انتخابات الكنيست 2019 .. “جانتس” يسعى لإسقاط الملك “بيبي”!

محمد عبد الدايم

رؤية – محمد عبدالدايم

“أنا صهيوني”.. هكذا وصف بيني جانتس نفسه في أول خطاب انتخابي له بعد إعلان تدشين حزبه الجديد مناعة لإسرائيل، ليعلن رسميًا خوضه سباق الانتخابات الإسرائيلية القادمة في إبريل القادم متحديا رئيس الوزراء الحالي ورئيس حزب هاليكود بنيامين نتنياهو.

بيني جانتس الذي أصبح يمثل حالة في الأوساط السياسية والجماهيرية الإسرائيلية يعتبره الكثيرون المنافس الأقرب لنتنياهو، مع تاريخ عسكري في الجيش الإسرائيلي من أبرز محطاته العدوان على غزة عام 2014.

رغم الزخم الذي أحدثه دخول الجنرال السابق معترك السياسة الإسرائيلية، ورغم اعتباره “حصان طروادة” بالنسبة للكثيرين، فإن كل استطلاعات الرأي حتى الآن تعطي أفضلية لحزب هاليكود وبنيامين نتنياهو، لكن المتغير الآن هو صعود بيني جانتس وحزبه الجديد إلى المرتبة الثانية في عدد المقاعد بعد هاليكود.

غزة بطاقة ترشح

اختار بيني جانتس أن يعلن عن نفسه سياسيًا عبر غزة، حيث أطلق الشهر الماضي ثلاثة مقاطع مصورة استعرض فيها “منجزه” العسكري في غزة، إبان توليه منصب رئاسة الأركان الإسرائيلية، وتحدث أحد المقاطع بـ”فخر” عن مقتل أحمد الجعبري النائب السابق للقائد العام لكتائب القسام، والذي اغتالته قوات الجيش الإسرائيلي عام 2012.

كما أظهر مقطع آخر لقطات للدمار الذي أحدثه الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة خلال العملية العسكرية المسماة بـ”الجرف الصامد” عام 2014، وفي الفيديو الثالث ظهرت لقطات لمناحيم بيجن مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وبنيامين نتنياهو مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في إشارة لرغبة في الوصول إلى حل سلمي للصراع.

بعيد هذه الفيديوهات الترويجية وقف أخيرا جانتس ليلقي خطابه الأول الذي أعلن فيه بشكل رسمي استعداده لخوض الانتخابات، وظهر جليا أن الجنرال السابق يحرص على التموضع في معسكر اليمين، عبر استخدامه مصطلحات معبرة عن “القومية” ووضع إسرائيل فوق الجميع، وهو الشعار الذي اتخذه لحملته الانتخابية.

استغلال ورقتي إيران وحماس

ولأن إيران في بؤرة الاهتمام الإسرائيلي حاليا، خصوصًا مع تمركز قواتها في سوريا شمالا، وعودة العقوبات الأمريكية، فإنها أصبحت مادة جيدة للدعاية الانتخابية الإسرائيلية، فعلى غرار نتنياهو الذي لا يكل عن تهديد إيران؛ اتخذ جانتس المسار نفسه، ووجه تهديداته لإيران، مؤكدًا على مواجهتها بكل قوة، واعترها الموضوع الرئيس في أجندته الأمنية.

واستثمارا لتاريخه مع قطاع غزة؛ وجه جانتس كذلك تهديداته في خطابه إلى حركة حماس، وركز على تهديد قادتها أنفسهم، بانتهاج سياسة الاغتيالات بحقهم.

ولم يغفل جانتس عن التأكيد على تعزيز الاستيطان الإسرائيلي، واستمرار السيطرة على غور الأردن وهضبة الجولان، وبطبيعة الحال لا تراجع عن وضعية القدس كعاصمة لإسرائيل.

يمين تقليدي

لم يأت خطاب الترشيح الذي أدلى به جانتس بجديد عما يتوقعه أي ناخب يميني، تهديد إيران وحماس، استمرار الاحتلال والاستيطان، التمسك بالقدس عاصمة لإسرائيل، إعلاء أهداف الصهيونية، والتشديد على يهودية الدولة، وهي الأجندة ذاتها التي يتبناها أي حزب أو ناخب يميني في إسرائيل، وفي مقدمتهم هاليكود وبنيامين نتنياهو.

وليس أوضح إثبات على يمنيته من انضمام وزير الدفاع السابق، موشيه يعلون، إلى قائمته، اليميني القومي الذي لا يوافق على إقامة دولة فلسطينية، ويدعم الاستيطان في الضفة الغربية، وإضافة إلى يعلون يستهدف جانتس استقطاب رئيس الأركان السابق الآخر جابي أشكنازي، ليصبح حزبه تكتل سياسي لجنرالات سابقة، كما انضم إليه أقطاب الفكر الصهيوني اليميني، منهم يوعز هندل، الصحفي الذي عمل سابقا لدى نتنياهو في طاقمه الإعلامي.

من يقول إنه ليس يمينيا أو يساريا فهو يساري

في المقابل استغل نتنياهو تصريح جانتس بأنه “ليس يمينيا أو يساريا” وهاجم الجنرال المنافس له معتبرا أن من يصرح بهذا هو يساري بالضرورة، وانسحب هجوم نتنياهو على جانتس إلى أفراد حزبه وإلى أعضاء ائتلافه الحكومي، ومنهم نفتالي بينط وزير التعليم الذي اتهم جانتس بالضعف والفشل إبان عمله بالجيش، واعتبر أن جانتس طيب لكنه ضعيف ومتردد.

