مكافحة المحتوى الإرهابي عالميًّا .. ازدواجية التعامل وثغرات التنامي

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي

عقب الهجوم الإرهابي الدموي بنيوزيلندا، وما خلفه من أكثر من 100 قتيل وجريح، شرعت الدول في توجيه اتهامها لشركات التكنولوجيا من ضمنها فيس بوك، والتلويح بإجراءات قانونية أكثر تقييدًا لعملها.
فقد استغل اليميني المتطرف”برينتون تارانت” المتسبب في حادثة الأمس، ميزة البث المباشر لتطبيق فيسبوك لنشر جريمته مع أصدقائه، الأمر الذي دميت قلوب العالم أجمع من فظاعة المشهد، ووحشية التنفيذ، بما لا يقل فظاعة عن عمليات الإعدام لتنظيم داعش.
بالرغم من استجابة شركات التكنولوجيا للحادث من إزالة فيديو الجريمة، ومنع انتشاره على منصات الفيسبوك واليوتيوب، مراعاة لأهالى الضحايا، واحتراماً للآدمية الإنسانية من نشر هكذا فيديو مروع.
فلا يخيل إلينا أن تطبق “لعبة البابجي” على أرض الواقع، يروح ضحيته العشرات من الأبرياء في مساجد عبادتهم، ولذا صرح عدد من الدول بالتنديد بالحادث واعتبروه نوعاً من إرهاب اليمين المتطرف.  
تنظيف المنصات
من جانبه، دعا وزير الداخلية البريطاني، ساجد جاويد، شركات مواقع التواصل الاجتماعي إلى “تنظيف منصاتها” من المحتويات الحاضة على العنف والإرهاب والكراهية وإلا ستتخذ إجراءات قانونية بحقها.
وشدد جاويد على أن منصات الإنترنت تقع عليها مسؤولية ضمان ألا تكون منصات يستخدمها الإرهابيون للترويج لأعمالهم.
وهنا نطرح سؤالا هاماً، هل ستتخذ الدول الغربية إجراءات قانونية لتضييق الخناق على تيارات اليمين المتطرف مثلما فعلت مع تنظيم داعش لمنع تمدده داخل أوروبا والعالم الغربي؟
منذ عام 2015، شرعت الدول الأوروبية لخلق لتشريعات قانونية وإجراءات أمنية أكثر صرامة للتعامل مع مواطنيها المتورطين أو ممن تشك بارتباطهم بداعش، لمنع تكرار العمليات الإرهابية على أراضيها مرة أخرى.
الأمر الذي اعتبره البعض إجراءات صارمة تجاه مواطنيها فقد تجاهلت نداءات العودة ممن سافروا إلى سوريا خلال الأعوام الماضية، واتخاذ إجراءات قانونية تسمح للسلطات إسقاط الجنسية ومنعهم من دخول أوروبا، إذ رفضت استقبالهم -بالأساس- خوفًا من احتمالية كونهم أيقونة أخرى للإرهاب الإسلامي داخل أوروبا.
أما عن مكافحة الإرهاب السيبراني المتعلق بالتنظيمات الإرهابية، أُلقيت على السلطات الأمنية مهمة أخرى لا تقل أهمية عن المواجهة الميدانية؛ وهي مواجهة التغلغل الإرهابي عبر منصات العالم الافتراضي (الإنترنت) التي يتردد عليها العالم أجمع، خاصة أنها أصبحت مصدر خطر في كونها وسيلة استقطاب، أو آلية لتنفيذ عمليات إرهابية في غير أماكن وجودها.
بالتزامن مع اقتتال الإرهابيين في ميدان الواقع، أنشأت الدول مراكز رقمية لمواجهة الإرهاب في العالم الافتراضي، وسعى الاتحاد الأوروبي (الذي عانت دوله في الآونة الأخيرة من هجمات ذئاب داعش المنفردة)، لإنشاء مراكز لمحاصرة الخلافة الافتراضية للتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش.

وأوكلت المهمة الجديدة لوكالة تطبيق القانون الأوروبية “اليوروبول”، وهو جهاز أنشئ ليسهر على أمن أوروبا ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود ومنظمات المافيا الإيطالية والروسية، وتوسع دوره ليحمل على عاتقه مهمة التنسيق بين أجهزة الشرطة الأوروبية في مجال مكافحة الإرهاب.

  توصيات

لابد أن تدرك السلطات الغربية بأن خطر اليمين المتطرف ما زال في ازدياد، ومن المحتمل أن يصبح أكثر خطورة على بنية المجتمعات من تنظيم داعش، فلو تتبعت تعليقات الأشخاص على مجزرة الأمس لأدركت الكم الهائل من الانحطاط الآدمي، والعنصرية الفجة التي وصل له مؤيدي اليمين المتطرف، من الفرحة والتهليل لارتكاب مثل تلك الوحشية بحق أناس لا يملكون حق الدفاع عن أنفسهم، آمنين في صومعتهم.
كما ينبغي أن تسعى تلك الدول لمواجهة كلا التيارين الإرهابيين؛ الإسلامي واليميني المتطرف، فلا يقل تيار اليمين المتطرف في إرهابه عن تنظيم داعش المحسوب على التيار ات الإسلامية المتشددة. 
إضافة إلى أن التغاضي عن مثل هذا الحدث بدون إجراءات ملموسة ضد التطرف اليميني لن يخلق إلا وحشاً متطرفاً من كلا الجانبين، كلاهما يملك حججاً واهية للوجود.
الأخطر هو سعي كلا التيارين لكسب أعضاء جدد إليه، تدعم أفكارهم، مدركين أن الانتصار لا يتأتى إلا بالقضاء على التيار الآخر وداعميه.

ربما يعجبك أيضا