“فاطميون”.. جيش إيران السري في أفغانستان

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

من جديد يعود النظام الحاكم في إيران إلى أفغانستان، تلك الدولة التي لقنت الدولة الصفوية ومن بعدها القاجارية دروسا في التاريخ، سجلتها معارك ضارية دارت بينهما، كانت في كل مرة تنتهي بهزيمة الدولة الإيرانية.

ومنذ سنوات قليلة أسس قائد الثورة الإيرانية علي خامنئي، ميليشيات أفغانية شيعية أسماها “فاطميون” (تتشكل من الشيعة الهزارة)، حيث شكل الحرس الثوري الإيراني من اللاجئين الأفغان المهاجرين إلى إيران (أغلبيتهم الساحقة من الشيعة) و”لواء زينيبون” وغالبية أفراده من الميليشيات الباكستانية.

فيما قال غضنفر آبادي -رئيس محكمة الثورة في طهران- “إذا الشعب الإيراني لم ينصر الثورة سيأتي الحشد الشعبي العراقي، الحوثي اليمني، الفاطميون من أفغانستان، وزينبيون من باكستان لنصرة الثورة”! وهذه التصريحات توضح إلى أي حد تغلغلت إيران في عدد من البلدان الإسلامية.

فاطميون في سوريا

وتعتبر ميليشيا “فاطميون” من أكبر الألوية العسكرية التي تقاتل إلى جانب قوات الأسد ضد الثوار في سوريا، ، وأغلب عناصره من اللاجئين المقيمين في إيران.

وقد تم تدريب مقاتليها على أيدي الحرس الثوري الإيراني، وأقحمت إيران الميليشيا الأفغانية في سوريا عام 2013، ويقدر عدد عناصرها بأكثر من 25.000 عنصر، ويتوزعون على أغلب المدن السورية، وأصبحت بعض المناطق والأحياء والمخيمات في ريف دمشق خاضعة تماماً  لإدارة اللواء، وتم جلب العديد من عوائل عناصره من إيران، وجرى توطينهم بريف دمشق ضمن مشروع استيطاني ممنهج يهدف إلى تغيير هوية العاصمة السورية دمشق.

فيما قال زعيم “الحزب الإسلامي” في أفغانستان (سني)، قلب الدين حكمتيار: إن ما لا يقل عن 30 ألف أفغاني يشاركون في الصراعات الدائرة في سوريا والعراق.

وتقوم إيران بتجنيد اللاجئين الأفغان المتواجدين على أراضيها عبر إغراءات مالية ومنح إقامات لهم ولأسرهم، مستغلة بذلك فقرهم وظروفهم المعيشية الصعبة لتزج بهم في معارك سوريا لحماية نظام بشار الأسد.

فيما قال علي خامنئي -لدى استقباله، أسر وعوائل قتلى “فاطميون” التابع للحرس الثوري سقطوا خلال المعارك في سوريا- “عناصر فاطميون كانوا يتميزون بالقتال عن الآخرين” في إشارة منه لقتالهم ضمن صفوف قوات الأسد.

خامنئي والأسد استخدموا المقاتلين الشيعة، كقوات صدمة، فشاهد عيان منهم يدعى أمين قال: “كنا أول من يتقدم في العملية”، مشيرا إلى أن عددا منهم نشروا مذكرات قصيرة على تطبيق “تلغرام”، التي قام بدراستها شجاع، وتكشف أن معظم المقاتلين الأفغان تم الدفع بهم للقتال في معارك صعبة، أدت إلى ضحايا كثر في صفوفهم، وشارك هؤلاء في مواجهات في دمشق وحلب واللاذقية وحمص وحماة وتدمر.

وكان الجنرال سعيد قاسمي، قائد مجموعة “أنصار حزب الله” وهي من جماعات الضغط المقربة من خامنئي، انتقد، دفن العشرات من قتلى الميليشيات الأفغانية (فاطميون) والباكستانية (زينبيون) في الحرب بسوريا، في مقبرة مدينة قم، بالقرب من طهران، على أنهم “مجهولو الهوية”.

وقال قاسمي: إن السلطات تتعامل بتمييز واضح بين قتلى الحرس الثوري وبين قتلى الميليشيات، حيث تقام للإيرانيين مراسم جنائز عسكرية مهيبة، بينما لم تقم جنائز للأفغان والباكستانيين، ويتم دفنهم بخفاء ودون اهتمام رسمي أو إعلامي.

يذكر أن عدد قتلى “فاطميون” في الأراضي السورية بلغ حوالي ألفي قتيل.

الرد الافغاني على خامنئي

وردت الحكومة الأفغانية على تصريحات خامنئي بأن استغلال طهران للفقر والحرمان لدى المهاجرين الأفغان كان لصالح مآربها الطائفية، وأهدافها التوسعية، حسب تلفزيون “طلوع نيوز” الأفغاني.

وجاء في بيان الخارجية الأفغانية ردا على هذه التصريحات: “استغلت الحكومة الإيرانية الفقر والمشاكل الاقتصادية للاجئين الأفغان بغية استقطابهم إلى مراكز التدريب العسكريه ومن ثم إرسال الكثير منهم إلى الحرب في سوريا”.

