الاتهامات الأمريكية لشركة هواوي.. حقائق أم ضغوط سياسية ؟

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي

في ظل الصعود الصين كأحد أقطاب النظام العالمي، لتنفرد بتحقيق معدلات نمو تحتل المكانة الأولى عالمياً منذ الأزمة المالية لعام 2008، بدأت الصين في اتخاذ مسار صناعة التكنولوجيا والابتعاد قليلاً عن مجرد التقليد أو سرقة التكنولوجيا الغربية، ويصبح لها بصمة عالمية في مجال التكنولوجيا والتقنية، وبالفعل بدأت شركات صينية تغزو الأسواق الدولية بتكنولوجيا صينية بأسعار منافسة، وبات لشركاتها الريادة في هذا المجال عقب تحقيق معدلات بيع عالمية لتفوز شركة هواوي الصينية بأعلى معدلات بيع لمنتجاتها في العام الماضي.

عقب صعود شركات صينية في مجال التكنولوجيا ومنافستها للشركات الأمريكية، اشتعلت الحرب الصينية الأمريكية ولاسيما عقب قدوم دونالد ترامب 2016، لتبدأ معها منافسة شرسة بين البلدين، في محاولة صينية لريادة هذا المجال التقني -مجال منافسة دولية بين الدول العظمى- وسياسة أمريكية لتمسكها بالانفراد بوحدويتها على قمة قطاع التكنولوجيا عالية التقنية، كما تزامن مع المنافسة الصينية للشركات الأمريكية، الاتهامات الروسية بالتدخل في الانتخابات الأمريكية الأخيرة؛ وما زال التحقيق بها جاريًا وظهور عدد من الأدلة بالتورط الروسي ووقوفها وراء عدد من الشركات المتدخلة المؤيدة لفوز ترامب، الأمر الذي جعل البعض يطلق على المرحلة القادمة “حرب باردة بنكهة سيبرانية”.

تصاعد وتيرة الصراع

تداولت وسائل الإعلام أخبارًا عن اعتقال كندا، منغ وانزوهو، المديرة المالية لشركة هواوي وابنة مؤسسها، رين شنغ، بناءً على طلب السلطات الأمريكية للاشتباه بخرقها للعقوبات الأمريكية على إيران، مما دفع الصين إلى الاحتجاج والمطالبة بالإفراج عنها، و طلبت الصين من كندا أن “تصحح هذا الخطأ على الفور وأن تعيد إلى منغ حريتها”.

استدعت محكمة فدرالية في نيويورك هواوي للمثول أمامها في 14 مارس الجاري، للرد على سلسلة اتهامات بالاحتيال المصرفي على خلفية مزاعم بالتآمر لخرق العقوبات الأمريكية على إيران، بالإضافة إلى سرقة أسرار تجارية من منافس أمريكي.

علمًا أن هذه المرة لم تكن الأولى، ففي وقت سابق من هذا العام، مُنعت الشركات الأمريكية من التصدير إلى شركة الاتصالات الصينية “زد تي” بسبب انتهاك العقوبات المفروضة على إيران وكوريا الشمالية، مما أدى إلى إغلاق الشركة فعليًا، لكن أمريكا عدلت عن قرارها وفرضت غرامة قدرها 1.2 مليار دولار تقريبًا بدلًا من الحظر.

الاستقلالية الصينية والريادة العالمية

اتبعت “هواوي” استراتيجيات إدارية وقواعد تسويقية وتسعيرية ساعدتها على تحقيق نجاحات ملحوظة، ففي عام 2010، ظهر اسمها لأول مرة في قائمة أغنى 500 شركة في مجلة “فورتشن” الأمريكية، بعد أن حققت مبيعات بقيمة 21.8 مليار دولار وصافي نصيبها من الأرباح 2.67 مليار، ما أثار اهتمام وفضول العالم نحوها ولا سيما أنها قدمت أكثر من 44 ألف طلب براءة اختراع داخل الصين في عام 2013، وحوالي 19 ألف طلب خارج البلاد .

لكن اللحظة الفارقة كانت في عام 2016، حين سيطرت “هواوي” على 10% من إجمالي حجم السوق العالمي بعد أن نجحت في شحن حوالي 149.3 مليون هاتف ومعدات اتصال محققةً نمو بنسبة 30.2%، وانتشار في أكثر من 170 دولة، لتحتل المرتبة الثالثة عالميًا بعد شركتي سامسونج وآبل، ومن هنا أصبحت “هواوي” مصدرًا للقلق بالنسبة لأمريكا على الصعيد الأمني والاقتصادي.

تهديد المكانة الأمريكية

منذ البداية، قررت الصين أن تكون لاعبًا منافسًا ومُصِدرًا في السوق، لا أن تكون عميلًا ثانويًا ومستوردًا، ولذلك رأت أن السوق الأمريكي الوجهة الأنسب لتحقيق هذه الغاية، وتبعًا لذلك توجهت “هواوي” لعقد اتفاقات مع شركات مسؤولة عن بيع الأجهزة الإلكترونية في أمريكا مثل “إيه آند تي” و”فيرايزون” و”بيست باي”، وفي وقت لاحق تفاجئت “هواوي” بضربة قوية تمثلت بفسخ هذه العقود التجارية وفض أي عملية بيع لمنتجاتها في أمريكا.

يعود السبب في ذلك إلى اتهام الشركة بإنتاج معدات تهدد الأمن القومي الأمريكي، وذلك على خلفية تقارير لجنة الاستخبارات الوطنية التي عبرت عن مخاوفها الأمنية من أجهزة هواوي، وطالبت بتجنب التعاون مع شركات صينية أخرى أو أي جهات تعتمد في بنيتها التحتية على معدات من إنتاج شركات صينية، بذريعة أنها تتعاون مع الحكومة الصينية لتسريب بيانات المستخدمين.

في وقت لاحق، كشف تقرير استخباراتي أمريكي لأول مرة عن العلاقة التي تربط بين “هواوي” و بين جهاز الاستخبارات في بكين، ويقول: إن الشركة تلقت مؤخرًا ما يقرب من ربع مليار دولار من الحكومة الصينية خلال السنوات الثلاث الماضية، فضلا عن صلتها بالجيش الصيني ومحاولتها الحصول على الأسرار والاستخبارات الاقتصادية من شبكات الكمبيوتر الحكومية والخاصة في جميع أنحاء العالم.

وبالفعل مُنعت “هواوي” من دخول الولايات المتحدة منذ عام 2012، وليس ذلك فحسب، فقد ذكرت “وول ستريت جورنال” هذا العام أن “واشنطن تدرس زيادة المساعدات المالية لتطوير قطاع الاتصالات في الدول التي تتجنب الأجهزة الصينية الصنع”، مضيفةً أن “من بين ما يقلق الحكومة، استخدام أجهزة اتصال صينية في دول تستضيف قواعد عسكرية أمريكية مثل ألمانيا وإيطاليا واليابان”.

ربما يعجبك أيضا