الانتخابات المحلية التركية.. هل تهدد الأزمة الاقتصادية فرص حزب أردوغان؟

محمود رشدي

رؤية- محمود رشدي

تحمل الانتخابات المحلية التركية القادمة تحديات كبيرة أمام حزب أردوغان، فلا زالت الأزمة الاقتصادية التي تقبع بها البلاد في ذروتها، إذا انخفضت الليرة التركية بمعدل نفس قيمتها الحقيقية أما الدولار، إضافة لارتفاع أسعار السلع الأساسية لأكثر من الضعف، ما جعل الكثيرون مستاؤون من تصريحات اردوغان وحديثه عن الإمبريالية العثمانية أو الإمبراطورية التركية. القاعدة الأساسية لقيام دولة قوية هو اعتمادها على اقتصاد قوي يمكنها من اكتساب مكانة دولية بين الأمم وفي قمة الدول الاقتصادية.

يعد الملف الاقتصادي التحدي الأكبر الذي يواجه أردوغان وحزبه في هذه الانتخابات. الإنجازات الكبيرة التي لطالما تغنى بها الحزب وأردوغان، على مدى سنوات حكمه السبع عشرة، من معدلات نمو اقتصادي ومشاريع بنية تحتية، وطرق وجسور وأنفاق ومطارات، تقف عاجزة اليوم، أمام ارتفاع نسب البطالة والتضخم في البلاد.

خسرت الليرة التركية حوالي 30% من قيمتها مقارنة بالدولار الأمريكي منذ بداية السنة، وانخفض حجم التداول في سوقها المالي إلى 17%، أو إلى 40% إذا جرى قياسه على الدولار الأمريكي كما يفعل بعض المستثمرين الأجانب.

هنالك أيضاً مقياس آخر تتم متابعته في السوق وهو تكلفة ديون الدولة، فاستدانتها لمدة 10 سنوات من نفس عملتها تكلفها 18% سنوياً، بل وحتى الاقتراض بالدولار يعد باهظاً بالنسبة لتركيا بمعدل يقارب 7%.

ارتفع المعدل السنوي للتضخم في تركيا إلى 25% في سبتمبر الماضي بحسب بيانات رسمية، وهو أعلى معدل منذ 15 سنة، في وقت فقدت فيه الليرة التركية ما يقارب من 40% من قيمتها، في غضون عام.

أخطار الاستدانة

تعاني تركيا من عجز في ميزان تجارتها الخارجية، فوارداتها أكثر من صادراتها، ما يعني أنها تنفق أكثر مما تكسب. والعجز يجب أن يُمول إما من استثمارات أجنبية أو بالاستدانة. ولا يعتبر هذا بحد ذاته غريباً أو خطيراً، لكن العجز لدى تركيا أصبح كبيراً جداً فقد بلغ 5.5% من الدخل القومي أو من إجمالي الناتج المحلي العام الماضي.

هنالك مظهران للدين الخارجي في تركيا زاد من ضعف اقتصادها، الأول أن لديها مستوىً عالياً من الديون بعضها مستحق الدفع في القريب العاجل بالإضافة إلى الديون الجديدة، وهذا يعني بلغة السوق المالي أنه يجب إعادة تمويل الدين. وتقدر وكالة تقييم الاستثمار “فيتش” أن الحاجة المالية الكلية لتركيا هذا العام ستبلغ ما يقارب 230 مليار دولار.

المظهر الثاني يتمثل في استدانة الكثير من الشركات التركية بالصرف الأجنبي، وتُعد هذه القروض أكثر تكلفة عند إعادتها في حال انخفضت قيمة العملة المحلية وهو ما حدث بالفعل.

كما صعّد ضعف العملة مشاكل التضخم المُلحّة في تركيا، فكلما ضعفت قيمة الليرة زادت تكلفة الواردات. وكان لدى المصرف المركزي هدف في الحدّ التضخم إلى 5% العام الماضي، لكن التضخم كان أكثر من ذلك بكثير حوالي 10%. ومنذ ذلك الوقت تراجع الوضع خاصة مع غلاء الأسعار التي زادت بمعدل سنوي يبلغ قرابة 15%.

إجراءات وهمية

وتتهم الحكومة التركية، أطرافا لم تسمها، بشن حرب تستهدف المواطن التركي ولقمة عيشه للتأثير على موقفه من الحزب الحاكم في الانتخابات.
وأمر وزير المالية التركي براءت آلبيرق، المفتشين في المناطق الزراعية في البلاد، بضبط تجار الجملة الذين يقومون بتخزين محاصيل البصل، لرفع الأسعار. وعثر مسؤولو البلدية في مدينة ماردين جنوب شرقي البلاد الشهر الماضي، على 30 طناً من البصل في مستودع، وتم اتخاذ إجراءات قانونية ضد مالك المنشأة.