وقالت مستشارة الرئيس الأفغاني، ملالي شينواري: “إيران استغلت المشاكل الاقتصادية والمعاناة المعيشية اليومية للمهاجرين الأفغان التي يواجهونها في إيران، بشكل سيئ لمصالحها الخاصة”.

وأضافت الوزارة، أن عددا كبيرا من اللاجئين الأفغان تم تجنيدهم للقتال في سوريا، وأن الحكومة الأفغانية طلبت من إيران مرارا وتكرارا عدم إرسال المهاجرين الأفغان إلى الحرب في سوريا، وحثّت طهران على التعامل بشكل إيجابي وقانوني مع الأفغان كلاجئين وليس كأدوات للحرب لكن دون جدوى.

وأضاف المتحدث باسم الخارجية الأفغانية، صبغت أحمدي: “لسوء الحظ، فإن استغلال الأفغان من قبل إيران ما زال مستمرا، ونأمل من الجمهورية الإيرانية بصفتها دولة صديقة وجارة أن تراعي هذه الأمور والقضايا وأن تتصرف بمسؤولية”.

الولاء للمال

وقد عاد نحو 10 آلاف من قدامى محاربي “فاطميون” إلى بلادهم، حسبما أفاد مسؤول كبير في وزارة الداخلية الأفغانية، كما نقلت وكالة “أسوشييتد برس” عن مسؤولين مخاوفهم من إمكانية أن تستغل إيران العائدين، ولكن هذه المرة كـ”جيش سري” لنشر نفوذ طهران وسط النزاعات التي لا تنتهي في أفغانستان.

وتعتقد الحكومة الأفغانية مع العديد من الخبراء أن بإمكان إيران حشد هؤلاء المقاتلين السابقين مرة أخرى، خاصة إذا انقلبت الفصائل المسلحة العديدة في البلاد على بعضها البعض في حرب متصاعدة بعد انسحاب قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، إذ يمكن لإيران أن تستغل الفوضى لدعم مرتزقتها من جديد، بذريعة أن “الأقلية الشيعية الضعيفة” تحتاج إلى من يدافع عنها.

في هذا السياق، قال بيل روجيو -رئيس تحرير مجلة “لونغ وار جورنال”، وهو موقع مخصص لتغطية الحرب الأميركية على الإرهاب- “أتوقع من الإيرانيين إعادة تشكيل ميليشياتهم داخل أفغانستان في مرحلة ما.. إيران لا تتجاهل الأصول التي تستثمر فيها الوقت والمال والخبرات”.

العائدون من سوريا

وتقول المصادر الأفغانية: إن قدامى المحاربين الأفغان العائدين من سوريا مهددون من جهات متعددة، حيث يواجهون الاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية، كما يواجهون خطر الانتقام من قبل حركة طالبان.

وقال أحد كبار السن في قرية بالقرب من هيرات، إن مجرد معرفة الأشخاص الذين قاتلوا في سوريا يمكن للأجهزة الأمنية أن تلقي القبض عليهم وتزج بهم في السجن.

وقال الرجل الذي قُتل ثمانية أشخاص من قريته أثناء القتال في سوريا إنه لا توجد مقابر لهم هنا، مؤكدا أن جميعهم دفنوا في إيران.

ونقلت وكالة ” أسوشيتدبرس” عن مقاتلين سابقين في “فاطميون”، قولهم: إن أغلبهم لم تكن لهم علاقة بالصراع الدائر في سوريا، وذهبوا إلى إيران بقصد البحث عن عمل أو لجأوا إليها هربا من الحرب لكن وجدوا أنفسهم محتجزين ومخيرين بين الذهاب إلى سوريا للقتال مقابل المال أو الإقامة أو الترحيل ومواجهة مصيرهم.

وقال مهدي، البالغ من العمر 21 عاماً والعائد إلى مدينة هيرات مسقط رأسه: “نحن هنا في أفغانستان خائفون. يقولون إننا جميعاً إرهابيون”.

وكان الشاب مرعوبًا، وتحدث بشرط عدم الكشف عن هويته بالكامل خشية الانتقام منه، حيث لم يجتمع مع وكالة في المنزل أو في الأماكن العامة، بل في سيارة كانت متوقفة في حي ناءٍ معظمه شيعة.

الاستخبارات الافغانية

وكالات الاستخبارات الأفغانية حددت مسؤولين حكوميين إيرانيين كبارا يديرون أنشطة المقاتلين العائدين، بما في ذلك تزويدهم بالأسلحة والمال وبناء هيكل لإعادة التعبئة السريعة إذا لزم الأمر.

وقد تبين أن أمير الحرب الأفغاني عبدالغني عليبور، وهو من الهزارة، متورط في مساعدة إيران، حيث ألقي القبض عليه في أواخر العام الماضي بتهمة وجود ميليشيات غير شرعية، لكن أطلق سراحه بعد أن احتج آلاف الهزارة.

وقال رضا قاسمي، الباحث في مجموعة الأبحاث المستقلة في كابل، إن معظم الذين انضموا إلى لواء فاطميون كانوا مدفوعين باليأس والفقر وليس الولاء لإيران.

ربما يعجبك أيضا