أهمية العمليات الاستباقية والكشف عن الخلايا النائمة في مكافحة الإرهاب

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد
 
“الضربة الاستباقية” هي المبادرة بالهجوم لمنع هجوم محتمل، ومثل هذه من العمليات لا يمكن تنفيذها إلا من قبل أجهزة استخبارات متمرسة وذات مهنية عالية. الضربات الاستباقية من شأنها تمنع وقوع العمليات الإرهابية وتفشل خطط الخلايا والتنظيمات، وتثير الإرباك في داخلها.
 
اعتمدت الاستخبارات الألمانية خلال عام 2018 و2019، استراتيجية جديدة، وهي تنفيذ العمليات الاستباقية، لإفشال خطط العناصر والتنظيمات الإرهابية، وهي مؤشر إيجابي، يزيد من ثقة المواطن بأجهزة الأمن.
 
ألقت الشرطة الألمانية القبض على ثلاثة عراقيين للاشتباه في تخطيطهم لهجوم ذي دوافع إرهابية وفقًا إلى تقرير الدوتش فيللة الألمانية في 30 يناير 2019. وعرف البيان الثلاثة بأنهم (شاهين ف.) و(حيرش ف.) و(رؤوف ف.) دون نشر كامل الأسماء.
 
وذكر مكتب المدعي الاتحادي أن شاهين حمل تعليمات من الإنترنت حول كيفية صنع قنبلة وطلب جهاز تفجير من أحد معارفه في بريطانيا، ومنعت السلطات البريطانية وصول هذا الجهاز إلى ألمانيا.
 

وفي قراءة حملات المداهمة التي شهدتها ألمانيا  فيمكن أن تعبر عن سرعة التحرك لإحباط مخططات إرهابية.  يقول “هولغر شميدت”، الخبير في شؤون الإرهاب في ألمانيا، خلال حوار أجرته معه DW عربية قائلا:  إن ذلك  يظهر مدى جدية المخاطر المحدقة بالبلاد، خصوصًا فيما يتعلق بنوعية المخاطر التي تهدد ألمانيا (…)” لكن في المقابل هي تعبر عن سرعة حركة الاستخبارات في تحديد مصادر التهديدات الأمنية.

 
أجهزة الاستخبارات.. توسيع الصلاحيات
 
كثفت الحكومة الألمانية في أبريل 2018 من جهودها لإنشاء مركز في إطار مكافحة الهجمات الإلكترونية، ويُتوقع أن يعمل (13.500) جندي و(1.500) موظف مدني في هذا المركز، وخططت ألمانيا في يناير 2018 لتوسيع وحدة الشرطة التابعة لها الموسومة بفرقة “GSG9” بمقدار الثلث ومنحها مقرا آخرا في العاصمة برلين، وذلك نظرا لاستمرار التهديد الإرهابي الذي تتعرض له، وتتمتع هذه المجموعة بتاريخ متميز امتد على زمن تجاوز أربعة عقود، وعلى الرغم من أن عدد أفرادها يبقى سريا، إلا أن وسائل الإعلام تقدره في حدود (400) عنصراً.
 
كشف تقرير صادر من الاستخبارات الداخلية الألمانية في سبتمبر2018 عن توسيع صلاحيات هيئة حماية الدستور من خلال مكافحة تسلل الإرهابيين إلى أوروبا، وإلى ألمانيا على وجه الخصوص مع موجات اللاجئين، هذا إضافة إلى برنامج مكافحة التطرف اليميني واليساري في ألمانيا، وتوسيع خطط برنامج مكافحة التجسس الاقتصادي والسياسي، وتطوير آليات مواجهة الهجمات على الإنترنت، وتطوير الهواتف المشفرة وتوسيع الرقابة بأجهزة التنصت وكاميرات الفيديو. وتدخل هذه التطورات ضمن برنامج “فينيكس” السري المتطور الذي تنفذه دائرة حماية الدستور لفرض الرقابة على الاتصالات الإلكترونية.
 
