صفقة القرن و”إدارة الأزمة” .. أسباب تعزز احتمالية عودة الاحتجاجات في الأردن‎

علاء الدين فايق

رؤية – علاء الدين فايق

عمّان – لا تستبعد أوساط عديدة في الأردن، تكرار مشاهد الاحتجاجات التي شهدتها المملكة، في ظل حالة “اللايقين” التي ما زالت تسيطر على الرأي العام المحلي، إزاء أوضاعه المعيشية، وعدم مقدرة حكومة عمر الرزاز على “إدارة الأزمة” التي ورثتها عن حكومة هاني الملقي.

ورغم نجاح الأردنيين في إسقاط حكومة الملقي في حزيران الماضي، حيث ظل الناس في الشوارع وعلى مقربة من دار رئاسة الوزراء في العاصمة عمّان، طوال ليالي شهر رمضان الماضي، إلا أن الأسباب التي خرج الأردنيون لأجلها ما زالت قائمة.

وهذا الأمر، يجعل من احتمالية عودة المظاهرات الليلية في رمضان المقبل، ماثلة، رغم المساعي الجادة التي تبذلها حكومة الرزاز لعدم تكرار هذه المشاهد، وعدم رغبة الرزاز أن تكتب له ذات النهاية التي واجهها سلفه الملقي.

قبل نحو أسبوعين، أعلن الرزاز، تأمين 8 آلاف وظيفة حكومية جديدة، في إطار حزمة الوظائف الحكومية الـ35 ألف التي وعد بتأمينها للأردنيين خلال العام الجاري، وهو رقم كبير، لا يتوقع مراقبون قدرة الحكومة على تحقيقه في ظل العجز المالي الكبير الذي تشهده البلاد.

وما يزيد مخاوف عودة الاحتجاجات في الأردن، بالنسبة لصناع القرار، نسب الفقر الكبيرة في البلاد التي تتنامى بشكل مضطر، وأخطرها على الإطلاق الـ15% التي قال الرزاز إنها نسبة الفقر المطلق في الأردن، وهو رقم كبير للغاية في ظل تعداد السكان.

ويعتقد الكاتب الأردني مهند مبيضين، أن الحديث عن عودة الاحتجاجات، لا يحدث من دون النظر إلى واقع الدولة والمجتمع الأردني والحكومة، التي تتوقع مزيدًا من التحديات في مقبل الأيام، مع حلول شهر رمضان.

وعلى صعيد الرأي العام، كانت الاحتجاجات ضد حكومة الملقي على أمل إحداث الفرق وإنعاش الاقتصاد وإجراء إصلاحات سياسية ملموسة، وتقليل مستوى البطالة. وهو ما لم يحدث بعد في ظل حكومة الرزاز.

أما الكاتب الصحفي نضال منصور، فيرى أنه ومع اقتراب شهر رمضان يشهد الأردن حالة طوارئ، وتنشغل إدارة الأزمات في مناقشة التحديات الداخلية التي تطرق الأبواب، والخارجية التي تشعل نار الترقب في الإقليم.

ويعتقد منصور وهو مؤسس مركز حماية وحرية الصحفيين أن “الأردن على مفترق طرق، فقبل عام وخلال شهر رمضان بدأت شرارة احتجاجات الشارع التي أسقطت حكومة الرئيس هاني الملقي، واليوم تتخوف حكومة الدكتور عمر الرزاز من مشهد مماثل قد يتكرر في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية، وتراجع في أجندة الإصلاح السياسي”.

صفقة القرن 

يرى منصور، أنه “وخارج حدود الأردن يعود رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو فائزًا بالانتخابات لينهي الآمال بفرص السلام وقيام دولة فلسطينية مستقلة، ويتزايد الحديث عن “صفقة القرن” التي يعلن زعماء عرب عن جهلهم بمضمونها”، وهو أمر أعلنه الأردن قبل أيام على لسان وزير الخارجية أيمن الصفدي.

ويذهب إلى القول أن ” ما يحدث حول الأردن ينعكس عليه مباشرة، ولهذا تبدو الدولة قلقة من مخطط يُطبخ بعيدًا عنها، وإن كان الأرجح أن تكون من ضحاياه، ولهذا نشط العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في خطوات استباقية للتحذير من أي حل على حساب بلاده، أو التفكير بالأردن كوطن بديل، أو تجاهل حقوقه في الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس”.

