“فسيخ وبيض وبصل”.. المصريون يحتفلون بـ”شم النسيم” بطقوس فرعونية

إبراهيم جابر

رؤية – إبراهيم جابر:

القاهرة – احتفل ملايين المصريين، اليوم الإثنين، بعيد “شم النسيم”، والقيامة المجيد، بالخروج إلى الحدائق والمتنزهات والمناطق السياحية والرحلات النيلية، في ظل إجراءات أمنية وصحية مشددة.

“احتفالات المصريين”

واعتاد المصريون الخروج إلى الحدائق والمتنزهات والشواطئ في أعياد شم النسيم، والذي يأتي دائما في اليوم التالي لعيد الفصح المسيحي الشرقي -اتباعا لتقاليد أكبر طائفة مسيحية في البلاد، القبطية الأرثوذكسية- وسط أجواء كرنفالية مبهجة.

وخرج المصريون منذ الساعات الأولى من صباح اليوم، للاحتفال، وسط إجراءات أمنية مشددة من قبل قوات الجيش والشرطة، مدعومة بعناصر من الشرطة النسائية لمواجهة حالات التحرش، فضلا عن نشر الارتكازات الأمنية الثابتة والمتحركة في الميادين والمناطق الهامة والحيوية.

وحرص الأهالي خلال احتفالاتهم، على اصطحاب الأطعمة الشهيرة التي يتناولونها في هذا اليوم، مثل “الفسيخ والبيض والخس”، لتغطي رائحة الفسيخ “سمك مملح” شوارع وشواطئ المحروسة بالكامل.. علاوة على المشاركة في البرامج الترفيهية والفنية التي تنظمها بعض الهيئات المصرية في هذا اليوم.

وارتبطت احتفالات المصريين في أعياد الربيع بالعديد من الأغاني التراثية المرتبطة بأعياد الربيع، مثل: “الدنيا ربيع لسندريلا الشاشة العربية (سعاد حسني)، ويا بدع الورد” للفنانة السورية أسمهان، وغنى الربيع والورد جميل لكوكب الشرق أم كلثوم، فضلا عن أغنية هل الربيع للعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ.

“عيد شموش”

يعد الاحتفال بعيد “شم النسيم” عادة مصرية قديمة، حيث أطلق قدماء المصريين عليه اسم “عيد شموش” أي “بعث الحياة”، وحرفت الكلمة على مدى التاريخ حتى صارت “شم” وأضيفت إليها لفظة “النسيم” لارتباط موعده باعتدال الجو، وتعددت مسمياته في الثقافات الأخرى حيث لقب بعيد “هولي” في الهند، ورأس السنة في “الصين”.

واختلف المؤرخون حول بداية الاحتفال بـ”شم النسيم”، حيث ذكر مؤرخون أنه بدأ الاحتفال بـ”عيد شموش” في سنة 2700 قبل الميلاد، وتحديدا في أواخر حكم الأسرة الفرعونية الثالثة، ويرى آخرون أنه بدأ الاحتفال به  في عصر ما قبل الأسرات، ويعتقدون أن الاحتفال بهذا العيد كان معروفًا فى مدينة هليوبوليس “أون”.

ووفقا للبرديات المصرية القديمة، والمعلومات التاريخية، فإن أعياد “شموش” ارتبطت عند المصريين القدماء بتناول أطعمة “السمك المملح والبصل والبيض”، كما  كانوا يقدمون تلك الأسماك المملحة نذورا للآلهة ويستخدمون البيض رمزا لخلق الحياة.

وبمرور الزمن تطور الاحتفال بأعياد شم النسيم، وارتبط باحتفالات المسيحيين المصريين بعيد القيامة المجيد، وتطور عقبها وأصبح احتفالا شعبيا ورسميا بقدوم فصل الربيع.

“الفسيخ والبيض”

اعتاد المصريون طوال تاريخهم على تناول أطعمة معينة خلال عيد “شم النسيم”، كان في مقدمتها تناول “الفسيخ”، وهو نوع من “السمك المملح” ذو رائحة نفاذة، يعود أصله إلى المصريين القدماء وتحديدا منذ الأسرة الخامسة، عندما بدأ الاهتمام بتقديس “النيل”.

وذكر المؤرخ الإغريقي هيرودوت أن قدماء المصريين كانوا يأكلون السمك المملح في أعيادهم، ويرون أن أكله مفيد في وقت معين من السنة، وكانوا يفضلون نوعًا معينًا لتمليحه وحفظه للعيد أطلقوا عليه اسم (بور) وهو الاسم الذي حور في اللغة القبطية إلى (يور) يطلق عليه الآن “بوري”.

ويرمز “البيض” -والذي ارتبط تلوينه وتناوله بأعياد الربيع- إلى خلق الحياة من الجماد، وقد صوَّرت بعض برديات منف الإله “بتاح” إله الخلق عند الفراعنة وهو يجلس على الأرض على شكل البيضة التي شكلها من الجماد، ما اعتبره المؤرخون أحد الشعائر المقدسة عند الفراعنة، وكانوا ينقشون عليه أمنياتهم في العام الجديد، ويحتفظون به في سلال من سعف النخيل.

ووفقا لإحدى برديات أساطير منف القديمة، ظهر البصل ضمن أطعمة العيد التقليدية أيام الأسرة السادسة وارتبط ظهوره بأحد الملوك الذي كان له طفل وحيد أصيب بمرض غامض، أقعده عن الحركة، ولجأ الملك إلى الكاهن الأكبر لمعبد “أون” إله الشمس، والذي أمر بوضع ثمرة ناضجة من البصل تحت رأس الأمير بعد أن قرأ عليها بعض التعاويذ، وعند شروق الشمس قام بشق ثمرة البصل ووضع عصيرها في أنف الأمير الذي شفى تدريجيا من مرضه، ليعتبره المصريين القدماء من الثمرات المقدسة.

وارتبط تناول نبات “الخس” بأعياد شم النسيم، ويرجع المؤرخون أن “الخس” عُرِف منذ عصر الأسرة الرابعة.. وكان يُسَمَّى بالهيروغليفية “عب”.

ربما يعجبك أيضا