كيف يكون المشهد “الجهادي” في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي؟

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد
 
ظهرت” الفوضى  الجهادية” في أفغانستان من جديد، بالتزامن مع سياسة ترامب، بسحب القوات الأمريكية على الأرض من بعض المناطق الساخنة، مثل سوريا والآن أفغانستان، ربما ضمن استراتيجية أمريكية جديدة تعيد رسم الأولويات في المواجهة الأمريكية التي تصدرتها الصين.
 
وفي تطورات سريعة أعلنت إدارة البيت الأبيض خلال شهر يناير 2019، أن الولايات المتحدة “ملتزمة” بسحب قواتها من أفغانستان، بعد التوصل إلى أتفاق مع طالبان في مفاوضات الدوحة وإلى وقف لإطلاق النار، خطوة استباقية ما قبل الانسحاب الأمريكي المحتمل.
 
ووفقا إلى  تقرير “الفورين بوليسي” يوم 30 يناير 2019 نقلا عن سفيرأمريكا الأسبق في أفغانستان ريان كروكر قوله إن العملية الجارية بالدوحة تشير إلى أن الولايات المتحدة في طريقها لإنهاء وجودها في أفغانستان، وأن الرئيس الأمريكي اتخذ القرار، وأن واشنطن تتفاوض حاليا فقط على شروط الانسحاب، هذه التصريحات في أعقاب المفاوضات التي جرت مابين قادة طالبان والولايات المتحدة في الدوحة مطلع شهر يناير 2019 .
 
وفي هذا الإطار اعتبر المبعوث الأمريكي إلى أفغانستان زلماي خليل زاده أن المفاوضات مع طالبان في الدوحة أكثر إنتاجية مما كانت عليه في الماضي، مؤكدا أن الأطراف أحرزت تقدما كبيرا في القضايا الحيوية.

وقال وزير الخارجية الأمريكي “بومبيو “في حديث له إلى وسائل الإعلام يوم 27 يناير 2019  إن المفاوضات الجارية مع حركة طالبان الأفغانية أحرزت تقدما كبيرا، مؤكدا أن الولايات المتحدة، جادة بشأن التوصل إلى السلام في أفغانستان وسحب القوات الأمريكية.
 
أكثر من 17 عامًا وطالبان ما زالت تفرض سيطرتها في أفغانستان
 
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تقريرا يوم  10 أوغست 2018  تقول فيه، إن المسؤولين الأمريكيين يصدرون “تقارير مضللة” بشأن تقدمهم في أفغانستان بعد اكثر من 17 عامًا من الحرب، ما يعطي انطباعًا زائفًا بالوقائع على الأرض. المسؤولين الأمريكيين يزعمون أن الحكومة الأفغانية تسيطر على 56 بالمائة من أراضي أفغانستان؛ رغم أنها في الواقع تسيطر فقط على 29 بالمائة من البلاد.
 
 
مشاركة دول أوروبا في أفغانستان
 
تقدم الدول الأوروبية داخل قيادة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، في إطار عملية “الدعم الحازم”، المساندة للقوات الأفغانية ضد حركة طالبان، وتنتشر في 25 ولاية من ولايات أفغانستان البالغ عددها 34 ولاية، ومن الجدير بالذكر أن حلف الأطلسي ينشر 16 ألف عنصر في أفغانستان دعما للقوات الأفغانية، بينهم 13 ألف أمريكي.
 
وفي أعقاب الضغوطات الأمريكية على الدول الأوروبية، لتصعيد مساهماتها في دعم القوات الأمريكية في أفغانستان وكذلك دعم قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام، بذلت بعض الدول الأوروبية جهودا حثيثة لتصعيد عديد جنودها في أفغانستان.
 
بلجيكا: بذلت بلجيكا مسساعي حثيثة في أفغانستان، حيث يوجد ما يقرب من 90 جنديًا بلجيكا في كابول ومزار شريف، في إطار مهمة التدريب والمشورة التابعة للناتو، ورفعت بلجيكا أعضاء بعثتها لتصل إلى 220 جنديًا، وسيتم التشاور حول مهمة هؤلاء الجنود مع الشركاء في المهمة الأطلسية. وكانت اجتماعات وزارية في الناتو في يونيو 2018، قد ناقشت تمويل مهمة الناتو في أفغانستان المعروفة باسم مهمة الدعم الحازم لمساعدة القوات الأمنية الأفغانية، وجرت مناقشة التمويل حتى عام 2024، وفي هذا السياق قدم وزير الدفاع البلجيكي “ساندر لونيز “خطة لمجلس الوزراء، حول أولويات عمل الوزارة خلال عام 2019. وتتضمن الخطة سحب عناصر من القوات الخاصة البلجيكية، التي تعمل حالياً في مهمة تدريب وتأهيل القوات العراقية في الحرب ضد الإرهاب، وإرسال هذه القوات إلى أفغانستان.
 
