بعد 60 عاما على رحيل الاستعمار.. “فرنسة” التعليم تعود إلى المغرب

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

دولة دستورها ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد بالإضافة إلى الأمازيغية، فكيف تدرس “المواد العملية والتقنية في المرحلة الثانوية باللغة الفرنسية، هذا هو الحال في المغرب، فقد انتشرت حالة من السخط والجدل في صفوف “حماة” اللغة العربية”،  فبين كل ثلاثة أشخاص يفشل اثنان من أبناء المغرب في استكمال تعليمهما في الجامعات العامة؛ لأنهما لا يتحدثان الفرنسية، ما دفع الحكومة إلى دراسة عودة اعتماد الفرنسية لغة لتدريس العلوم والرياضيات والمواد التقنية مثل علوم الحاسب في المدارس العليا.

رغبة الحكومة المغربية، في تعليم اللغة الفرنسية لم يقتصر على طلاب التعليم الجامعي فقط، بل تدرس تعليمها للأطفال لدى التحاقهم بالمدرسة.

ازدواج مربك

يشعر الكثيرون في المغرب بأن هذه الازدواجية في التعليم تتسبب في حالة من الارتباك ما أثر بشكل سلبي على الطلاب، خاصة في صفوف التعليم الجامعي، فلم يكمل اثنان من كل ثلاثة أشخاص تعليمهما في الجامعات العامة بالمغرب؛ لأنهما لا يتحدثان الفرنسية.

هذا الوضع المربك يؤثر بطبيعة الحال على النمو الاقتصادي، وزاد من عدم المساواة في البلد الذي تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن نسبة البطالة فيها بين الشبان بلغت 25٪، ويقارب متوسط الدخل السنوي 3440 دولارًا للفرد، وهو أقل من ثلث المتوسط العالمي.

غير مقبول

يقول رئيس الحكومة السابق “عبدالإله بن كيران” -في تصريحات صحفية- إن “فرض تدريس المواد العلمية والتقنية بالفرنسية مخالف للرؤية الاستراتيجية التي تسلمها من يد الملك محمد السادس أثناء رئاسته الحكومة “2011- 2017″، معتبراً القرار “بمثابة لف ودوران ومكر غير معقول وغير مقبول”.

وأشار “بن كيران” إلى أن اللوبي الفرنسي في المغرب قوي، وهو من يحاربنا وهو خصمنا الحقيقي، ولا أعتقد أن هذا هو التوجّه الرسمي لفرنسا، إلا أن اللوبي الفرنسي مفرنس أكثر من الفرنسيين وحريص على مصالح الفرنسيين أكثر منهم، نحن لسنا ضد فرنسا، فهي دولة مهمة وصديقة، لكن هذا لا يعني أن نزيل هويتنا العربية ونضع مكانها الفرنسية. فنحن لدينا لغة وتاريخ وغير مستعدين للتنازل عنهما مهما كلفنا الثمن”.

وينص الدستور المغربي في فصله الخامس على أن “تظل العربية اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، وتعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة دون استثناء”.

واعتمد المغرب سياسة تعريب التعليم منذ عام 1977، لكن هذه السياسة ظلت متعثرة، وبقيت المواد العلمية والتكنولوجية والرياضيات تدرس باللغة الفرنسية في التعليم الثانوي بالبلاد، إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي، حيث تقرر تعريب جميع المواد حتى نهاية الثانوية العامة، مع استمرار تدريس العلوم والاقتصاد والطب والهندسة باللغة الفرنسية في جميع جامعات المغرب حتى اليوم.

مدافعون

على الجانب الآخر يقول المدافعون عن تعميم وزارة التربية الوطنية المغربية: إن الكثير من الطلاب المغاربة يتعثرون في دراستهم الجامعية بسبب عدم إتقانهم اللغة الفرنسية، وهو ما دفع الحكومة إلى السعي لإعادة اعتماد الفرنسية لتدريس العلوم والرياضيات والمواد التقنية في المدارس الثانوية.

