فاتورة المجاملة الأمريكية لإسرائيل تدفعها خارج يونسكو

حسام السبكي

حسام السبكي

بمزاعم “الإصلاحات المفقودة” والانحياز الأزلي لـ “إسرائيل”، دخل قرار الولايات المتحدة الأمريكية – الأب الشرعي لكيان الاحتلال الصهيوني الغاصب – من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو”، اليوم الإثنين، حيز التنفيذ، ليكمل الانسحاب الأمريكي الأول من منظمة حقوق الإنسان الأممية، لنفس الأسباب تقريبًا.

الخروج من “يونسكو”

رغم أنها من الأعضاء المؤسسين للمنظمة، اليوم تقرر الولايات المتحدة الأمريكية، الانسحاب رسميًا من “يونسكو”، بعد قرار وزارة خارجيتها في أكتوبر قبل الماضي، بالانسحاب من المنظمة.

الولايات المتحدة، ورغم تخليها رسميًا عن مقعدها السابق في المنظمة الدولية، إلا أن بمقدروها الاحتفاظ بصفة “مراقب”، وعليه فقد باتت غير ملزمة بدفع حصتها في تمويل مشاريع المنظمة الدولية.

واشنطن التي أبقت على تعاونها مع اليونسكو في برامج تهم مصالحها، خسرت بدورها حقها في التصويت في الجمعية العامة للمنظمة مع احتفاظها بصوت في المجلس التنفيذي، لأن قانون المنظمة ينص على الحرمان التلقائي من حق التصويت لأي دولة لا تدفع مساهمتها المالية.

مبررات الانسحاب

وضعت الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس المثير للجدل “دونالد ترامب”، نصب أعينها، ثلاثة مبررات، أو إن شئنا القول “مزاعم”، للخروج من “يونسكو”، تمحورت في “إنحياز المنظمة ضد إسرائيل”، و”قبول عضوية فلسطين”، و”رفض الإصلاحات الجوهرية للمنظمة”!.

ففي وقتٍ سابق، صرحت “هيثر ناويرت”، ممثلة الخارجية الأمريكية، بأن قرار الخروج من “يونسكو” لم يكن سهلًا، حيث تحدثت عن الأعباء المالية للمنظمة، والمخاوف من تزايد الديون، الملقاة على كاهل الولايات المتحدة، بصفتها الدولة النافذة داخل المؤسسة، بالإضافة “للتحيز المستمر ضد إسرائيل”، كما و دعت أمريكا أكثر من مرة لإجراء إصلاحات جذرية في المنظمة.

وأما قبول عضوية دولة فلسطين بشكل كامل، فهو تابع للاحتجاج الإسرائيلي على الخطوة ذاتها، التي رفضت مساواة الدولة الفلسطينية، بالأعضاء داخل المنظمة، وتحججت الولايات المتحدة وقتها بقوانينها التي تعترض على ذلك.

ردود أفعال متباينة

مع إعلان الإدارة الأمريكية، الأول في أكتوبر 2017، عن نيتها الانسحاب من اليونسكو، عبرت المديرة العام لمنظمة اليونسكو “إيرينا بوكوفا” عن “أسفها العميق” لقرار الولايات المتحدة الانسحاب من هذه الوكالة الدولية، معتبرة أنه “خسارة للتعددية”.

وقالت “بوكوفا” في بيان “أود أن أعبر عن أسفي العميق من قرار الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من اليونسكو”.

أما الحليف الأبرز، والسبب الأهم لدى الإدارة الأمريكية للانسحاب من المنظمة، إسرائيل، فأعلنت، عقب الإعلان الأمريكي عن عزمها الخروج من المنظمة الدولية، أنها ستحذو حذوها، وستنسحب من اليونسكو، مشيدة بقرار الولايات المتحدة.

وقال مكتب رئيس وزراء كيان الاحتلال، حينها، في بيان إن “رئيس الوزراء أعطى توجيهاته لوزارة الخارجية بتحضير انسحاب إسرائيل من المنظمة”.

واعتبر أن القرار الأمريكي “شجاع وأخلاقي لأن منظمة اليونسكو أصبحت مسرح عبث وبدلا من الحفاظ على التاريخ فإنها تقوم بتشويهه”.

