومة الفرنسية أيضًا أنها “قامت بطرد دبلوماسي إيراني متورط في “العملية الإرهابية” نفسها في ضواحي باريس.

کما أدانت الدول الإسكندنافية إلى جانب الحكومة الدنماركية، في نوفمبر الماضي،  نظام الجمهورية الإسلامية بتهمة التخطيط لاغتيال أحد معارضيها في الأراضي الدنمارکية.

قائمة من المطرودين

يقول المحلل السياسي والدبلوماسي الإيراني السابق، حسين عليزاده، في مقال نشره موقع ايران انترنشنال: يمكن رؤية شدة التوتر في العلاقات الدبلوماسية بين إيران والبلدان الأخرى، من خلال قطع 11 دولة لعلاقاتها مع الجمهورية الإسلامية، وهي: الصومال، وجزر القمر، وجيبوتي، وجزر المالديف، والسودان، والبحرين، والمملكة العربية السعودية، والمغرب، ومصر، وكندا، والولايات المتحدة الأميركية.

اللافت أن إسرائيل غير مدرجة في هذه القائمة، ربما لأن الجمهورية الإسلامية لم تقم علاقة دبلوماسية معها منذ البداية حتى تقطعها.

هناك أيضًا دول خفضت مستوى علاقاتها، من السفير إلى القائم بالأعمال- وهي ليست قليلة- لم يتم ذكرها في هذه القائمة. والمعروف أن خفض العلاقات الدبلوماسية دليل على عدم وجود علاقات جيدة بين الدول.

من خلال إلقاء نظرة على عدد الدول التي تقطع علاقاتها السياسية مع طهران- باستثناء البلدان التي تشهد حالة من تخفيض العلاقات- يمکن القول إن الجمهورية الإسلامية تحمل الرقم القياسي في مثل هذه الوضعية. ربما لا يمكن ذکر أي دولة أخرى تمر بمثل هذه “الأزمة الدبلوماسية”.

لكن هذا ليس كل القضية. فلا تتمتع علاقات الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالحميمية مع بعض الدول الأخرى التي يبدو أن علاقاتها مع إيران عادية.

على سبيل المثال، مع انتهاء مهمة السفير الفرنسي الأخير في طهران، لم ترسل باريس إلى الآن سفيرها الجديد لعدة أشهر متتالية.

أحد الأسباب الرئيسية لمثل هذا الموقف الفرنسي، في الوقت الذي تنشغل فيه طهران بالحفاظ على التوافق الأوروبي، يرجع لقضية يُزعم فيها أن دبلوماسيًا إيرانيًا مقيمًا في فيينا، كان يخطط لتفجير في تجمع لمنظمة مجاهدي خلق في باريس، بواسطة إيرانييَن-بلجيکيين.

بعد ذلك، جردت الحكومة النمساوية الدبلوماسي الإيراني من الحصانة الدبلوماسية، وهو الآن قيد الاعتقال في بلجيكا.

وفقًا لذاکرة کاتب هذا المقال، فقد حدثت حالات كثيرة لطرد دبلوماسيين إيرانيين من بلدان أخرى، لكن اعتقال دبلوماسي وسط صمت بلده لم يحدث أبدًا. عادة، تكون البلدان حساسة عند اعتقال مواطنيها العاديين في بلد آخر، فما بالك باعتقال دبلوماسي.

مع أخذ هذا الأمر في الاعتبار، فإن الصمت الإعلامي وعدم وجود حساسية من قبل طهران لاعتقال دبلوماسييها، أمر مثير للتساؤل جدًا.

قطار طرد الدبلوماسيين الإيرانيين

ويستطرد عليزاده في مقاله قائلًا: قيل إن الأزمة الدبلوماسية في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية يمكن أن تُرى من خلال تسجيل هذا النظام الرقم القياسي في قطع العلاقات مع البلدان الکبيرة والصغيرة، والمسلمة وغير المسلمة، والمجاورة وغير المجاورة، لكن هذا ليس كل القضية. تقريبًا منذ النصف الثاني من عام 2018، تحرَّك قطار طرد الدبلوماسيين الإيرانيين في الدول الأوروبية. وفي عرف العلاقات الدولية، يعتبر طرد دبلوماسي، حتى لو كان دبلوماسيًا صغيرًا، من الحكومة المضيفة، سلوكًا يدل على التوتر في العلاقات الثنائية.

تخيلوا أنه في غضون أقل من ستة أشهر، تحرَّك قطار طرد الدبلوماسيين الإيرانيين واعتقالهم.

أولاً: سلبت النمسا الحصانة من دبلوماسي إيراني، وقامت بلجيكا باعتقاله.

وثانيًا: طردت هولندا اثنين من الدبلوماسيين الإيرانيين للاشتباه في تورطهما في عمل إرهابي.

وثالثًا: طردت الدنمارك دبلوماسيًا بتهم مماثلة.

ورابعا: طردت ألبانيا مؤخرًا دبلوماسيَين إيرانيَين، يزعم أن أحدهما سفير إيران في تيرانا، بنفس التهمة.

بهذه الطريقة، ما حدث حتى الآن يمکن اعتباره “قطار طرد” لدبلوماسيي الجمهورية الإسلامية.