وفي هذا الإطار قال رئيس هيئة حماية الدستور السابق هانز – غيورغ مآسن  يوم 14 سبتمبر 2016 في حديث إلى وسائل الإعلام الألمانية: “يقلقنا أن هناك نوعية جديدة من الجناة تتمثل في جناة فرديين فقط على ما يبدو”، وتابع قائلا: “سوف يتم مراقبة هؤلاء المهاجمين عن بعد من الخارج عن طريق رسائل فورية، وتعد هذه النوعية من السيناريوهات تحديا خاصة بالنسبة للسلطات الأمنية- مثل الكشف عن الخلايا النائمة”.

 

النتائج
 
ـ إن قدرة أجهزة الاستخبارات الألمانية بالكشف عن مخطط لعمليات إرهابية لتنظيم داعش والجماعات المتطرفة، يعطي مؤشر بأن الاستخبارات الألمانية، ربما تعدت مرحلة ردود الأفعال، وانتقلت إلى مرحلة جديدة وهي تبني تنفيذ عمليات استباقية وتفكيك الخلايا.
 
ـ رغم ما شهدته ألمانيا من عمليات إرهابية، لكنها نجحت بجعل ألمانيا ساحة نظيفة نسبيا ومقارنة بما شهدته عواصم أوروبية أخرى.
 
ـ شهد عام 2018 وكذلك عام 2019، إلى إعلان الاستخبارات الألمانية عن كشف خلايا إرهابية بعضها مرتبط بتنظيم داعش، والبعض، يتم تنفيذها من وحي تنظيم داعش، بالحصول على التدريب والتمويل الذاتي، وهذا يعكس ضعف التنظيم في أوروبا.
 
ـ تحقيقات أجهزة الاستخبارات أكدت بأن الخلايا التي تم كشفها، غير مرتبطة بالتنظيم، وهذا مؤشر جيد يثبت بأن تنظيم داعش فقد الأتصال بشبكة عمله داخل أوروبا، وما تشهده ألمانيا في الوقت الحاضر، هو وجود أنصار إلى تنظيم داعش وإلى الجماعات المتطرفة ما زالت تعمل بمفردها لتنفيذ عمليات إرهابية.
 
ـ الاستخبارات الألمانية هنا، تعتمد الرصد والمتابعة ولمدة طويلة إلى المشتبه بهم من العناصر الخطرة التي ممكن أن تنفذ عمليات إرهابية.
 
في نموذج متابعة ألمانيا إلى الأشخاص الثلاث العراقيين، يعطي مؤشرًا إيجابيًا أيضا بآلية التعاون الاستخباري داخل أوروبا، بمنع بيع مواد كيميائية ذات أغراض مزدوجة، وكذلك في متابع الأشخاص المشتبه بهم مع بريطانيا .
 
وهذا يعني أن أعتماد العمليات الاستباقية أصبح استراتيجية جديدة للاستخبارات الألمانية، وهذه العمليات بدون شك لا يمكن تنفيذها بدون توفر المعلومات والبيانات حول الأهداف، المرتبط هي الأخرى بالإمكانيات المالية والبشرية لأجهزة الاستخبارات.
 
العمليات الاستباقية في ألمانيا، تعطي مؤشر، بأن تنظيم داعش، خسر عنصر المبادرة، وربما خسر حتى الدعم اللوجستي الذي تحصل عليه من “السلفية الجهادية”.
 
 
التوصيات

 
اعتماد العمليات الاستباقية بتفكيك خلايا داعش والكشف عن خطط لعمليات إرهابية قبل تنفيذها في سياسات مكافحة الإرهاب، هذا النوع من العمليات لا يقوم فقط بإفشال العمليات الإرهابية، بقدر ما يبعث رسالة إلى الجماعات المتطرفة، بأن خلايا التنظيم وتحركاتها أصبحت مكشوفة، رغم أنها ما زالت حرة، إن نشر العمليات الاستباقية، من شأنها  تثير الشكوك  بين أعضاء الجماعات المتطرفة وتبعث رسالة بأن خططهم أصبحت مكشوفة.

ربما يعجبك أيضا