الاستخبارات البريطانية.. هل يمكنها تغيير مسار التنظيمات المتطرفة؟

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

الاستخبارات البريطانية، تعتبر واحدة من أكثر أجهزة استخبارات أوروبا، بشأن إطلاق التحذيرات حول تهديدات الجماعات المتطرفة، لكنها رغم ذلك، لم تكن قادرة، على وقف تلك العمليات الإرهابية على أراضيها.

الاستخبارات البريطانية، لم تكشف عن حصولها على معلومات وتفاصيل حول بنية تنظيم داعش من الداخل، وهذا مأخذ كبير بأنها تعتمد الجهد العسكري في مقاتلة تنظيم داعش أكثر من اعتمادها الجهد الاستخباراتي المنظم.

وقال مدير المخابرات البريطانية أليكس يانجر، في 15 فبراير 2019 ، إن العلاقات الأمنية بين بريطانيا وحلفائها الأوروبيين تخيم عليها مشاكل مشتركة مثل التعامل مع المقاتلين المسلحين والعائدين إلى أوروبا بعد انهيار “الخلافة” التي أعلنها تنظيم داعش في سوريا والعراق.

وحذر رئيس الاستخبارات الخارجية البريطانية “إم آي 6″، من خطر “غير مسبوق” لوقوع اعتداء في المملكة المتحدة في أعقاب خسارة تنظيم داعش إلى معاقله في سوريا والعراق عام 2017، وإن مستوى التهديد غير مسبوق.

لقد أحبطت الاستخبارات البريطانية وأجهزة الأمن عددًا من مخططات الجماعات المتطرفة في المملكة المتحدة منذ يونيو 2013.

وأضاف “في الوقت الذي أتحدث فيه، فإن البنية المنظمة جدا لتخطيط الهجمات الخارجية في داعش، ورغم أنه يواجه تهديدا عسكريا، تعد مؤامرات لارتكاب أعمال عنيفة ضد المملكة المتحدة وحلفائنا من دون حاجة إلى مغادرة سوريا”.

وأوضح يونغر أنه إزاء هذا التهديد (…) “علينا أن ننقل المعركة إلى ميدان العدو ونتسلل إلى المنظمات الإرهابية بشكل مسبق ونكون أقرب ما يمكن من مصدر الخطر” وسبق أن حذرت الاستخبارات البريطانية، عبر تقرير صادر عن المركز الوطني للأمن NCSC  من وقوع عمليات إرهابية.

 إعتادت أجهزة الاستخبارات الأوروبية، إطلاق التحذيرات، وكانت الحصة الأكبر إلى الاستخبارات البريطانية. أما الاستخبارات الأمريكية والبنتاجون، فقد انخفضت تقارير تحذيراتها إلى دول أوروبا ومنها بريطانيا م نشهر يوليو 2018 ولحد الآن، وهي إشارة غير طبيعية في عمل مجمع الاستخبارات الأمريكية وكذلك البنتاغون.

إن أهم ما ورد في تصريح الاستخبارات البريطانية MI6 هو أن تكون أجهزة الاستخبارات قريبة من مصدر الخطر، أي قريبة من البنية التحتية إلى تنظيم داعش، وأجد أن ما تعنيه الاستخبارات البريطانية، ليس القرب المكاني أو الجغرافي، بقدر ما هو القرب الأمني والاستخباري، أي أن تكون لدى الاستخبارات مصادر داخل تنظيم داعش.

لكن ممكن أن يكون هناك عامل المكان والجغرافية، عندما يتحدث مسؤول كبير في الاستخبارات البريطانية  أم آي 6 ، بهدف نقل المواجهة  مع داعش عسكريًا خارج بريطانيا.

الجهد الاستخباري في محاربة الإرهاب والتطرف، يكون أكثر أهمية وأكثر دقة من الجهد العسكري، فالجهد الاستخباراتي يحتاج إلى جمع الأخبار والمعلومات وإخضاعها أكيد إلى التحليل والاستنتاج، باعتبار ذلك من أساسيات عمل أجهزة الاستخبارات، والتي لم يعد سرا.

السؤال الأهم : كيفية “التسلل” إلى داخل بنية تنظيم داعش وفق نصيحة رئيس الاستخبارات البريطانية ؟

استخدمت وسائل الإعلام مفردة “تسلل” والأصح في علوم الاستخبارات هو “اختراق” أي دفع مصادر تعمل لصالح أجهزة الاستخبارات للانضمام إلى تنظيم داعش، أو تجنيد أحد عناصر داعش، الموجود أصلا في التنظيم، وهنا يكون الوصف الدقيق في هذه الحالة، “العميل المزدوج” والخيار الأفضل والأشد تأثيرا استخباريا، هو “زرع” عميل استخبارات داخل التنظيمات المتطرفة وعلى سبيل المثال تنظيم داعش.إن زرع عميل مباشرة من أجهزة الاستخبارات عملية صعبة جدا، تحتاج إلى تزكية ربما أحد المصادر داخل التنظيم.