النقطة الثانية، من طرد دبلوماسي عادي إلى طرد السفير، ومن البديهي أن طرد السفير له معنى أسوأ. ولكن بغض النظر عن ذلك، وهو الأهم، فإن جميع الحالات تعود إلى تهمة واحدة: الأعمال الإرهابية على الأراضي الأوروبية.

ثلاثة سيناريوهات

ورغم خسارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لعبتها النووية، بحيث يئست من البرنامج النووي، ووقعت تحت العقوبات، واضطرت لربط بصيص أملها بـ”الاتفاق الأوروبي” لعله يکون حاميًا للنشاط الاقتصادي. إذن، لماذا تقوم طهران بکل هذه الأعمال الإرهابية في أوروبا؟!

من خلال تفسير الوضع الاقتصادي العصيب بسبب العقوبات الأميرکية من جهة، وحاجة طهران إلى الحفاظ على العلاقة مع أوروبا من جهة أخرى، نعلم أن السؤال أعلاه سؤال مهم جدًا. وهناك ثلاثة سيناريوهات للإجابة على السؤال.

أولاً: إرادة السلطة

في هذا السيناريو، وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة للجمهورية الإسلامية، فإن إرادة إيران من البداية للنهاية، هي لجوء طهران للاغتيال للقضاء على معارض انفصالي غير معروف في بلد أوروبي. وبموجب هذا الافتراض، فإن الاتفاق الأوروبي غير مهم بالنسبة لطهران، وكذلك وعد الجمهورية الإسلامية الذي أعطته بعد فضيحة ميكونوس، بأنها لن تغتال أحدًا بعد الآن في الجغرافيا الأوروبية.

ثانيًا: مؤامرة إسرائيل

بما أن إسرائيل كانت تعارض الاتفاق النووي بشدة، فمع وصول ترامب للسلطة، نجحت إسرائيل في إقناعه بالانسحاب من الاتفاق النووي، ولم تستخدم المؤامرات مرة واحدة بل استخدمتها أربع مرات بنجاح في أقل من ستة أشهر لإقناع الاتحاد الأوروبي بالانسحاب من الاتفاق النووي.

وفقًا لهذا الافتراض، يجب أن تكون الاستخبارات الإسرائيلية فعالة ومؤثرة في وزارة الخارجية الإيرانية لدرجة أنها تمكنت من تصميم وتنفيذ هذا العدد من المؤامرات الناجحة في أقل من ستة أشهر.

ثالثا: صراع داخل السلطة

في هذا الافتراض، نظرًا إلى أن الجمهورية الإسلامية هي نوع من النظام “الإقطاعي” وأن كل جناح يملك جزءًا من القوة ويستخدمه لضرب الجناح الآخر، فقد كانت الحالات التي وقعت في سفارات إيران دليلاً على محاولة تآمرية من قبل قسم من السلطة ضد قسم آخر (الموافق على الاتفاق النووي)، وحتى من خلال هذا الأمر، تکون حكومة حسن روحاني في مواجهة الحكومات الأوروبية. ومع دفن الاتفاق النووي ووصول حکومة روحاني إلى الطريق المسدود ستتفاقم الظروف ضده بسرعة الضوء. ويجب أن لا ننسى أن انفجار الغضب في يناير (كانون الثاني) 2018 الذي امتد إلى 100 مدينة، بدأ من مشهد وبشعار “الموت لروحاني”.

في ظل هذا الافتراض، فإن الجناح المعارض الذي يهدف لتعطيل حکومة روحاني، وضمان عدم تحقيق أي إنجازات للحكومة لإعطائه إلى حلفاء الجناح المعارض في عام 2021 من أجل الوصول للحکم، مستعد لأخذ البلاد إلى عتبة احتجاجات يناير (كانون الثاني) 2018. وبالتأکيد توجد أرضية لذلك.

وفي هذا الافتراض أيضًا، فإن الجناح المعارض سيقمع الاحتجاجات، مثلما قمع احتجاجات 2018 و2009، کي يحمّل الحکومة مسؤولية القمع، وأيضًا يوفر أسباب الإطاحة بحكومة روحاني ووصول “لابسي الأحذية العسکرية” للسلطة.

النتيجة

الافتراضات المذكورة، على الرغم من عدم سهولة إثباتها، لا يمکن ردها بسهولة أيضًا. ومن المهم أن نعرف أن السؤال المطروح أعلاه هو سؤال صحيح: لماذا نفذت الجمهورية الإسلامية أعمالا إرهابية على الأراضي الأوروبية في أقل من ستة أشهر، مع أنها في حاجة إلى أوروبا؟

قد يكون من الممكن العثور على الجواب في أحد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي قال في إدانة العمل الذي كان من المقرر أن يحدث في باريس: “ليس من الواضح حتى الآن لفرنسا أي جناح من السلطة الإيرانية كان وراء هذا العمل الإرهابي”.

مثل هذا التصريح من قبل ماكرون يدل على احتمال حدوث السيناريو الثالث، على الأقل من نظر الحكومة الفرنسية. وبناءً على ذلك، سيكون من الممكن معرفة سبب عدم حساسية حكومة روحاني تجاه اعتقال واستجواب ما يسمى الدبلوماسي المعتقل.

نستنتج من ترجيح السيناريو الثالث على السيناريوهين الآخرين، أن الصراع على السلطة في إطار سلطة الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد بلغ ذروته.

ربما يعجبك أيضا