تاريخ من التوتر

الانسحاب الأمريكي اليوم من المنظمة الدولية، لم يكن الأول من نوعه، فقد سبقه، قرار من الرئيس الأمريكي الأسبق “دونالد ريجان”، بالانسحاب من المنظمة الدولية عام 1984، احتجاجا على ما اعتبرته إدارة سيئة لهذه المنظمة، وتعارضا بين أهدافها والسياسة الخارجية الأميركية، واتهمتها حينها بالفساد والميل الأيدولوجي تجاه الاتحاد السوفياتي سابقا ضد الغرب.

ولما جاء الرئيس الأسبق جورج بوش الابن إلى السلطة، أعاد عضوية بلاده في المنظمة الأممية عام 2002، قائلا “إن اليونسكو تعلمت الدرس وتخلت عن تحيزاتها ضد إسرائيل والغرب”.

غير أن العودة الأميركية إلى أحضان اليونسكو لم تدم طويلا، فخلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما أوقفت واشنطن دعمها المالي للمنظمة أواخر عام 2011 احتجاجا على منح فلسطين العضوية الكاملة فيها.

وتحججت واشنطن بأن قوانينها تمنعها من تمويل أي منظمة تابعة للأمم المتحدة تمنح العضوية الكاملة لدولة فلسطينية، في إشارة إلى قانونين أميركيين اعتمدا مطلع التسعينيات.

وبموجب ذلك القرار أوقفت واشنطن تحويلا ماليا بقيمة 60 مليون دولار كان مقررا أن تتلقاه المنظمة الدولية.

وصرحت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة آنذاك سوزان رايس بأن منح العضوية الكاملة للفلسطينيين “سيضر المنظمة بشدة” ولا يمكن أن يمثل بديلا لمحادثات السلام مع إسرائيل.

وأصبحت فلسطين العضو 195 في اليونسكو يوم 31 أكتوبر 2011، إثر تصويت كاسح للمؤتمر العام عارضته 14 دولة فقط، ورفع العلم الفلسطيني بعد شهر من ذلك فوق مقر المنظمة الأممية في العاصمة الفرنسية باريس، بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس والمديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا.

وأدى الانسحاب الأميركي إلى أزمة مالية كبيرة داخل اليونسكو التي شهدت جراء هذه الخطوة اقتطاعا بنسبة 22% من ميزانيتها التي انخفضت من 653 مليون دولار إلى 507 ملايين، لكن البلغارية إيرينا بوكوفا نجحت بعد انتخابها على رأس المنظمة في جمع 75 مليون دولار لمواجهة الأزمة.

ولما جاء الرئيس دونالد ترمب إلى السلطة في يناير 2017، الذي يتبنى شعار “أمريكا أولا”، لم يخف تذمره من المبالغ المالية التي تقدمها بلاده للمنظمات الأممية، وأعلنت إدارته يوم 12 أكتوبر 2017 الانسحاب من اليونسكو، متهمة هذه المؤسسة بأنها “معادية لإسرائيل”، علما بأن تل أبيب -بدورها- أعلنت انسحابها من المنظمة بحجة أنها “مسرح للعبث يشوه التاريخ بدلا من الحفاظ عليه”.

وأرجع تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية سبب الانسحاب إلى رغبة إدارة ترمب في إجراء خفض بالميزانية، حيث إن المستحقات غير المدفوعة لواشنطن بلغت خمسمئة مليون دولار.

يذكر أن اليونسكو أثارت غضب الأمريكيين وحليفتهم إسرائيل بسبب القرارات التي اتخذتها بشأن فلسطين، ففي عام 2016 أدرجت المنظمة البلدة القديمة في القدس المحتلة وأسوارها ضمن قائمة المواقع المعرضة للخطر في العالم.

كما تبنت في نفس العام قرارا نفى وجود ارتباط ديني لليهود بالمسجد الأقصى وحائط البراق الذي يسميه اليهود “حائط المبكى”، واعتبرهما تراثا إسلاميا خالصا، إضافة إلى تصويت المجلس التنفيذي لليونسكو في 2017 على قرار يؤكد قرارات المنظمة السابقة باعتبار إسرائيل محتلة للقدس، ويرفض سيادتها عليها.

ربما يعجبك أيضا