بين الهدنة والحرب.. التوتر يُخيم على المشهد الإسرائيلي في غزة

محمد عبد الدايم

رؤية – محمد عبدالدايم

مجددًا تدهورت الأوضاع الأمنية يوم الجمعة الماضية على الحدود بين قطاع غزة المحاصر وإسرائيل، بعد مقتل أربعة فلسطينيين، اثنان منهم برصاص الجيش الإسرائيلي خلال مظاهرات قرب السياج الحدودي، وآخران في غارة جوية شنها الطيران الإسرائيلي على موقع لكتائب عز الدين القسام.

كانت هذه البداية المتكررة لغارات إسرائيلية معتادة على القطاع، استهدفت أهداف تابعة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي،  قابلها إطلاق كثيف لصواريخ قسام باتجاه إسرائيل، وأعلن الجيش الإسرائيلي أن منظومة القبة الحديدية تصدى لمعظمها، وأدى العدوان الإسرائيلي إلى مقتل 31 فلسطينيًا من بينهم سيدات وأطفال ورُضع، وإصابة نحو 180، علاوة على تدمير مبان سكنية وممتلكات ومواقع تابعة لحماس.

فيما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية خبر إصابة مستوطنة بجروح متوسطة بعد سقوط صاروخ على كريات جان، ودوت صفارات الإنذار في مناطق عدة على طول مستوطنات غلاف غزة،  قبل أن تدخل الهدنة حيز التنفيذ صباح يوم الإثنين بجهود مصرية معتادة. 

تشمل التهدئة وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، والتزام إسرائيل بتنفيذ إجراءات تخفيف الحصار بما فيها فتح المعابر، ووقف استهداف الصيادين والمزارعين والمتظاهرين في المسيرات السلمية شرق القطاع.

في حفل إحياء ذكرى القتلى الإسرائيليين، قال بنيامين نتنياهو -رئيس الحكومة المُكلف- إن “المعركة مع قطاع غزة لم تنته بعد، وإن إسرائيل تلتزم بضمان أمنها، وإن الجيش الإسرائيلي قد عمل بحزم ضد الجهات الإرهابية في قطاع غزة”.

الجولة العاشرة في عام

بعد فترة من الهدوء النسبي، راوحت نحو 4 أعوام منذ عملية الجرف الصامد، تميز عام 2018 بالمواجهات المتكررة، والتي استمرت في هذا العام، مع عودة التصعيد الإسرائيلي على الساحة الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة، ويرجع التصعيد الإسرائيلي لارتفاع حالة السخط الفلسطيني إزاء الوضع المتردي في قطاع غزة المحاصر، وشعور الفلسطينيين بالعزلة، وتحركاتهم لتنظيم مسيرات العودة بشكل مستمر.

هذه هي الجولة العاشرة للمواجهات بين الجيش الإسرائيلي وبين الفلسطينيين، منذ انطلاق مسيرات العودة، قبل نحو عام، وتشير التقديرات الاستراتيجية أن هذه الجولة ما هي إلا تقدمة لحرب إسرائيلية شاملة على القطاع، في ظل قتامة الأفق السياسي، وانعدام الأمل لدى الفلسطينيين، خصوصا مع اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، واقتراب إعلان سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية.

بين الهدنة والحرب

من الواضح أن حالة الغضب الشعبي الفلسطيني ترتفع بما ينذر بتفجرها في وقت ما، مع تشكيل حكومة اليمين الجديدة في إسرائيل، والتي من المنتظر أن تكون الأكثر تشددًا في تاريخ إسرائيل، مما يؤكد إجهاض أية محاولة لطرح مسألة تفاوض بين الطرفين، مع الرفض الإسرائيلي لوجود شريك فلسطيني من الأساس، وهي الفكرة المُؤسسة لبرامج كل مرشحي الانتخابات الأخيرة التي فازت بها أحزاب اليمين.