هذا الطرح تبناه أيضا رؤساء الجامعات المغربية الذين أوصوا في بيان لهم مؤخرا بتدريس العلوم بالفرنسية من أجل “مصلحة الوطن” ولمواكبة التطور التكنولوجي والرهانات الاقتصادية،.

وأبرز البيان ضرورة تعزيز تدريس اللغات الأجنبية، وإعطائها الأولوية منذ التعليم الابتدائي، بغية تكريس التعدد اللغوي المنشود والاندماج المهني.

فرض الفرنسية

يقول “سلمان بونعمان” الباحث المغربي: إن “رفض فرنسة التعليم لا يتعلق برفض الفرنسية بحد ذاتها، ولكن رفض السياسة اللغوية التي تريد فرض الفرنسية عن طريق القسر والإكراه والثقافة والاقتصاد”.

ويوضح “بونعمان” -صاحب كتاب “النهضة اللغوية وخطاب التلهيج الفرنكفوني”- أنه “لا خلاف حول أهمية تعليم اللغات الأجنبية الأكثر تأثيرا وتداولا وأهمية في البحث العلمي، بما فيها الفرنسية، لكن جوهر المشكل هو الانفتاح الأحادي على لغة بذاتها على حساب اللغتين الوطنيتين (العربية والأمازيغية)”.

الباحث المغربي دعا إلى “أن تحظى اللغتان الرسميتان للبلاد بالمكانة اللائقة بهما دستوريا وقانونيا كما تنص على ذلك كل تجارب الأمم التي تحترم لغتها وتعتبرها جزءًا من السيادة”.

وتابع قائلا: “نحن لسنا بدعا عن الأمم التي تقدر لغتها وتسعى لتطويرها كي تواكب التحولات والمستجدات، وتنتج بها دون أن تهمل وتعلم أبناءها باقي اللغات بطريقة بيداغوجية وتربوية وعلمية”.

وشدد “بونعمان” على أن “المعركة ليست إبعاد الفرنسية، ولكن احترام السيادة والوعي بتحولات العصر”.

المغرب ليست الوحيدة

لا يعاني المغرب وحده من المشكلات المتعلقة باللغة، ففي الجزائر، وهي أيضاً مستعمرة فرنسية سابقة، يتعلم الطلاب اللغة العربية في المدارس ليجدوا أنفسهم بعد ذلك في مواجهة الفرنسية في الجامعات والعمل.

وتعكس هيمنة اللغة الفرنسية استمرار تأثير باريس في المنطقة، ففرنسا هي صاحبة أكبر استثمارات أجنبية مباشرة في المغرب وتوظف شركات كبرى عشرات الآلاف من المغاربة.

وتخصص جامعات خاصة مثل الجامعة الدولية للرباط مقررات دراسية موجهة للصناعات العالية النمو مثل الفضاء والطاقة المتجددة وتدرس موادها بالفرنسية والإنجليزية.

لكن رسوم العام الدراسي الواحد في تلك الجامعة تصل إلى 10 آلاف دولار، وهو ما يفوق بكثير ميزانية معظم المغاربة الذين يلتحقون في المقابل بجامعات عامة مجانية كثيراً ما يمثل الانتقال المفاجئ إلى الدراسة بالفرنسية فيها عبئاً على الطلاب ومحاضريهم.

يذكر تقرير لصندوق النقد الدولي صادر أواخر عام 2017 أنه على المستوى الجامعي يقبل الطلاب بشكل كبير على مجالات العلوم الاجتماعية على حساب العلوم التقنية، وهذا يعني أن كثيرين لا تتوافر لديهم عند تخرجهم المؤهلات التي يبحث عنها أصحاب العمل.

https://www.youtube.com/watch?v=t1LM8TJrIV4

ربما يعجبك أيضا