لماذا تراوغ واشنطن حول بقاء قواتها في سوريا؟

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبد النبي

وسط حالة من ضبابية السياسة الأمريكية التي يتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سوريا، يبقى مصير القوات الأمريكي غير محسومًا، في ظل عدم الاتفاق على تأسيس منطقة أمنة في الشمال السوري ومعارك قائمة ضد تنظيم داعش في آخر معاقله بدير الزور، فهل تراوخ واشنطن لكسب مزيدًا من الوقت؟ أم تترك الساحة لعسكرة روسيا وإيران للتحكم في مسار الأزمة السورية التي دخلت عامها الثامن دون الوصول لحل سياسي.

كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن في ديسمبر الماضي عن انسحاب جميع القوات الأمريكية من سوريا، لكنه تعرض لضغوط من البنتاجون والبيت الأبيض للإبقاء على 400 جندي بينهم 200 جندي بقاعدة التنف العسكرية  جنوب سوريا.

لكن ما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال” نقلًا عن مسؤولين أمريكيين عن سعى واشنطن للاحتفاظ بنحو ألف جندي في سوريا حتى بعد هزيمة داعش، أثار الجدل حول جدية الولايات المتحدة من الانسحاب من سوريا، حيث يتواحد الآن نحو ألفي جندي أمريكي في سوريا يدعمون قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والتي تُحارب داعش في أخر معاقله في سوريا.

ووفقًا لما ذكرته الصحيفة، فإن واشنطن لم تتمكن من الوصول إلى اتفاق مع تركيا وحلفائها الأوروبيين وقوات سوريا الديمقراطية التي يشكل تنظيم “بي كا كا” سوادها الأعظم، حول تأسيس منطقة أمنة في الشمال السوري.

ومن شأن تلك الاستراتيجية العسكرية الجديدة أن تزيد من التوتر القائم مع تركيا، التي هددت بمهاجمة القوات الكردية في سوريا، لاسيما مع فشل المحادثات مع تركيا والقوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين في التوصل إلى اتفاق بشأن “منطقة أمنة” في شمال سوريا.

من جانبها، نفت الولايات المتحدة ما جاء في تقرير الصحيفة الأمريكية، عن اعتزامها ترك نحو ألف جندي في سوريا، مؤكدة أن الخطط لإبقاء قوة من حوالي 200 جندي لم تتغير، وهو ما جاء في بيان لرئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال جوزف دانفورد.

وأكد رئيس الأركان الأمريكي، أن الخطة التي تم الإعلان عنها في شهر فبراير لم تتغير، لافتَا إلى تنفيذ توجيه الرئيس بتخفيض القوات الأمريكية.

لكنه أضاف أنّ الولايات المتحدة تواصل  تنسيقها العسكرية مع هيئة الأركان التركية لمواجهة المخاوف الأمنية التركية على طول الحدود التركية السورية، مؤكدًا أيضًا أن بلاده ستواصل إعداد الخطط اللازمة لدعم المرحلة الانتقالية في سوريا مع باقي أعضاء التحالف الدولي لمحافحة داعش.

ويأتي التنسيق الأمريكي التركي لضمان أمن المقاتلين الأكراد، فيما يخشى الأوروبيون أن يجدوا أنفسهم في وضع صعب إذا قامت تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي بعملية ضد المقاتلين الأكراد الذين تعتبرهم “إرهابيين”.

كان القرار بإبقاء قوات أمريكية بعد وعد ترامب بسحب جميع القوات بعد هزيمة داعش، نتيجة للضغوطات التي تعرض لها ترامب من مستشاريه لضبط سياسته لضمان حماية القوات الكردية التي تحارب داعش، وكذلك لتكون بمثابة حصن ضد نفوذ إيران.

من جهتها، دعت إيران القوات الأجنبية إلى مغادرة الأراضي السورية فورًا، وخصوصًا من منطقة إدلب وشرق الفرات في إشارة إلى القوات الأمريكية التي تقود التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، وهو ما جاء على لسان رئيس الأركان الإيراني محمد باقري.

وأضاف باقري، أن تواجد القوات الإيرانية في سوريا جاء بدعوة رسمية من الحكومة السورية، ومن ثم فعلى باقي الدول التنسيق والحصول على إذن من النظام السوري.

وعلى الرغم من الخلافات الظاهرة حيال بقاء القوات الأمريكية من قبل الجانب الروسي والإيراني والمساعي الأمريكية لإيجاد حل سياسي، يبدو أن هناك تنسيقًا أمريكيًا روسيًا حيال الوضع في سوريا، يتم بموجبه انسحاب تدريجي لأمريكا وإخلاء الساحة لعسكرة روسيا وإيران، في قوت ينساق فيه موقف الحلفاء الأوروبيين للقرار الأمريكي الذي بات ضبابيًا وتشوبه الريبة والشك بسبب الخطوات الإرتجالية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي قد تبدو كذلك لكنها تتفق في باطنها مع التوجهات الروسية الساعية لفرض قوة النظام السوري بالسلاح.

المعضلة أن حلفاء النظام السوري يروجون إلى استعادة سوريا وانتهاء الأزمة إلا أن واقع المأساة التي أنهت حياة أكثر من 400 ألف سوري وتشريد أكثر من 11 مليون سوري وأزمات تواجه حوالي 13 مليون، تؤكد عكس ذلك لتسطر الأزمة مرحلة جديدة من سطورها بعد القضاء على أخر جيوب داعش، والتي قد يتم بموجبها تسوية قد تحتاج لمراوغة أمريكية جديدة بتنسيق مع الجانب الروسي، وأداتها القوات الأمريكية في سوريا والداعمة لقوات كردية تزعزع استقرار تركيا.

ربما يعجبك أيضا