يقول الكاتب إن “الصورة تُظهر أن الأردن يتقلب على صفيح ساخن داخليًا وخارجيًا، والفرق أن التوحد والتماهي في الموقف من الأزمات الخارجية لا يحدث، ولا يحضر في أزمات الداخل، فالحكومة وفريقها الوزاري يتعرض كل يوم لعملية “نهش” من “صالونات” عمان، ولا يبدو أن الموقف داخلياً موحد حتى في دوائر صناعة القرار السياسي والأمني”.

ويضيف أن النصائح التي قُدمت لرئيس الحكومة الرزاز أن يمضي باندفاع في ملف الإصلاح السياسي لم تجد حماسًا، بل أن أبوابًا أوصدت بوجه الحكومة لإنجاز تعديلات جذرية على قانون الانتخاب المفصل الرئيس لأي عملية إصلاح سياسي على الأقل حتى تنجلي غيوم الترتيبات السياسية في المنطقة.

إذن، تبدو ملامح الإرباك على الحكومة واضحة، فهي من جانب لا تستطيع أن تحقق إصلاحات اقتصادية عاجلة تحقق رفاهًا للمواطنين، وتحد من حالة الإحباط والشكوى من الغلاء، وتآكل الأجور وتزايد البطالة، وارتفاع معدلات الفقر، وفي اتجاه آخر “مكبلة” بقيود وحدود تمنعها من الجرأة في تجاوز “التابوهات” في الإصلاح السياسي.

ومن وجهة نظره فإن إدارة الحكومة تفتقد “لعقل سياسي” ينجح في “فكفكة” ومواجهة الأزمات السياسية والاجتماعية، وهو ما يزيد من التهديدات لها، ويدفع بعض صانعي القرار في الحكومة وخارجها للتحايل على إرادة الشارع بالسعي لإلهائها -خاصة في شهر رمضان- بمبادرات لا تُغير جذرياً من النهج السياسي، وإنما قد تنجح في امتصاص غضب الناس.

“خلال الأشهر الماضية فشلت الحكومة في اختبار إصلاح العديد من التشريعات التي تمس الناس، واستسلمت الحكومة ورضخت لإرادة وتحالف تيار الإسلام السياسي مع القوى المحافظة أحيانًا، وتارة أخرى استجابت للهواجس الأمنية ومصالح رجال الأعمال، وفي نهاية المطاف مُنيت القوى المدنية والحركة الحقوقية والنسائية بهزائم بعد مرور قوانين الجرائم الإلكترونية، والعمل، والأحوال الشخصية بصورة لا تعكس المتغيرات في العالم، وحركة التقدم، ومصالح المجتمع وخاصة الفئات المهمشة، يتابع الكاتب.

أسباب اقتصادية تعزز الاحتجاجات

مع ما سبق، يتفق الكاتب الأردني مهند مبيضين، ويعتقد أيضًا أن ثمة أسباب اقتصادية ضاغطة تعزز احتمالية عودة الاحتجاجات إلى الشارع الأردني.

ويعتقد مبيضين، أن “المخاوف تظل حاضرة بفعل بنية الاقتصاد الأردني، وأبرزها: ارتفاع سعر الفائدة عالميًا وعدم القدرة على خفض الديون وتقييد وضع السيولة وارتفاع إجمالي متطلبات التمويل الخارجي”.

 كما أن ارتباط الاقتصاد الكلي في الأردن باقتصاديات المنطقة، وخصوصًا دول الخليج، وما قد يترتب على “تدهور المالية العامة فيها” ناهيك عن ملف لتحويلات الخارجية للأردنيين والاستثمار سيتأثران حكماً بذلك التدهور، ما يعني ظروفًا صعبة جديدة على الأردن الذي يعاني أصلاً اقتصاده من أزمات مفتوحة.

والأمر الذي يحتاجه الأردن اليوم، من وجهة نظر مبيضين “حلول لا تأزيم جديد”، إذ “لا يمكن للدولة العميقة إنكار وجود غضب شعبي وجوع وفقر وعجز حكومي في إدارة الأزمات، وضعف في بنية الحكومات، وتنام في فجوة الثقة، ما يجعل الهتافات تصيب الرأس، وتحدث صداعًا كبيرًا.​

ربما يعجبك أيضا