وأثارت هذه الإجراءات سخرية رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين اعتبروا أن هناك إجراءات أكثر أهمية يتعين على الحكومة اتخاذها، لإنقاذ الاقتصاد من وضعه المتدهور.

ورغم أن المعارضة تعد ناخبيها بتحسين الأحوال المعيشية وانعاش اقتصاد البلاد، في حال خسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم الانتخابات، إلا أن الوضع في إزمير والتي يدير بلدياتها حزب الشعب الجمهوري المعارض من سنوات طويلة، يجعل الأمر محيراً للناس.

الوضع الاقتصادي يعد عنواناً لأزمة تمر بها تركيا وبات شعاراً لكل الأحزاب. الناس تشكو من ارتفاع الأسعار، ومن ارتفاع قيمة الخدمات والفواتير وحتى المحروقات، فيما تعلن الحكومة عن إجراءات لمكافحة الغلاء، من بينها رفع الحد الأدنى للأجور إلى ألفي ليرة تركية، (٣٨٠دولارا).

فرص المعارضة

المعارضة التركية، لم تفوت الفرصة، فقد خاطب كمال قليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، في تجمع جماهيري أنصار الحزب الحاكم، قائلا: “لا تدعوه (أردوغان) يخدعكم، فالكلام عن تركيا قوية اقتصادياً لم يعد ينطلي على أحد، ونحن نشاهد طوابير من العاطلين عن العمل، وطوابير من الناس الذين يقفون بانتظار الحصول على كميات قليلة من البطاطا والبصل”، وتساءل قليجدار أوغلو: “أي دولة قوية تلك التي تستورد البطاطا والبصل وحتى اللحوم من الخارج؟ لقد بلغنا الحضيض أيها السادة!”.

ويتنافس ١٢ حزباً سياسياً على مقاعد البلديات في إحدى وثمانين محافظة تركية، ويبدو أن الأكراد الذين يمثلهم حزب الشعوب الديمقراطية، أمامهم فرصة لتغيير نتائج الانتخابات، لصالح أحزاب أخرى، في ظل اتهامات الحزب الحاكم لهم، بالتحالف غير المعلن مع أحزاب اليسار، لدعمهم في الولايات الرئيسية في مواجهة مرشحي الحزب الحاكم.

فعلى سبيل المثال الأكراد، يشكلون نحو 20% من سكان البلاد، يمتلكون نحو ثلاثة ملايين صوت في اسطنبول وحدها، بحسب بعض الإحصاءات.

أن المنافسة ستكون قوية في المدن الرئيسية الثلاث، إزمير وأنقرة واسطنبول، ففرص اليسار التركي (حزب الشعب الجمهوري) الذي تحالف من القوميين (الحزب الجيد) تبدو أقوى في كل من إزمير وأنقرة، بينما تحتدم المنافسة بين مرشح الحزب الحاكم بن علي يلدريم (رئيس البرلمان السابق) ومرشح اليسار (أكرم إمام اوغلو) في مدينة اسطنبول والتي كما يبدو ستكون هي المدينة التي ستحسم نتائج الانتخابات.

وتعهد يلدريم بجعل مدينة اسطنبول أكثر سعادة واستقرارًا وأمنًا. ووجّه كليجدار أوغلو خلال كلمة له بتجمع انتخابي في ولاية تكيرداغ، سؤالا ليلدريم قال فيه: “لقد كانت ميزانية تركيا كلها بين يديك حينما كنت رئيساً للوزراء ووزيراً للمواصلات، فلماذا لم تفعل حينها ما تعد به الناخبين حاليا؟”.

ويقول مراقبون: إن الانتخابات المقبلة، قد تبدو الفرصة الأخيرة بالنسبة لأحزاب المعارضة التي بدت موحدة أكثر من أي وقت مضى هذه المرة، في مواجهة الحزب الحاكم.

يحتاج أردوغان لنسبة تزيد عن ٣٨% لضمان فوز حزبه في هذه الانتخابات، وإلا فإن سيناريوهات كثيرة لا تبشر بالخير بمستقبل الحزب تلوح في الأفق في حال خسارته للانتخابات، رغم دفعه بكل أوراقه القوية من قيادات حزبه لخوض السباق، فهل ينجح اردوغان في تجاوز هذا الامتحان الصعب؟

ربما يعجبك أيضا