لعبة الجواسيس في الصراعات الدولية… مرحلة جديدة من الحرب الباردة

محمود رشدي

رؤية- محمود رشدي

دخلت مرحلة الصراع ما بين القوى الدولية مرحلة جديدة من الصراعات الخفية متمثلة في حرب الجواسيس للتعرف على نوايا الدول الأخرى تجاه مناظريها ولاسيما الدول المتصارعة معها. وبدأت الحرب الأخيرة عقب بروز النجم الروسي في الساحة الدولية وسعيها لحيازة مكانة دولية ودوراً يضاهي إرثها السوفيتي السابق.

وفي الايام الماضية أعلن جهاز الأمن الفدرالي الروسي (إف إس بي) احتجازه مواطنا أميركيا- ضابط متقاعد في البحرية الأمريكية- في العاصمة موسكو “أثناء قيامه بعمل تجسس”. ووجهت السلطات الروسية تهمة “التجسس” إلى العسكري المتقاعد، وأمرت محكمة بتوقيفه احتياطيا. وطالب بومبيو وزير خارجية الولايات المتحدة بالوقوف على طبيعة احتجازه، داعياً موسكو للإفراج عنه.

ولم تكن تلك هي المرة الأولي التي تسببت في حدوث أزمة ما بين الأطراف الدولية، فقد سبقها أزمة الجاسوس الروسي “سيرجي سكريبال” وابنته يوليا في جنوب إنجلترا. قد تعرض لعملية تسمم في جنوب انجلترا واعتقل سكريبال عام 2006 في روسيا بعد أن اكتشف أمر تجسسه لحساب المملكة المتحدة وحكم عليه بالسجن 13 عاما، قبل أن يفرج عنه بعد 4 سنوات باتفاق لتبادل الجواسيس بين البلدين.

وتصاعدت الأزمة بين البلدين وصلت لحد طرد البعثات الدبلوماسية لكلا البلدين، وسارعت الولايات المتحدة لتبني وجهة النظر البريطانية ولاحقها عدد من دول الاتحاد الأوروبي.

وقد دخلت العلاقات بين القوى الكبرى لحالة احتقان شديدة تشبه ما كانت عليها المرحلة التي مر بها المجتمع الدولي في فترة الحرب الباردة، وبدأت تلك المرحلة الجديدة بعودة الدب الروسي بقوة للساحة الدولية بدأت باحتلالها لشبه جزيرة القرم التابعة لأوكرانيا في 2014.

لماذا تستعين الدول بالديناميكية الجاسوسية ؟

منذ قديم الأزل وتستخدم الدول جواسيسها للحصول على معلومات تختص بالدول الأخرى في محيطها الإقليمي والدولي، لحين أصبح للجاسوسية ركن أساسي لدى كل نظام سياسي تنشئه الدول عبر أجهزتها الاستخباراتية، وتعد تلك الديناميكية جزء أساسي من مفهوم الأمن القومي للدول في التحصل على معلومات وبيانات نظرائها. أضافة إلى أن سباق المعلومات بين الدول بات يشكل حافزاً للمعضلة الأمنية أو ما تعرف بـ “security Dilemma”.

وعلاوة على ما سبق، فلم تعد للآليات المسلحة ممثلة في الحروب والنزاعات العنيفة أية إمكانية للحدوث إلا في أضيق الحدود وحدة الخلافات وتهور القيادات السياسية، وذلك لعدة دعومال أبرزها الردع النووي والذي باكتشافه فتعى الدول يقيناً بتداعياته، والخليفة التاريخية عن المآسي البشرية التي أنتجتها الحروب العالمية. ولذا تتجه الدول في خلافاتها مع الدول باستلال منافذ أخرى أقل وطأة بين الدول مثل تقليص أو سحب البعثات الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية نهاية بالعزلة السياسية.