تعتبرعمليات الاختراق، هي أعلى سقف إلى عمليات أجهزة الاستخبارات وربما يعود السبب إلى ما يلي :

إن حصول المعلومات من مصادر بشرية، أي مصدر ناقل للخبر أو المعلومات، بدون شك، تحتاج إلى التدقيق والفحص، بعض  معلومات المصادر “البشرية” تكون مفبركة، من أجل الحصول على المال أو تعزيز العلاقة، والبعض الآخر ممكن أن تكون مسربة، وفي الحالة الأخيرة، تكون عبر عميل مزدوج.

وهنا تكمن أهمية الاختراق بالوصول إلى المعلومة مباشرة، وتكون المعلومات ذات قيمة عالية، إن كانت وثائق موسومة.

ويقول مبدأ الاستخبارات وفق تجارب الاستخبارات الأمريكية بعد اختلافها مع زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، بأنه من الواجب تغيير مسار الجماعات المتطرفة ومنها تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، في حالة عدم القدرة على إيقاف أنشطتها.

السؤال ماذا تعني الاستخبارات بتغيير مسار”نهج” التنظيمات المتطرفة وكيف؟

إن تغيير المسار يعني، إبعاد مسار ونهج التنظيمات المتطرفة، أي بدل أن تستهدف التنظيمات المتطرفة أهدافًا أمريكية أو غربية، تعيد توجيه الأهداف إلى دول المنطقة، وهذا ما ينطبق كثيرًا على تنظيم داعش ربما أكثر من القاعدة، على سبيل المثال مبدأ القاعدة” مقاتلة العدو البعيد” والمقصود به الغرب، هذا المبدأ تغير عند التنظيمات المتطرفة عندما بدأت تقاتل الجماعات المتطرفة الحكومات في دول المنطقة، ومقاتلة الطوائف وأديان بعينها مثل المسيحية والأيزيدية وغيرها، وهذا ما حصل في شمال العراق وغربه وكذلك شمال شرق سوريا ومناطق أخرى، كذلك تنظيم داعش أعطى ظهره إلى القدس الشريف.

أفغانستان هي الأخرى، عندما تحول مسار تنظيم داعش من مهاجمة القوات الأمريكية والدولية إلى مهاجمة الطوائف، من أجل احتدام وتصعيد الشحن الطائفي.

آلية تغيير مسار الجماعات المتطرفة؟

إن تجنيد عناصر من داخل تنظيم داعش والجماعات المتطرفة، مباشرة يعتبر، الأسلوب أنموذج في تغيير المسارات، على شرط أن يتم تجنيد عناصر قيادية داخل هذه الجماعات المتطرفة وليست عناصر في أسفل الهرم. وبدون شك فإن تجنيد عناصر قيادية، لن يكون سهلا، وهنا تبرز قدرة أجهزة الاستخبارات، لتبدأ من المربع الأول أو أبجدية التجنيد أو آلية التجنيد في العمل الاستخباري، وهو جمع المعلومات عن دائرة علاقات الشخصيات المستهدفة، والعلاقات العائلية، تعتبر الحلقة الأضعف التي يمكن العمل عليه.

التجنيد أنواع: مادي، معنوي، وقسري أي توريطي، ممكن مساومة المرشح للتجنيد أو توريطه.

الخلاصة

الأهم في اختراق الجماعات المتطرفة، هو إيجاد انشقاقات من داخل الجماعة، لتكون تيارات متناحرة، تضعف من الداخل، وهذا ما تعرض له تنظيم القاعدة تحديدا، فما صرح به مسؤول الاستخبارات البريطانية، يعتبر قاعدة أساسية في العمل الاستخباري، في محاربة الجماعات المتطرفة، لكن إعلانها بوقت متأخر عن هذه الخطوة، يعني أن الاستخبارات البريطانية والأوروبية، لم تصل إلى مستوى أو الحد الذي يمكنها من اختراق الجماعات المتطرفة، رغم ما هو موجود لديها من عملاء في سوريا وفي العراق ودول الجوار، واعتمادها على مجمع الاستخبارات الأمريكية بالحصول على المعلومات أكثر من النهوض بنفسها في محاربة التطرف والإرهاب.

ما تحتاجه الاستخبارات البريطانية، هو الحصول على مصادر بشرية أي تجنيد مصادر بشرية، قادرة على إيجاد خروقات داخل الجماعات المتطرفة، وربما أجهزة الاستخبارات لدول المنطقة، لديها القدرة بذلك، من خلالها وجودها الميداني، للعمل معا لتحقيق انشقاقات داخل الجماعات المتطرفة، وهذا ما يتطلب التعاون الاستخباري بين دول أوروبا واستخبارات بعض دول المنطقة، التي شهدت حهود ونجاحات في مكافحة الإرهاب.

ربما يعجبك أيضا