بريطانيا : سعت الحكومة البريطانية إلى زيادة عدد أفراد القوات البريطانية في أفغانستان وذلك بعدما طلب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تعزيزات للمساعدة في التعامل مع الوضع الأمني الهش هناك.
 
ويفترض أن بريطنيا  نشرت 440 جندياً إضافياً في إطار بعثة الحلف إلى أفغانستان، ليرتفع العدد الإجمالي للقوات البريطانية هناك إلى نحو 1100، في وقت يطالب فيه ترامب حلفاءه بإنفاق المزيد على الدفاع، إشارة إلى تقارير صحفية صادرة في 11 اوغست 2018. وتشارك القوات البريطانية في مهمّة (الدعم الصامد)، وهي مهمّة يقودها حلف شمال الأطلسي لتدريب ومساعدة القوات الأفغانية.
 
ألمانيا:  تنشر ألمانيا 980 جنديًا متمركزين في جبال هيندو كوش في إطار مهمة “حلف شمال الأطلسي” ناتو لتدريب قوات الأمن الأفغانية وهم ثاني أكبر قوة بعد القوات الأمريكية وذكرت مجلة “دير شبيجل” الألمانية، في عددها الصادر 20 ديسمبر 2017، أن القيادة العسكرية للقوات الألمانية  كانت تحث على زيادة الحد الأقصى للجنود المشاركين في المهمة من 980 جنديا إلى 1400 جندي، نظرا للأوضاع الأمنية المضطربة في أفغانستان.
 
بولونيا: أكد الرئيس البولندي يوم 27 مارس 2018، أنه سيرسل مزيدًا من القوات إلى أفغانستان، يُذكر أن بولندا أرسلت  192 جنديًا بولنديًا إلى أفغانستان.
 
 
 
الخلاصة
 
إن الانسحاب الأمريكي المحتمل من أفغانستان بدون شك يترك فراغًا  أمنيًا كبيرًا في أفغانستان، ويشجع صعود طالبان، ويعطيها عوامل فرض السيطرة على البلاد بشكل أوسع، ورغم أن مفاوضات طالبان مع واشنطن، تطلب من أن لا تستضيف طالبان تنظيمات متطرفة أبرزها القاعدة وتنظيم داعش، إلا أن ذلك لا يمكن ضمانه مع طالبان.
 
المشكلة تكمن في أفغانستان، كونها تعتبر “المرجع” للحركات المتطرفة، أبرزها تنظيم القاعدة، الذي أعطى البيعة إلى زعيم طالبان آنذاك الملا عمر، وأعقبه الظواهري بتجديد البيعة إلى طالبان. هذا يضع طالبان، ربنا أمام خيارات صعبه، أما التخلي عن “الأيدلوجية المتطرفة” والتفرغ إلى إدارة الحكم في أفغانستان، وهو أمر مستبعد، وأما الإبقاء على علاقتها مع تنظيم القاعدة والتنظيمات المتطرفة، رغم توقيعها الاتفاق.
 
ومهما كان قرار طالبان، فيبدو أن مشهد العنف في أفغانستان مرشح للتصعيد بعد الانسحاب الأمريكي، إلى جانب العمليات التي ينفذها تنظيم داعش، في أفغانستان ضد أهداف مدنية.
 
الحركات “الجهادية” هي الأخرى تترقب ايضا ماتسفر عنها المفاوضات الأمريكية مع طالبان، ويبدو ان تنظيم القاعدة والظواهري، هو الخاسر الأكبر في أي اتفاق ما بين طالبان وواشنطن، وليس مستبعدًا أن يعيد الظواهري وتنظيم القاعدة مراجعة إعطاء البيعة إلى طالبان. هذه التطورات ممكن أن تصعد كفة تنظيم داعش على حساب تنظيم القاعدة، باستقطاب  عناصر ومؤيدين جدد، والحصول على تمويل أكثر.

الاتفاق ما بين طالبان أفغانستان وواشنطن أيضا يصعد حركة طالبان في الباكستان، رغم قدرة الاستخبارات الباكستانية بضبط الحركة، فإن انسحاب الأمريكي من شأنه يلقي بتداعياته على  القوات الأممية والقوات الأوروبية الموجودة هناك في أفغانستان، وممكن أن تتخذ قرارًا بالانسحاب المجدول.
 
 
 

ربما يعجبك أيضا