دلالات استعادة أجواء الحرب الباردة

تصاعدت لعبة الجواسيس بين روسيا من ناحية، والولايات المتحدة وبريطانيا من ناحية أخرى، عبر الصعود الروسي واحتلال شبه جزيرة القرم، والتنافس الأمريكي الروسي في منطقة الشرق الأوسط، أضافة إلى سباق التسلح بين البلدين. وتسعى روسيا لاستعادتها مكانتها الدولية لسابق عهدها في الإتحاد السوفيتي عبر عدة أزمات استمدت لكسب نتائجها لصالحها.
 
 
–  الأزمة الأوكرانية

عقب اندلاع المظاهرات في أوكرانيا عام 2014، والتي أطاحت بالرئيس “فيكتور يانوكوفيتش” المدعوم من روسيا، وصدور تغييرات سياسية أبرزها اعتماد الأوكرانية اللغة الرسمية، وإلغاء حق الأقليات في التحدث بلغاتهم ومنها الروسية، ما دفع البعض في رفض تلك التغييرات واندلاع شرارة فوضى انتهت بالتدخل الروسي في شبه جزيرة القرم لمساندة الرئيس فيكتور بصيغة دستورية متمثلاً في استفتاء شعبي تمت الموافقة عليه لانضمام شبه جزيرة القرم لروسيا.

الأمر الذي احتجت الدول الغربية عليه، وسارعت في فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا وإقامة حالة من الحصار السياسي، وتمثلت تلك الإجراءات في حظر سفر الروس لأوروبا، تجميد أصول مواطنيين ومسؤولين روس، بجانب إيقاف برامج التعاون الاقتصادي والعسكري.

–  التنافس بمنطقة الشرق الأوسط

لم تكن الأزمة الأوكرانية هي النزاع الوحيد بين الوقى الكبرى، ولكن دخلت على خط الأزمة بينهم التنافس على الزعامة الدولية بمنطقة الشرق الأوسط، وتمثلت في الصراع السوري الذي بدأ في 2011. دعمت الولايات المتحدة والدول الغربية فصائل المعارضة ضد نظام بشار الأسد، وغيرت تلك المساندة الغربية من ميزان المعادلة السورية لصالح المعارضة. وعقب تدخل روسيا في الصراع السوري باستدعاء الرئيس بشار الأسد، تغيرت موازين القوى لصالح النظام والحلف.

وعليه، فقد أدى بالنهاية لإعلان الولايات المتحدة الخروج من الأزمة السورية وأصبح لروسيا اليد العليا في روسيا في استعادة الأراضي السورية من أيدى المعارضة ولم يتبقى سوى الشمال السوري وتدور الآن مفاوضات سياسية ما بين روسيا وتركيا والنظام السوري بشأنها.

–  سباق التسلح بين روسيا والغرب

يعد سباق التسلح أبرز ملامح الخلاف بين القوى الصراعية، بما يهدد من احتمالية الانسحاب من اتفاقيات الحد من التسلح ولاسيما وقف تطور الأسلحة النووية.

اتهم ترامب كلا من روسيا والصين بزيادة ترسانتهما من الأسلحة وجر الولايات المتحدة إلى سباق تسلح، وتعهد بأن تعزز بلاده قدراتها النووية كي” تعيدها إلى رشدهما”، فيما هدد يوم 20 أكتوبر بالانسحاب من معاهدة نزع الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى مع موسكو، التي اتهمها بانتهاك هذا الاتفاق، وهذا ما تنفيه الأخيرة بشكل قاطع محملة واشنطن المسؤولية عن التداعيات المحتملة لهذه الخطوة “التي تهدد الأمن العالمي”.

في 2014، اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية الاتحاد الروسي، بإنتاج وتجربة منظومة صواريخ مجنحة، مخلة بذلك بشروط الاتفاق الموقع بينهما عام 1987 بشأن تدمير الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدي، وفي المقابل اتهمت موسكو واشنطن بإنتاج المنظومة الأمريكية المضادة للصواريخ “أيجيس” التي تعتبر خرقاً أيضاً لهذا الاتفاق.

ربما يعجبك أيضا