عندما صنعت مصر قلبها بيدها ليعيش إلى الأبد!

شيرين صبحي

رؤية- شيرين صبحي

تمنى الدكتور مصطفى مشرفة، أن تعيد ثورة 1919، تشكيل الإنسان المصري تشكيلا جديدا، لذا كانت هذه الثورة هي بطلة روايته الوحيدة “قنطرة الذي كفر”، والتي تدور في ربع شيخ العطارين بعابدين، وأبطالها هم أبناء هذه المنطقة الشعبية الفقيرة بكل ما يسحقهم من فقر ومرض وقهر.

البطل يدعى الشيخ عبدالسلام قنطرة، خريج دار العلوم الذي لا يجد عملا، والذى يصلي وفكره مشغول بالهواجس الجنسية والمشاغل المادية. للهروب من الفقر يسير في طريق “القوادة”، ثم يستطيع بالنفاق أن يسافر في بعثة إلى فرنسا، وهناك يرى الإلحاد مقترنا بحرية العقل وسمو الأخلاق، ثم يعود إلى مصر وينفعل بثورتها المشتعلة ويشارك في النضال الوطني، لكن يمزقه الصراع وتناقضات نشأته البائسة وما اكتشفه من مثاليات جديدة، فيكون الانتحار هو النهاية.

الشعب الذي يعلم بقلبه لا بعقله

“إن هذا الشعب الذي تحسبه جاهلا ليعلم أشياء كثيرة، لكنه يعلمها بقلبه لا بعقله”.. عاصر توفيق الحكيم الثورة وشارك فيها، ووزع منشوراتها، وسجن بسببها، لذلك تمثل روايته “عودة الروح” تجربة حياتية حقيقية عاشها مؤلفها، ووضع فيها رؤيته الذاتية لمصر.

كتب الحكيم روايته عام 1927 عندما كان طالبا في باريس. وفيها يحكي عن “محسن”، الذي ترك قريته دمنهور وعائلته الثرية ليلتحق بإحدى مدارس القاهرة، فيعيش حياة بسيطة في حي السيدة زينب مع أعمامه الثلاثة وعمته وخادم من القرية. يقع الرجال في حب جارتهم “سنية” الفتاة العصرية التي تعزف على البيانو، ولكنها تقع في حب جارهم “مصطفى”، وهو شاب ميسور الحال يترك دكانه في كفر الزيات ويأتي إلى القاهرة بحثا عن وظيفة، فتشجعه سنية على العودة إلى دكان أبيه.

تنفجر ثورة 1919 فيشارك فيها محسن وأعمامه والخادم، “ما غابت شمس ذلك النهار حتى أمست مصر كتلة من نار، وإذا أربعة عشر مليونا من الأنفس لا تفكر إلا في شيء واحد: الرجل الذي يعبر عن إحساسها والذي نهض يطالب بحقها في الحرية والحياة قد أخذ وسجن ونفي في جزيرة وسط البحار”.

“العاطفة انفجرت في قلوبهم في لحظة واحدة، لأنهم جميعا أبناء مصر ولهم قلب واحد”. ينتهي بهم الحال في زنزانة واحدة في السجن ثم في غرفة واحدة في مستشفى.

لم تكن “عودة الروح” تأريخا للثورة بل تأريخا لشعور الحكيم بها، وتجسيدا لجوهر الفكرة المصرية كما آمن بها، وهي فكرة الاستمرارية التاريخية التي تقاوم الموت. يقول “إني دائماً مؤمن بأن مصر لا يمكن أن تموت لأن مصر منذ الأزل ظلت تعمل وتكدّ منذ آلاف السنين لهدف واحد مكافحة الموت”. “أمة أتت في فجر الإنسانية بمعجزة الأهرام لن تعجز عن الاتيان بمعجزة أخرى.. أو معجزات! أمة يزعمون أنها ميتة منذ قرون ولا يرون قلبها العظيم بارزا نحو السماء من بين رمال الجيزة. لقد صنعت مصر قلبها بيدها ليعيش إلى الأبد..!”.

ربما يعجبك أيضا