أما معسكر المعارضة الإسرائيلية، فقد تلقت تصريح جانتس بأنه ليس يمينيا ببعض الاستبشار، لكن العديد منهم اعتبر عدم تحديده لأيديولوجيته علانية أمر غير جيد على الإطلاق، فمسألة تحديد الأيديولوجية السياسية أمر مفروغ منه بالنسبة لمرشح يستهدف تحقيق نصر كبير في أول انتخابات سياسية يخوضها، لكنه بدا في خطابه الأول وكأنه يخبط ود الجميع، يمين ويسار، إرضاء لهم.

الملاحظ، بكل وضوح، أن هجوم نتنياهو وحزبه وحلفائه على جانتس ليس من قبيل الصدام بين الأيديولوجيات، اليمينية واليسارية، فالموقف الفكري والسياسي لرئيس الأركان السابق واضح ومُعلن دون أن يصرح به، جنرال عسكري سابق، يحمل عداء واضحا للفلسطينيين، وأجندة في أولوياتها الاستيطان وبسط سطوة الاحتلال، ودعم يهودية الدولة، والتشدق بشعارات الصهيونية، ليس يساريا بأية حال.

إسقاط بالفساد أو بتحالف كبير

أصبح واضحًا للجميع أن بنيامين نتنياهو لن يسقط إلا باتهام مباشر بالفساد يطاله، وهنا الجميع ينتظر ما سيعلن عنه المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت، ولكن حتى لو وجه الأخير انهاما لنتنياهو فربما لن يمنعه من الترشح والفوز في الانتخابات، خصوصا مع الدعم الكبير الذي يحصل عليه رئيس الوزراء من حزبه ومن حلفائه في الائتلاف، والبديل هنا لإسقاطه هو تدشين تحالف سياسي وانتخابي كبير يمكن أن يواجه تحالف هاليكود وأحزاب اليمين معه، والأنظار هنا متجهة لحزب مناعة لإسرائيل ورئيسه بيني جانتس وإلى حزب ييش عاتيد ورئيسه يائير لابيد.

بديل الملك بيبي

تشير آخر استطلاعات الرأي أن تحالفا بين جانتس ولابيد يمكن أن يمنح الثنائي عددًا من المقاعد قد يزيد عن عدد المقاعد التي سيحققها هاليكود في الانتخابات القادمة، حيث شارت نتائج الاستطلاع إلى حصول تحالف جانتس – لابيد على 36 مقعدا مقابل 32 لحزب هاليكود، وهنا يمكن للبعض الحديث عن إمكانية إيجاد بديل لـ”الملك بيبي” (بنيامين نتنياهو)، لكن حتى الآن يبدو أن المفاوضات بين جانتس ولابيد لم تسفر عن اتفاق جدي يقضي بالتحالف بينهما، كما أن رئيس الأركان السابق لم يعلن صراحة رفضه الدخول في حكومة تحت قيادة نتنياهو إذا ما نجح الأخير في الانتخابات القادمة، ففي حالة عدم وجود تحالف بين جانتس ولابيد سيفوز هاليكود بنحو 32 مقعدًا مقابل 24 مقعدا لحزب جانتس، أي أن الجنرال السابق يمكن أن يحظى بعرض من نتنياهو ليدخل معه في ائتلاف حكومي، خصوصا وأن الائتلاف اليميني الحالي يتداعى مع زيادة مطامع نفتالي بينط، وتفرق قوى اليمين القومي.

احتمالات عدة ومتصدر واحد

الاحتمالات متعددة، لكن تبقى صدارة هاليكود – مع نتنياهو أو في غيابه – هي الأمر المؤكد، ومن السذاجة تخيل حدوث انتفاضة يسارية مثلا، بل الشواهد تؤكد على هزيمة كبيرة لأحزاب اليسار القديم – مثل هاعفودا – أو أسماء سياسية كانت بارزة في السابق، مثل تسيبي ليفني وحزبها هاتنوعا، أو أفيجادور ليبرمان وحزبه يسرائيل بيتينو، أما “الملك بيبي” فيواجه ثلاثة أعداء: جانتس الذي سيسلب حزبه بضعة مقاعد بالكنيست، ومندلبليت الذي يتأهب لتوجيه لائحة اتهام، والثالث هو جدعون ساعر عضو حزبه المدعوم من رئيس الدولة رؤوفين ريفلين، خصوصا مع تقدم ساعر في الانتخابات الداخلية المؤهلة للترشح لانتخابات الكنيست، أينعم لم ينل المركز الأول على لائحة هاليكود، لكنه جاء في المرتبة الخامسة، ويتحين موقف نتنياهو مع من اتهامات الفساد ليرتب خطوته القادمة، مع وجود مؤشرات على أن ساعر سيكون المرشح الأوفر حظا في خلافة نتنياهو إذا ما تنحى “الملك” عن المشهد.

الصراع في انتخابات الكنيست القادمة يميني تشوبه حروب شخصية تنبئ بزخم على مستوى الحراك الانتخابي، ولكنها لا تنبئ عن تغير أيديولوجي في الفكر السياسي العام بإسرائيل.

ربما يعجبك أيضا