المتمترسون خلف الشاشات يهددون الانتخابات الأوروبية في 2019

كتبت – علياء عصام الدين

من خلف أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، بات التحكم في الرأي العام -توجيهه وتشويشه وحرفه عن مساره- أمرًا في غاية السهولة، فقد استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأعوام الأخيرة أن ترسخ نفسها بوصفها فاعلًا قويًا في العملية السياسية والانتخابية بشكل كبير.

واقع جديد يستدعي إعادة قراءة المشهد السياسي -برمته- في ضوء دخول معطيات رقمية ومساحات أخرى تتحرك من خلالها منصات قادرة على حشد الرأي العام وتقليبه وحرفه، وفقًا لأجندات سياسية معدة سلفًا.

عكست منصات التواصل -وعلى رأسها “فيسبوك”- الحضور القوي لأولئك “المتمترسين خلف الشاشات” ومدى تأثيرهم في سير العمليات الانتخابية في كثير من البلدان العربية والغربية على السواء، حيث أضحت الحروب الإلكترونية والأخبار الزائفة تتحكم في مصائر الشعوب ومقدرات الأمم.

من خلف الشاشات

أضحت مواقع التواصل الأداة الأولى في إدارة الحملات الانتخابية، ظهر ذلك جليًا عقب حملة الانتخابات الخاصة بالرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما” الذي كان الشرارة الأولى التي فتحت الباب على مصراعيه لمواقع التواصل لتصبح الأداة الأكثر  فاعلية في الحشد والتواصل حتى لقب أوباما بأول رؤساء التواصل الاجتماعي.

فبأقل من كبسة زر كانت هذه المواقع وسيلة سهلة ومباشرة للتفاعل الفوري مع الناخبين وبأقل التكاليف، حيث سهلت حشد المؤيدين وتوجيههم للمشاركة في الانتخابات.

وفي المقابل، كانت هذه المنصات فرصة ذهبية للأطراف المنافسة لتشويه الخصوم من جانب والتدخل من قبل جهات أجنبية بأجندات معدة لدعم مرشح دون غيره، وهو ما حدث في التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الأمريكية واستفتاء بريكست في 2016.

في يناير 2017 حذر تقرير صادر عن المخابرات الأمريكية من الهجمات الإلكترونية الروسية التي تستهدف تشتيت الحملات الانتخابية للدول الحليفة، وهو ما حدث على الأرض عندما انتشرت العديد من الأخبار الزائفة والملفقة حول جرائم طالبي اللجوء في ألمانيا بغية التأثير على فرص نجاح المستشارة أنجيلا ميركل.

ولا يمكن نسيان التدخلات التي حدثت لدعم مرشحة اليمين المتطرف في فرنسا “مارين لوبان” على حساب منافسها الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون.

وكشفت استطلاعات أجنبية للرأي أن الأخبار الملفقة والكاذبة خلال الشهور الأخيرة في حملة الرئاسة الأمريكية على مواقع التواصل الاجتماعي قد نالت تفاعلًا جماهيريًّا فاق ذلك الذي نالته الأخبار الصحيحة المنشورة على أشهر المنصات الإعلامية الأمريكية.

ولا شك أن روسيا التي جعلت من الحرب الإلكترونية جزءًا من عملياتها العسكرية كان لها دور كبير في تعزيز الدور السلبي لمنصات التواصل في العملية الانتخابية.

مخاوف أوروبية

يترقّب العالم في 2019 سلسلة من الانتخابات الفاصلة التي ستجرى في عدد من الدول الأوروبية على رأسها البرتغال وبولندا واليونان وبلجيكا والدنمارك ودول أخرى، فضلًا عن الحدث الأكبر المنتظر في مايو المقبل وهو انتخابات البرلمان الأوروبي الذي يجمع 27 دولة ويشارك فيه حوالي 400 مليون مواطن من الاتحاد الأوروبي على أقل تقدير.

وأضحى احتمال صعود اليمين الشعبوي المتطرف واختراقه للبرلمان الأوروبي هاجسًا يشغل بال كثير من الأوروبيين، لاسيما بعد نجاحه في الزحف إلى البرلمانات الأوروبية.

وسارعت المفوضية الأوروبية لدعوة كل من جوجل وتويتر وفيسبوك إلى بذل المزيد من الجهود لمنع الأخبار الكاذبة وانتشارها خاصة مع اتجاه البلاد نحو انتخابات فاصلة.

ووسط تحذيرات متصاعدة من دور منصات التواصل في التلاعب بالرأي العام وإخراجه عن مساره الصحيح ورغبة في حماية العملية الانتخابية المقبلة من أي تدخلات سيبرانية، اتفق قادة الاتحاد الأوروبي -أكتوبر الفائت- على فرض عقوبات مشددة وإقرار قيود على الحملات التي تتم عبر الشبكة العنكبوتية من قبل الأحزاب السياسية منعًا لخطر التضليل والإساءة للناخبين وتقويض العملية الانتخابية برمتها.

دفعت الضغوطات الأوروبية والعالمية المتواصلة منصة فيسبوك -والتي تلاحقها اتهامات كبيرة بتفشي الأخبار الكاذبة في صفحاتها- إلى اتخاذ تدابير فورية تجنبًا لأي عقوبات قاسية.

واتجه فيسبوك إلى إنشاء ما يعرف باسم “غرفة الحرب” فضلًا عن إعلانه إطلاق أداوت جديدة الشهر المقبل، تهدف إلى منع أي محاولات للتدخل في انتخابات البرلمان الأوروبي.

وأعلنت الشركة عن تعزيز أدوات الشفافية المخصصة لإزالة الحسابات المزيفة والقضاء على التضليل في الحملات السياسية، مشيرًا إلى أن أكثر من 30 ألف شخص يعملون على السلامة والأمن في فيسبوك، وهو ما يعادل 3 أضعاف الرقم المسجل في 2017.

وعلى الرغم من الإجراءات الوقائية التي أعلن عنها فيسبوك تبقى منصات التواصل مصدر تهديد كبير لترسانة السياسيين، لاسيما في الأوقات شديدة الحساسية وهي مرحلة ما قبل الانتخابات.  
 

ربما يعجبك أيضا