تشير البيانات إلى ارتفاع في عدد العمليات العسكرية والأحداث التصعيدية في الضفة الغربية وغزة خلال العام الماضي، وتحديدا منذ منتصف 2018، ومن الملحوظ أن التصعيد مع قطاع غزة أمر ظاهر للعيان، ويبدأ عادة بحالة هجوم فردية، تتحول إلى اشتباك عسكري كبير.

رغم أن مصر تقوم بجهود مكثفة -وبشكل مستمر- منعا لحدوث انزلاق كامل، وكيلا تبدأ حرب إسرائيلية جديدة وشاملة على قطاع غزة؛ فإن المسألة تحكمها عوامل أخرى، على رأسها ارتفاع حالة القنوط الفلسطيني في غزة، واستمرار ضغوط المعارضة على نتنياهو، باتهامه بعدم قدرته على إدارة الصراع مع حماس، لتتحول المسألة من خانة “عدم القدرة على الإدارة” إلى مربع “لا حل سوى الحرب”.

لا بديل محتمل في غزة لحركة حماس، رغم أنها تفتقد السيطرة الكاملة على القطاع، حيث تظل القوة الحاكمة، ومن جهتها لا تسعى إسرائيل لاستبدال حماس، أو القضاء عليها نهائيا، رغم التصريحات السياسية الممجوجة التي تنادي بهذا، لأن إسرائيل تستفيد من بقاء الحركة التي تساهم في استمرار الانقسام الفلسطيني، كما أنها تلعب دور الكابوس الفلسطيني الذي يستثمره اليمين الحاكم في استلاب جماهيرية شعبية.

بالنسبة لحماس؛ فمن المرجح أنها لم تطور قدراتها القتالية بشكل كبير بعد 2014، خصوصا مع الحصار الإسرائيلي الخانق لقطاع غزة، ومع ذلك لا تعدم الحركة وسائل الردع التي تمكنها من كشف الغطاء الأمني الإسرائيلي، خصوصا وأن حماس يمكن أن تعتمد على الحراك الشعبي المتواصل، رغم أنها لا تسيطر عليه بشكل كامل.

ضبابية المشهد

الوضع القائم – بعد التصعيد الأخير- يشير إلى استمرار حالة ضبابية تجمع التهدئة والتصعيد، الهدنة والحرب، ويتخلل هذه الحالة عدم استعداد إسرائيل للتنازل، وفي الوقت نفسه عدم رغبتها في الانزلاق لحرب شاملة في الوقت الذي تنشغل فيه بكبح التمدد الإيراني، ولا يرغب نتنياهو بتشتيت قواه، ولكن في الأخير الأمر مرتبط بحسابات سياسية بين أطراف الائتلاف اليميني المتشدد، حيث يستعد نتنياهو لتقديم مغريات لحلفائه من اليمين الديني والحريدي من أجل تشكيل الحكومة، في الوقت الذي يتواصل فيه هجوم المعارضة، الذي يثمن سياسته تجاه غزة بالفشل.

الحرب بالنسبة للساسة في إسرائيل بمثابة “أكل عيش”، حيث تستقطب الدعاية والمخصصات المالية والأصوات الانتخابية المصحوبة بخوف شعبي ونزعات يمينية شوفينية، ولكن يبدو نتنياهو متمسكًا بخيار الحصول على مكاسبه بأقل قدر من الإصابات المباشرة، خصوصا وأن الصواريخ التي تطلقها الكتائب الفلسطينية من غزة تسبب هلعا شديدا في إسرائيل، لأن منظومة القبة الحديدية لا تستطيع مواجهتها بشكل كامل، والمواجهة الأخيرة أكدت هذا الأمر، بعد سقوط رشقات صاروخية على مناطق مأهولة، وفي المقابل تبدو حماس منكسرة أكثر من أي وقت آخر، لكنها لا تعدم الوسائل لتطوير قدراتها والرد على إسرائيل، مثلما حدث في العملية الإسرائيلية على خان يونس في أكتوبر الماضي، فيما يرزح سكان غزة تحت الحصار ويعيشون على القهر والغضب، بانتظار سيناريو آخر، سيناريو مخالف لوضع اللاهدنة- اللاحرب.

ربما يعجبك أيضا